18 ديسمبر، 2024 8:00 م

هل الاتفاقية النفطية بين بارزان وأردوغان سرية حقا؟

هل الاتفاقية النفطية بين بارزان وأردوغان سرية حقا؟

منذ أن أقر مجلس النواب قانون الاقتراض لتمويل العجز المالي يوم 12/11/2020، وانسحاب نواب التحالف الكردستاني من جلسة التصويت احتجاجا على عدم “مراعاة” مبدأ التوافق الوطني في إقرار القانون، كانت لسياسيين كرد، لاسيما من الحزب الديمقراطي الكردستاني، ردود فعل عنيفة. فقد عد مسعود بارزاني، زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، إقرار هذا القانون “طعنة وجهها الشيعة والسنة ضد الكرد” في حين أعرب برهم صالح، رئيس الجمهورية، عن أسفه لتمرير قانون تمويل العجز المالي من قبل مجلس النواب دون توافق وطني بسبب مقاطعة الكرد لجلسة التصويت.

بخلاف ردود الفعل تلك، فإن سياسيين كرد معارضين، لاسيما ممثلي حركة التغيير في مجلس النواب ومجلس نواب إقليم كردستان، عبروا عن مواقف مغايرة، منتقدين انعدام الشفافية لدى حكومة إقليم كردستان في إدارة ملف النفط والتصرف بالعائدات النفطية. وقال علي حمه صالح، النائب في مجلس نواب إقليم كردستان عن حركة التغيير إن “القانون فرصة للإقليم، حيث يضمن 750 مليار دينار شهرياً، إذا ما التزمت حكومة الإقليم بتسليم 250 ألف برميل نفط شهرياً، مع نصف عائدات المعابر الحدودية، وهذا أفضل من الاتفاق السابق الذي ينص على دفع 320 مليار دينار شهرياً للإقليم”.

عقب ذلك، “كشف” عدد من النواب الكرد في مجلس النواب ومجلس نواب إقليم كردستان، لاسيما من حركة التغيير أيضا، أن حكومة إقليم كردستان، أو العصبة البارزانية الحاكمة تحديدا، عقدت اتفاقية استراتيجية سرية مع تركيا أمدها 50 عاما لتصدير النفط المنتج في إقليم كردستان (ونفط كركوك في الفترة حزيران 2014 – تشرين الأول 2017) ضمن ترتيبات سياسية ومالية وتجارية تضمنها الاتفاق. وانبرى 120 عضوا في مجلس النواب للمطالبة باستجواب رئيس وزراء الإقليم ووزير الموارد الطبيعية فيه بشأن الاتفاقية الإستراتيجية “السرية”.

لنعد إلى البدايات. ما مبرر الاتفاق؟ منذ عام 2009، بدأ إقليم كردستان بإنتاج النفط بكميات تجارية تصاعدت لتصل إلى زهاء 570,000 برميل يوميا، يستهلك منها محليا 150,000، مما يتيح تصدير 420,000 برميل يوميا، أضيف إليها في الفترة حزيران 2014 – تشرين الأول 2017 ما يتراوح بين 170,000 و230,000 برميل يوميا من نفط كركوك.

كيف كان إقليم كردستان يصدر النفط؟ في البداية، كان إقليم كردستان يصدر النفط إلى تركيا وإيران عبر “أنبوب من الشاحنات الحوضية” كما وصفته الـ “نيويورك تايمز” في تقريها المعنون “مهربون يخرقون العقوبات على إيران” المنشور في 8 تموز 2020، والذي في الحقيقة ليس تهريبا، لكنه تصدير غير مشروع بترتيب وتسهيلات بين حكومة إقليم كردستان وإيران وتركيا. لكن تزايد الإنتاج والكميات المتاحة للتصدير جعل استخدام الشاحنات الحوضية غير مجد. وكان الحل الوحيد الممكن مد أنبوب لتصدير النفط الخام إلى ميناء جيهان في تركيا، محاذ لخط الأنابيب العراقي – التركي، الذي تمتلك الحكومة الإتحادية الجزء الممتد في الأراضي العراقية منه وتمتلك الحكومة التركية الجزء الآخر. وهكذا، وبالتواطؤ مع حكومة أردوغان، جرى التوصل إلى إطار اتفاقية استراتيجية في آيار 2013 أعقبه إبرام الاتفاقية الإستراتيجية بين الطرفين في تشرين الثاني 2013.

ما الذي تضمنته الاتفاقية الإستراتيجية؟
مد خط الأنابيب لنقل النفط الخام من حقلي طاوكي وخورمال في محافظة كركوك إلى ميناء جيهان على البحر المتوسط بقطر 910 ملليمتر وسعة 150,000 برميل، على أن يتحمل كل طرف كلفة الجزء في أراضيه. أنجز خط الأنابيب هذا في نيسان 2014 وجرى تحميل أول شحنة نقلت عبره إلى ميناء جيهان يوم 23 آيار 2014. بعدئذ، زيدت سعة الخط إلى 700,000 ثم إلى مليون برميل يوميا عام 2018. وأنوه هنا أن سعة مليون برميل يوميا تزيد بكثير عن ما متاح للتصدير، والذي يتراوح بين 420,000 – 470,000 برميل يوميا في أفضل الحالات. ويبدو أن الهدف من هذه الزيادة في سعة خط الأنابيب، على الأرجح، ضم إنتاج حقول كركوك بعد تطويرها لتنتج 300,000 – 400,000 برميل يوميا.
تستحوذ تركيا على 50% من كميات النفط الخام التي تضخ عبر الخط الأنابيب بسعر تفضيلي.
تودع عائدات النفط الخام المباع إلى تركيا في بنك خلق التركي حصرا وتستخدم لتغطية صادرات تركيا إلى إقليم كردستان فضلا عن كلف خدمات والتزامات أخرى.
الأمد الزمني للاتفاق الإستراتيجي 50 عاما.
السؤال الآن: هل أن هذا الاتفاق الإستراتيجي شرعي؟ بالتأكيد كلا. فالتفاوض على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية وتوقيعها والتصديق عليها من الصلاحيات الحصرية للحكومة الإتحادية على وفق المواد 73 – ثانيا، 80 – سادسا و110 – أولا من الدستور. وتركيا دولة أجنبية، وأي اتفاقية معها، مهما كان محتواها، من صلاحية الحكومة الإتحادية حصرا.

يبقى السؤال الأكثر أهمية: هل أن الاتفاق الإستراتيجي سري حقا؟ رغم أن لا حكومة إقليم كردستان ولا الحكومة التركية أعلنتا رسميا عنه، وهذا دليل على عدم شرعيته، فإن 13 صحيفة ومركز أبحاث وموقعا إلكترونيا كشفت عنه، بدءا من صحيفة فايننشيال تايمز التر كانت أول من أشار إلى إطار الاتفاقية الإستراتيجية في مقال معنون “تركيا تتفق على صفقة مع شمال العراق الكردي” والمنشور في 13/5/2013، أعقبه مقال معنون “تركيا وكردستان العراق يتوصلان إلى اتفاق بشأن الطاقة أمده 50 عاما” نشر في جريدة ديلي نيوز التركية في 5 حزيران 2014، و مقال معنون “تركيا، كردستان العراق تبرمان صفقة طاقة أمدها 50 عاما” نشر على موقع صوت أميركا في 5 حزيران 2014، وتقرير تحليلي عنوانه “صعود داعش فرصة ذهبية للكرد العراقيين” صدر عن معهد كارنيجي للسلام الدولي في 19 حزيران 2014، ومقال بعنوان “المؤامرة التركية على الجارين العراق وسوريا” الذي نشره موقع أي آر ميديا في 3 تموز 2014، وتقرير تحليلي عنوانه “صعود كردستان: الإقرار بانحلال العراق أو تجاهله” الذي أصدره معهد بروكنغز في واشنطن في تموز 2014، ومقال عنوانه “تركيا وكرد العراق يعقدان صفقة بشأن الطاقة أمدها 50 عاما” نشره مقع ميدل إيست آي في 12 شباط 2015، ومقال عنوانه “مسألة أمن وطني؟ الاتفاقية السرية التركية – الكردية” المنشور على موقع “نقاش” بالعربية والكردية والإنكليزية في 23 نيسان 2015، ومقال بعنوان “الاتفاقية السرية التركية – الكردية” المنشور على موقع Iraq Business News في 29 نيسان 2015، ومقال عنوانه “لماذا تكره الحكومة التركية الكرد؟” المنشور على موقع Politics.IE في 3 أيلول 2016، وتقرير تحليلي بعنوان “العلاقة بين تركيا وحكومة إقليم كردستان: مصالح متبادلة وتحديات جيوبوليتية” الذي أصدرته مؤسسة البحوث السياسية والاقتصادية والاجتماعية (SETA) في واشنطن في 10 أيلول 2017، ومقال بعنوان “التركمان يتحدون ضد المخططات الكردية في كركوك” المنشور على موقع الـ “مونيتور” في 10 تشرين الأول 2017 وتقرير تحليلي عنوانه “النهاية لازالت في المنال: التطورات الجديدة في الشرق الأوسط وما وراءه” الذي نشره معهد الاستشارات الإستراتيجية والسياسية والأمنية والاقتصادية في برلين في تشرين الأول 2017، وهذا ما نشر باللغة الإنكليزية فقط!

إذا، القول أن الاتفاقية الإستراتيجية سرية غير صحيح، فالمعلومات عنها وبعض محتواها تسربت منذ آيار 2013، وتأكدت بإنشاء خط الأنابيب وتشغيله في آيار 2014 وتوسيعه عام 2018 وبرفض تركيا، وهذا الأهم، إغلاق المعابر الحدودية مع إقليم كردستان بعد الاستفتاء على الانفصال رغم أن الحكومة الاتحادية طلبت ذلك. وهذا يفسر أيضا أين تتسرب عائدات نفط إقليم كردستان ولماذا ترفض حكومته بإصرار تسليم 250,000 برميل يوميا من النفط الخام إلى شركة تسويق النفط على وفق ما ورد في قوانين الموازنة الاتحادية منذ عام 2012. فبعد طرح الاستهلاك المحلي (150,000 برميل يوميا) من الإنتاج الكلي حاليا (470,000 – 560,000 برميل يوميا) وأن تركيا تستأثر بـ 50% من الكمية المتبقية للتصدير (160,000 – 205,000 برميل يوميا من الكمية المصدرة التي تبلغ 320,000 – 410,000 برميل يوميا) يبدو واضحا لماذا تتملص حكومة إقليم كردستان من تسليم 250,000 برميل يوميا إلى شركة تسويق النفط، فالكمية المتبقية بعد طرح حصة تركيا المقررة في الاتفاقية الإستراتيجية لا تكفي!

إذا، ما ظل سريا النص الكامل للاتفاقية الإستراتيجية فقط. لذا، فالادعاء أن الاتفاقية الإستراتيجية “سرية” ساذج ومضلل. فبالتأكيد عرفت الحكومة الاتحادية ومجلس النواب بالاتفاقية الإستراتيجية، على الأقل من وسائل الإعلام، لكن أي منهما ما تجرأ على إثارة المسألة، لا مع حكومة إقليم كردستان ولا مع الحكومة التركية! ولاسيما وأن كل من الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان يعمل على مبدأ “مشيلي وأمشيلك” و”طمطملي وأطمطملك” إلى أن حل الخراب أو كاد!

زبدة القول، الحكومات الإتحادية ومجالس النواب المتعاقبة كانت تعلم على الأقل بوجود هذه الاتفاقية الإستراتيجية ولم تحرك ساكنا. وفي ذلك حنث بالقسم الذي أداه المعنيون في السلطتين التشريعية والتنفيذية وللالتزام الشرعي والأخلاقي بالدستور وحماية مصالح الشعب.

أما مجلس نواب إقليم كردستان، فـ “نايم ورجليه بالشمس”… لم يجرؤ يوما أن يسأل العصبة البارزانية الحاكمة عن هذه الاتفاقية الإستراتيجية ولا عن عقود المشاركة في الإنتاج ولا أين تذهب عائدات النفط الخام المصدر والتي ما دخلت يوما موازنة الإقليم! كل هذا، ومجلس نواب إقليم كردستان أعلن رفضه لمطالبة مجلس النواب العراقي باستجواب رئيس وزراء الإقليم ووزير الموارد الطبيعية فيه بشأن الاتفاقية الإستراتيجية “السرية” لأنه انتهاك للدستور! وكأن مجلس نواب إقليم كردستان “مشرمها” في مسائلة حكومته!