23 ديسمبر، 2024 12:17 ص

هل الجاليات العراقية بحاجة الى أرشـفة تأريخها و أوضاعها؟

هل الجاليات العراقية بحاجة الى أرشـفة تأريخها و أوضاعها؟

لا تكاد الساعة الأخيرة من العام تنقضي، ويتهيأ الكل لأستقبال اولى دقائق العام الجديد، إلا وتكون صورة العراق وحلم العراق واحدة من الأماني التي يضمرها معظم العراقيين، اولئك الذين صارت دولا اخرى (كثيرة جدا) وطنهم الجديد، مع احتفاظهم بذاك الحبل السري بموطنهم الجليل، العراق.

ففي زمن ليس بعيدا، ربما قبل ٤٠ او ٥٠ عاما، لم يعرف العراقيين الغربة الا جزءا يسيرا منهم ركب البحار وقصد العالم الجديد (الولايات المتحدة، كندا و استراليا) بحثا عن فرصا جديدة للحياة، او هربا من واقع مؤلم، سياسي او طائفي او حتى عنصري ديني. فنشأت الجاليات الصغيرة في تلك البلدان، ورافقتها جالية في طور التكوين (ايضا) في المملكة المتحدة. لم تعرف دول اوربا في تلك السنين مسألة (اللجوء الأنساني – الأقتصادي – الديني – العنصري ) بل عرفت اللجوء السياسي، وهذا كان واردا للبعض وخاصة من المعروفين في الأوساط السياسية والأعلامية. لكن الصورة تغيرت في اواخر الثمانينات و مطلع التسعينات (بالنسبة للعراق حصرا) مترافقة مع إزدياد الأرهاب، وحرب الكويت، وفشل الأنتفاضة . إذ فتحت بعض الدول الأوربية منفذا انسانيا لأستيعاب ضحايا النظام وتقلبات الأوضاع والحروب، فأستفاد منها البعض، وأغتنى منها البعض الآخر (المهربون ) وبدأت اعداد اللاجئين بالأزياد سنويا، مترافقة مع ازدياد اعداد (المهاجرين) الى دول العالم الجديد، وصرنا اليوم (في العام ٢٠١٤) وبفضل الحكومات الطائفية، والميليشيات الأجرامية المسلحة، وأرهاب الدولة الأسلامية (داعش) نتحدث عن ملايين العراقيين الذين لم يتركوا زاوية من هذه الكرة الأرضية الا وقصدوها، بحثا عن الأمن والأمان والمستقبل (الذي افتقدوه في وطنهم).

في مشهد كهذا، تكبر عوائلنا ويزداد افرادها وتفرض على الكثيرين عملية التأقلم والتطبع مع المجتمعات والشعوب والدول التي فتحت ابوابها ومنحت الأمن والأمان والكرامة لهذه العوائل. ويبقى امر التعايش والمعرفة المتبادلة خاضعا لنوعية الناس في كلا جانبي المعادلة. فالمواطن (المهاجر او اللاجئ) يريد ان يعرف المزيد عن البلد المضيّف، فيما المضيفون يريدون ان يعرفوا المزيد ايضا عن (جارهم الجديد). وكما قلت فأن الأمر يخضع لمعايير كثيرة اهمها هي ثقافة الأنسان وسعة معرفته، على ان (ناسنا وأهلنا) لم يدخروا جهدا في شرح صورة بلدهم وتقاليدهم وتأريخهم وكل حسب مقدرته ولغته وفهمه، وهنا تأتي مهمة الجمعيات والمنظمات ومؤسسات الجالية في أخذ دورها وأيصال الصورة الى اكبر قطاع ممكن وخاصة للمدارس ووسائل الأعلام والصحافة في الأحداث الكبيرة كما شهدنا ذلك قبلا.

وأذا اردنا وضع هذا الأمر تحت المجهر، فأن تلك الجهود (الفردية) كانت لها ثمارا في حينها، وتتطلب المرحلة الآن اعادة النظر بتلك الصورة كاملة. فمن جهة، هناك جيل وصل لبلدان المهجر وأقام فيها منذ عشرات السنين، وهذا الجيل وبحكم قوانين الحياة آيل للتناقص وربما للزوال مستقبلا، وهناك جيلا ولد في تلك البلدان وصار يتوالد، فيما يعتبر تلك البلدان وطنه ، لأنه لا يعرف وطنا آخرا غيرها، وفي الجهة الثانية، فأن لا احدا يضمن مستقبل ما سيجري في العراق ولهذا ارى من الضروري وبغية الحفاظ على تلك الصلات الأنسانية بين (ابناء الجالية الواحدة) أو (ابناء المحافظة الواحدة) أو (ابناء العراق عموما) ان يجري العمل لأستحداث (بنك معلومات) يقوم بمهمتين اساسيتين:

الأولى: في جمع كل ما متوفر من معلومات، وباللغتين، عن العراق، او المدينة أو المحافظة او حتى القرية او القومية وما الى ذلك من تشعبات تساعد المتصفح على معرفة المزيد، وجعلها سهلة التداول . وهذه ربما تشمل الدراسات، الأبحاث، الكتابات، الأفلام والصور …الخ

ثانيا:معلومات عن الجالية العراقية في ذلك البلد او تلك المدينة، والغرض من تلك المعلومات يجب ان يكون واضحا وهو: لخدمة ابناء الجالية من الجيل الجديد ومساعدتهم على معرفة تأريخهم وتأريخ عوائلهم، وثانيا، لتسهيل مهمة الباحثين في شؤون الجالية وتسهيل مهمة التعايش والتعامل معهم. ان هذا الأمر يتطلب اعداد دراسات وأستشارات وأتفاق لتحديد الجوانب المهمة في تلك المعلومات التي ستوضع بتصرف (العامة) ودون المساس بالخصوصية الشخصية لعوائل الجالية، او استفزازها ببعض المعلومات (غير الضرورية في اغلب الأحيان) مما يخلق اجواء غير ايجابية للتواصل مع مجاميع كبيرة مازالت لليوم تعاني من (رهبة انظمة القمع) رغم مرور عشرات السنين، ويمكن هنا اعطاء صورة عن بعض تلك الأفكار:

1) عدد افراد الجالية وتقسيماتها من الذكور والأناث، ومن الفئات العمرية، وقد تكون فكرة أخذ عيّنة محددة أكثر واقعية.

2) المستويات العلمية، ان كان في العراق او في البلد المضيف

3) الواقع المهني لأفراد الجالية، في العراق وفي البلد المضيّف.

4) التنوعات القومية والعرقية

5) المدن العراقية التي انحدرت منها اقسام الجالية، وأبرز مدن تجمعاتها في البلد المضيّف

6) قصصا عن الرعيل الأول الذي وصل للمهاجر وأعمالهم وطرق تواصلهم فيما بينهم او مع اهاليهم في الوطن

7) افكارا اخرى ربما تضاف من قبل المختصين في هذه البحوث.

ان عملا بهذا الحجم يحتاج الى التفكير والتأني والأستئناس بآراء ابرز وجوه الجالية والمختصين بعلم الأحصاء، وبالتالي اخضاعه لمنطق (الفائدة العامة) من اجل ان يستوفي معظم الأفكار ، والتي حتما ستكتمل مع الوقت ودخول هذه التجربة حيز العمل، لكن هذا المشروع يحتاج الى مرتكزات ربما تكون بعضها:

1) تشكيل لجنة اساسية لهذا العمل، ويستحسن ان تكون من ذوي الأختصاص وأن ينظم عملهم برواتب

2) تضع خطة عمل وبرنامج ربما لسنة او سنتين او خمسة، وحسب حجم المشروع والجالية والأهداف المرجوة منه

3) يجري تبني هذا المشروع من مجموعة من منظمات الجالية، او جهة رسمية من البلد المضيف مع المنظمات، او اية مؤسسة تكون ذات مصداقية في الجالية، كون المشروع كبير وبحاجة الى رصد مالي كاف.

4) يستحسن ان ينطلق هذا المشروع بالترافق مع انطلاق موقع الكتروني له، وتظهر فيه المعلومات بالتتابع ومع توفرها، مما سيعطي انطباع لدى باقي الجالية، بأن اللجنة جادة وتستحق التعاون معها.

5) الأستفادة من شابات وشباب الجالية في المساعدة عبر نظام (العمل الطوعي) من اجل الأسراع بتحقيق اهداف الخطة المرسومة.

لا أظن ان طرح هذا الأمر هو مسألة (كمالية) أو من باب (البطر) بقدر ما هو واجب وطني وأخلاقي تفرضه التجربة، خاصة بالنسبة لقطاع غير قليل من ابناء الجيل الثاني والثالث وحتى الرابع والمنحدرين من عوائل عراقية (كلدانية في الغالب)، نسمعهم يعتزون ايما اعتزاز بوطن آبائهم و اجدادهم، لكن تنقصهم الكثير من المعلومات المكمّلة. وما يزيد الطين بلّة، هي الحالة المأساوية التي يمر بها (كل العراق) وخاصة الموصل وبلدات سهل نينوى، والتي ينحدر منها نسبة كبيرة من الأبناء المشار اليهم . فهم ينظرون بعيون مليئة بالألم لما آلت اليه اوضاع (أبناء و بنات عمومتهم) الذين فضلوا البقاء في وطنهم، ولم يبادروا للهجرة او في البحث عن موطن جديد. وبقناعتي، فأن هذا المشروع يحتمل الكثير والكثير من الأضافات والتطوير، وربما ستساعد (مستقبلا) ، دولة العراق بذلك، وربما الكثير من معاهد الدراسات والأبحاث، ناهيك عن الكم الهائل من المواقع الألكترونية التي تنشر للعراق وأهله. وتبقى هناك قضية اود لفت النظر اليها متمنيا ان تؤخذ بنظر الأعتبار وهي: ان يجري طرح المشروع بحجم وسقف قابل للتحقيق، لكن بطموح كبير، حتى لا تخيب الظنون ويموت العمل قبل ان يرى النور. ان تشخيص الهدف الرئيسي، وإقرانه بالأمكانيات المتوفرة (الآن) مهم جدا لضمان نجاح هذا المشروع.