كثيرةُ هي المشاكل التي عصفت بالوضع السياسي العراقي ، بعد احداث عام ٢٠٠٣ ، فكانت عملية التقسيم الطائفي اول أساس للمشاكل الجمة التي تعرض لها العراق بأركانه السياسية ، فما ان هدأت عاصفة التغيير في البلاد ، حتى اندلعت عاصفة الطائفية ، لتكون هي المحرك للصراعات المستدامة في البلاد ، وتحركت على أساس هذه العاصفة جميع الاجندات بمختلف توجهاتها وأهدافها ، فبدا الاقتتال المذهبي بين السنة والشيعة ، وبدا التقسيم المناطقي في داخل المدينة الواحدة ، والمحافظة الواحدة ، وبدا مشروع الطائفية يعمل بصورة جدية ، ويدام باستمرار ، ليكون ناراً وقودها الأبرياء من أبناء الشعب الواحد ، وهذا كله تم بتخطيط خارجي ، ليعيش العراق صراعاً طائفياً بين ابناءه ، ويقوده رجال السياسة ، وبأجندات خارجية في الخفاء ، وبات الوضع السياسي مهدد بأكثر من مرة بالانهيار والسقوط ، الى جانب رعونة وغباء ممسكي السلطة ، الذين كانوا لدرجة من الغباء أفقدتهم الرؤية الصائبة في معرفة مسار الاجندات الخارجية في البلاد ، ومخطط المحاور ، الذي التزم به الساسة ( السنة ، والشيعة ، والأكراد ) على حدٍ سواء ، فما كان الا ان تبنى الدولة الحديثة على أركان ( المحاصصة ، الطائفية ) ، وهو بحد ذاته تخريب لبناء دولة المؤسسات ، وإدامة بناء مشروع الدولة المدنية الحديثة في البلاد .
ما زاد الأوضاع ماوساوية ، هو دخول لغة الدم على خط الصراع السياسي ، فبدأت مرحلة جديدة ، هي أدوات الصراع ، فكانت القاعدة ، هي الاداة الاولى ، امام سيطرة الشيعة على الحكم في البلاد ، فبدأت القاعدة في عمليات القتل والتصفية على الهوية ، وأمست بغداد في دائرة دموية مغلقة ، فمن يدخل يذبح ، ومن يخرج يقتل ، وبقيت الجثث هي اللغة السائدة في شوارع بغداد ، وأمست المناطق ساقطة بايدي السياسيين ، سواء من قاعدي المنشأ ، أو طائفي العقيدة ، حتى اكتمل المشهد الدموي بتفجير قبة الإمامين العسكريين (ع) ، لتكتمل صورة المشهد الدموي ، وتبدأ مرحلة الصراع المباشر بين السنة والشيعة في البلاد ، وأضحى الاقتتال مباشراً سواءً في شوارع بغداد ، أو في المدن الاخرى ، وأمسى العديد من الطرق الداخلية أو الخارجية تسمى “طرق الموت ” ، اذ ينتشر فيها الذباحون والقتلة ، ويستمر المشهد السياسي دمويةً في البلاد
وبمختلف الأدوات والوسائل ، وبإسناد دولي وإقليمي ، والهدف تمزيق العباد والبلاد ، وظل الصراع يمارس بوجهين ، وجهاً سياسياً نهاراً ، وجهاً ارهابياً ليلاً ، وتكون أدوات الإرهاب السياسيون أنفسهم ، وما ان هدأت الأوضاع السياسية والأمنية قليلاً حتى يبرز إلينا ، ذباحاً جديداً يسمى ” الزرقاوي ” ليكمل مسلسل الاٍرهاب في البلاد ، ولكن بادوات مختلفة ، عبر التفخيخ والتفجير ، فامتلئت الشوارع بالقتل والدم ، والجثث المتناثرة ، واستهداف كل شي حي ، ولكن الغريب في الامر ان القتل هذه المرة يذهب بالسني والشيعي على حدٍ سواء ، وبدات مرحلة جديدة من القتل والتهجير الطائفي ، وأمسى الجميع مهدد بالتهجير من وطنه . كانت ساحات الاعتصام المدرسة الام لبداية ولادة داعش الإرهابي ، وكانت هذه الخيم هي الممهد لهذا الخروج ، الى جانت الجهل والغباء السياسي الذي مارسه الحكام الشيعة ، والذي لم يستطع احتواء هذا المستنقع الخطر ، وإيقاف هذه الرمال المتحركة ، والتي امتدت لتكون مستنقعاً كبيراً يهدد الوضع السياسي من جديد ، ويكون نداً قوياً امام حكومة ” الوكالة ” ، والتي لم تستطع حتى الحفاظ على الارض العراقية من الضياع امام عصابة من الإرهابيين والقتلة العرب ، فبدأت مرحلة داعش ، لتعلن عن وضع جديد ، هو السيطرة على المدن ، فما ان تحركت عصابات داعش حتى سيطرت وبسرعة فائقة على مدن كبيرة ومهمة ( الموصل ، صلاح الدين ، الأنبار ، ديالى ، وصولاً الى حدود بغداد الشمالية والجنوبية ) وأمست ناحية جرف الصخر ، سهماً ساماً يقتل الشارد والوارد ، ويكون هو اللاعب الرئيسي في البلاد ، وباتت بغداد تحت مرمى سهام هذه العصابات ، وتبدا مرحلة ثالثة تمثلت باسقاط المدن والأقضية ، والاعتماد والسيطرة على الموارد النفطية للبلاد ، وهذا لا يعد فقط هزيمة امام هذه العصابات ، بقدر ما هو خيبة وسقوط لساسة العراق امام جمهورهم ، وهكذا استمر ويستمر الصراع السياسي ، ولكن هذه المرة بادوات جديدة ، هي داعش ، التنظيم الإرهابي المأجور ، والذي جيء به ليكون اداة السياسيين في هدم ما تبقى من اطلال الدولة العراقية ، والسعي من اجل وضع حجر الأساس لتقسيم العراق وفق أسس طائفية ومذهبية وقومية ، وهذا ما نجح به الدواعش ومن ممثليهم من السياسيين ، في تمزيق وحدة البلاد وشعبه ، وتقسيم البلاد تقسيماً مناطقياً يسعى من خلاله الساسة ان يكونوا اجندات متحركة في البلاد .
داعش هو احد الأدوات السياسية في البلاد ، وان اي نجاح عليها لا يمثل نجاحاً وانتصاراً كلياً على كل الاجندات ، لانها ما زالت قائمة ، لذلك سوف تتعدد الأدوات بتعدد هذه الاجندات ، ويتحول العراق من جديد الى ساحة صراع جديدة ، ولكن بأساليب ربما تكون جديدة ، وأدوات غير الثلاث التي ذكرناها ، ولا يعني النصر في الموصل ، نهاية الصراع والخلاف ، وما ان تنتهي حلقة حتى تبدأ حلقة اخرى ، ولكن بأبطال جديد ، وادوار جديدة ، ومشاهد جديدة ، يكون فيها المشاهد هو المسرح ، لهذا نهاية داعش لا يعني نهاية الخلاف والصراع السياسي ، بل ان القادم يحمل إلينا مفاجات ، وما داعش الا ” جس نبض ” ، وان الملف مستدام ما دامت الاجندات تعمل والأدوات قائمة ومستعدة لتحقيق هدف هذه الاجندات .