9 أبريل، 2024 6:14 ص
Search
Close this search box.

هل التنمية الزراعية بحاجة الى هكذا كم من كليات الزراعة؟

Facebook
Twitter
LinkedIn

خلال السبعينات وبالتحديد في منتصفها كانت هناك خطة تنموية كبرى في القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني تمثلت بإقامة مشاريع ستراتيجية ( كالدجيل والدجيلة والاسحاقي والشحمية والدبوني والدلمج والصويرة ) كان الهدف من ذلك استصلاح الآلاف من الدونومات واعتماد شبكات الري والبزل مما حدا بخريجي الدراسة الإعدادية من الفرع العلمي للتسابق في الحصول على مقعد في كليات الزراعة العراقية التي كانت لاتتجاوز الخمسة كليات خلال الثمانينات من القرن المنصرم , تستقبل خيرة الطلبة بمعدلات لا تقل عن 75 % حتى اني حصلت على معدل 78.5 % عام 1978 – 1979 ولم احصل على مقعد في كلية الزراعة / جامعة بغداد , وقد كانت كليات العلوم المفضلة عادة بعد الهندسة تقبل معدلات اقل من الزراعة بل حتى بعض أقسام من الجامعة التكنولوجية .
ان الطلبة بتوجههم الى كلية الزراعة يأملون بإشغال المواقع الفنية في هذ المشاريع المذكورة لتدر عليهم برواتب مغرية مضافا لها المخصصات المهنية والخطورة والموقع والإطعام التي كانت تمنح في حينها وفعلا حصل الكثير على مبتغاة في التعين عبر التوزيع المركزي للخرجين على مؤسسات الدولة ، من هذا نستنتج ان الخطط التنموية في القطاع الزراعي ذات اثر كبير في تزايد رغبة الطلبة للتخصص الزراعي من الطلبة المتميزين والمتفوقين علميا ، ولكن بعد ان بدات الحرب العراقية الإيرانية في بداية الثمانينات أثرت على هذا التوجه لتوقف هذه المشاريع الزراعية حتى الصيانة فيها فكانت الكارثة الكبرى عندما انخرط الموظفون في ساحات الحرب والدمار الا من كان مسنا او مريضا .
في منتصف الثمانينات ومن سوء حظ الزراعة والزراعيين ان يصف الطاغية صدام حسين بكلام عرضي حامل شهادة الدكتوراه في الزراعة وصفا لاذعا ومساواته مع خريج الدراسة الابتدائية الذي يعمل على ماكنة الخياطة في معمل النسيج ، تبعها حالة الغضب والتشنج التي حصلت له عندما تراس اجتماعا للمدراء العامين في وزارة الزراعة ، فأمر حالا بإحالتهم جميعا على التقاعد ولم يسمح لهم حتى بجمع مقتنياتهم الخاصة في دوائرهم ، على اثر هذا تردى الواقع الزراعي وحالة العاملين في هذا القطاع بعد ان بيعت المؤسسات والمنشاءات الزرعية بطريقة غير مدروسه وبابخس الاثمان بعضها لرجالات معروفين بالدولة كما ظهرت قوائم الفائضين عن الحاجة جراء هذا الترشيق فكان يعرض الموظفين الزراعيين على الدوائر الأخرى بطريقة مذلة ومهينة حتى وصل الأمر بالزراعي ان يستحي من اختصاصه … في حين تفتخر المرأة الاسترالية أنها زوجة لزراعي او لفلاح رغم انها باحثة وأكاديمية وهذا ما لاحظته في الجامعات الاسترالية عامي 2004 – 2008
خلال العقد المنصرم والحالي توسعت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بفتح كليات الزراعة في عموم الجامعات بل أصبحت في كل محافظة كلية زراعية دون النظر والحاجة الفعلية لهذا الاختصاص رغم انها تعلم بسد فرص التعين منذ أكثر من عشرين سنة الا في حالات قليلة فزاد عدد الخرجين حتى أصبحوا من الالوف المؤلفة اذا ما حسبنا خريجو الثمانينات معهم .
لقد استوقفتني نتائج القبول المركزي لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي لعموم المحافظات بدءا من عام 2009 – 2010 والسنوات اللاحقة لها حيث كانت كليات الزراعة الاوطا معدلا 60 – 62 % في القبول بين الكليات العلمية ، اما على مستوى الاستقراء الناقص فلقد اطلعنا على نتائج القبول المركزي لمحافظة واسط – الدور الثكميلي لعام 2012 – 2013 حيث نجح من الممتحنين 242 طالبا تقدم منهم الى كلية الزراعة 53 طالبا وطالبة وان الحد الادنى للقبول 430 أي بمعدل 615 % وفي كلية البيطرة تقدم 8 طلاب الى هذه الكلية بحد ادنى للمجموع 402 اي بمعدل % 57.5
لقد فضل الطلبة اصحاب العالية المعاهد الفنية على كلية الزراعة وبالأخص المعهد الطبي الفني ومعهد النفط ومعهد التكنلوجيا بل لاحظت الكثير من الطلبة عدلوا ترشيحاتهم الزراعية من السنة السابقة الى المعاهد المذكورة رغم خسارتهم سنة دراسية كاملة فيمكن ان نتصور إلى اي حد وصل عزوف الطلبة في الابتعاد والنفور من التخصص الزراعي ، كما اننا نعرف أن اعدايات الزراعة تستقطب خريجي الدراسة المتوسطة من الحائزين على درجات متدنية واغلبهم ناجحين في الدور الثاني وهذا سينتج كادرا زراعيا وسطيا ليس بالمستوى المطلوب وحتى الذين قبلوا في كليات الزراعة في هذه السنوات لا نعتقد سيكونون كوادر علمية كفوءة بسبب درجاتهم الواطئة مضافا اليها عدم رغبتهم وان المعدل هو من وضعهم في هذا الاختصاص فيصبحون كحالة كالمتزوج من امرأة لا يرغب فيها والا كيف نفسر قبول 61 طالبا وطالبه في كلية الزراعة والطب البيطري من اصل 242 نجحوا في الدور الثاني التكميلي في محافظة واسط فمعدلات هؤلاء الطلبة لم تقبلها المعاهد الفنية هذا العام وهذا يعني ان الطلبة المقبولين بالاجبار وليس بالاختيار فاما ان تقبل بالزراعة او ان لا تحصل مقعد جامعي فهل هكذا نوعية من الطلبة حتى ولو وجدت لهم فرص عمل مستقبلا سيساهمون في خطط التنمية الزراعية ؟؟؟,, بالتاكيد الجواب كلا تصوروا الامر لو قبلت كليات الطب بمعدلات اقل 90 % هل سنحصل على اطباء بالمنظور المطلوب بالتكيد ايضا لا وسنحصل على مضمدين بعناوين اطباء نفس الحالة تنطبق على وظيعية القبول للزراعيين في الجامعات خلال العقد الحالي ..
ان هذا الموضوع يحتاج وقفة من الحكومة وبالاخص وزارة التخطيط لاعادة هيكلة القطاع الزراعي من جديد وفق خطط علميه ومعالجة القيود المتمثلة بتدهور الاراضي وندرة المياه وتغيرات المناخ ,حتى لا يبقى العراق ارض السواد وبلد النهرين بلدا مستهلكا للمنتجات الزراعية ويعتمد في سلة غذاءه على دول الجوار بسبب ملوحة التربة المتزايدة سنة بعد أخرى وندرة المياه والسياسات الزراعية الخاطئة التي اتبعت من الأنظمة السابقة يضاف إليها تدهور التعليم الزراعي التي بدأت أثاره تظهر شيئا فشيئا , اما على مستوى العاملين لابد من اعتماد آليات تعيد الثقة والرغبة للطلبة من النخبة لتفضيل كليات الزراعة وهذا لا يتم الا باعتماد حوافز مغرية كالتعين والمخصصات المتوقفة والتخلص من الهيكل الزراعي المترهل والذي أصبح غالبيته من المعادين ومن الكادر الوسط وتعويضه بدماء جديدة من الشباب الخرجين والا فغلق كليات الزراعة هو الاولى والاجدر طالما لم تكن هناك فرص لتعين جميع هؤلاء منذ 1980 ولحد الان واصبح واقع الخرجين اشبه بمعمل ينتج سلعا ولا احد يرغب بشراءها فتتكدس وتبور لاسيما ان بعض الدوائر التي تعلن عن تعينات تشترط ان يكون المتقدم من غير الزراعيين فهناك استخفاف من قبل بعض مؤسسات لمهنة الزراعة تصوروا المعينين بعقود على تنمية الاقاليم اعيد النظر برواتبهم واستثني منهم الزراعيين , كما ان المخصصات المهنية التي كان يتقاضاها الزرعيون اوقفت منذ عام 2003 رغم تاكيدات مجلس تانواب ومجلس الوزراء الا ان وزارة المالية لا تؤمن تخصيصاتها سنويا دون ان تعطي مبررا لذلك . .
واخيرا وبدلا من التوسع في اشاء كليات الزراعة لنلتفت الى التوسع في انشاء السدود والخزانات على نهري دجلة والفرات لاستثمار كل قطرة مطر زائدة حيث ليس من المعقول تتحول نعمة السماء بالمطر المدرار في العام الماضي والحالي الى كارثة طبيعية هددت بعض مساكن المواطنين وضررت مزارع المواطنين , كما يجب التفكير الجدي بتفعيل اعمال الاستصلاح لملاين الدونمات في وسط وجنوب العراق التي تعاني من مشكلة الملوحة .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب