على عكس ما جرى في ليبيا واليمن وتونس وسوريا ومصر رغم بعض الاختلافات، فإن الحراك الشعبي المتواصل في السودان والجزائر لا يختلف عن خواتيم الأوضاع في هذه الدول، لكنه يختلف من حيث أدوات التغيير المنشود.
والراصد لمسار حركة الاحتجاجات في القطرين الشقيقين يستطيع القول إن الساعين للتغيير دفعتهم الظروف للجوء إلى المؤسسة العسكرية، وهو خيار قد يجنب بلديهما ما جرى في بلدان شقيقة.
وعلى الرغم من أن هذا الخيار محفوف بالمخاطر، إلا أن استمرار وتصاعد وتيرة الاحتجاجات الشعبية السلمية قد تكون العامل الحاسم في مواصلة المشوار للوصول إلى التغيير المطلوب.
صحيح أن الرئيسين عبد العزيز بوتفليقة وعمر البشير قد غابا عن المشهد السياسي بفعل الضغط الشعبي، غير أن أدواتهما ما زالت تعمل بالخفاء لوقف عملية التغيير لحماية نفسها من المساءلة القانونية.
من هذا الاعتقاد برز دور العسكر في الجزائر والسودان ـ رغم بعض الاختلاف في المشهدين ـ في محاولة لتسويق هذا الدور بحجة حماية السلم الأهلي، ومنع دخول البلدين في المجهول وربما إلى الفوضى، وهو الأمر الذي دفع قوى التغيير إلى اللجوء بالحوار مع رموز المؤسسة العسكرية لتفادي مخاطر الدخول بالمحظور كما جرى في بلدان أخرى.
إن التغيير عبر بوابة العسكر ينبغي أن يكون حقيقيا وشاملا يلبي تطلعات الشعبين الشقيقين بالحرية والديمقراطية، واقتلاع الفساد، وبناء الدولة المدنية التي يسودها العدل ويحكمها القانون بعيدا عن عمليات الإقصاء والتهميش والثأر كما جرى في العراق بعد غزوه واحتلاله.
وحتى يأخذ التغيير المنشود مدياته المرجوة، ينبغي من قواه التي تقوده أن تتحلى بالصبر والحذر والحكمة، وتستند إلى رؤية سياسية واضحة المعالم، وتتوحد وتتفق على قواسم مشتركة لمعالجة تداعيات ما جرى في بلديهما بعيدا عن أجندات التدخلات الخارجية التي تتقاطع حتما مع أهداف وتطلعات الحراك الشعبي.
لقد بات واضحا أن التغيير السلمي هو من يجنب أهواله المتوقعة التي قد ترافقه، ومهما حاول البعض حرفه عن مساره الصحيح بالوقوف في طريقه، إلا أنه ماضٍ متجاوزا العقبات؛ لأن التغيير أصبح من سمات عصرنا واشتراطات الحياة الجديدة المنسجمة مع مطالب الحراك الشعبي.
نعم إن الجزائر والسودان يمران بمنعطفات وبمرحلة حساسة ومصيرية، إلا أن الحراك السلمي المنضبط هو من يعطي الأمل بعملية تغيير شاملة وسلسة تعكس أصالة بلديهما وحضارية حراك المحتجين ومطالبهم المشروعة، فيما نأمل أن تبقى المؤسسة العسكرية في البلدين الشقيقين منحازة؛ لأنها بالأحوال كافة أنها جزء من الشعب ومصدر قوته.
من هذا الإحساس بإمكانية نجاح عملية التغيير في الجزائر والسودان حتى وإن كان عبر ومساعدة المؤسسة العسكرية؛ لأن الخيار الآخر قد يدخل البلدين في دوامة العنف والعنف المضاد، وحينها نخسر الرهان على ثنائية التغيير وديمومته وصولا إلى واقع وأفق جديد يعيد للبلدين دورهما في محيطهما، ويلبي طموحات شعبيهما بغد واعد خالٍ من العنف والاحتراب والتناحر السياسي.
[email protected]