23 ديسمبر، 2024 5:55 ص

هل الإصرار على الخطأ ثقافة !!

هل الإصرار على الخطأ ثقافة !!

وقف العالم بأجمعه عام ١٩٩١ على قدم واحدة. وحبست الأنفاس. سواءاً داخل العراق، أو عالمياً، خارجه. لم يبق أحداً لم يحذر الرئيس صدام حسين من مغبة إصراره على عدم الخروج من الكويت. الدول الكبرى، ومجلس الأمن حذراه بشدة. الدول الصديقة، صغيرها، وكبيرها، حذرته. وأعتبرت أصراره على البقاء في الكويت، دون رؤية واقعية وواضحة للمشهد مجرد تهور، وعناد، لا مبرر لهما. سألت أحد السفراء، في حطينه، عن نتائج إجتماعهم مع الرئيس في بغداد قبيل التحذير الأمريكي للعراق، أجاب أن الرئيس إستخدم تعبيراً فلاحياً، قائلاً للسفراء ” هدلوا أذانكم ” أي، لا تعيروا إنتباهاً لما يقال حولكم من تحذيرات، وتهديدات، ولم يقدم لهم رؤية حقيقية لمقاومة، أو الحد من تلك التحذيرات أو الوقوف بوجه التهديدات. ولم يزود لا سفراءه، ولا غيرهم بقدرة حقيقية للصمود. وكانت النتيجة، ما يشهده العراق من مأساة منذ ذلك التأريخ، وحتى يومنا هذا، لم يستطع العراق أن يقف على قدميه، منذ تلك السقطة. لقد أصر على الخطأ، ولم يستوعب جدية التهديدات، رغم إن هناك أيدٍ إمتدت اليه، لتنقذ له ماء الوجه، وأعني بها، يد الأمين العام للأمم المتحدة ديكويلار، ويد الرئيس الفرنسي ميتران. وكان ما كان، وحصل ما حصل، والعراق جثة هامدة، منذ ذلك التأريخ، الى يوم لم تتضح معالمه، حتى الآن. وكل مأسي العراق، هي نتيجة لعدم تقدير ذلك الموقف، وإنتهازية المحيطين، وجهل السياسيين. ثقافة مبنية على العناد، وعلى الشك.

ما أشبه اليوم بالبارحة. موقف مسعود برزاني، الذي لا أحمل أي ضغينة عليه، ولا على شعبنا الكردي البسيط، الذي هو أيضاً، كحال الشعب العراقي، عشية التهديد بضرب العراق. هذا الموقف الذي يتسم بالعناد، وعدم تقدير الموقف، والجهل بكل ما يحيط به، وبإنتهازية المحيطين، وتقديم مصالحهم الذاتية، على إنها مصلحة الشعب الكردي. الدول الكبرى حذرت من مغبة السير في هذا الطريق، غير متضح المعالم.. وكذلك مجلس الأمن الذي أصدر بياناً برفض هذا الإستفتاء. مجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية رفض الإستفتاء، وأعتبرته مساس بوحدة وسلامة العراق. الدول الأقليمية ذات العلاقة لم ترفضه فحسب، بل أعتبرته مساساً بأمنها القومي. جميع دول العالم ومنظماته الدولية والإقليمية رفضت هذا الإجراء. على المستوى الداخلي، هو إجراء غير دستورى، تنص عليه بوضوح المادة الأولى من الدستور. أعتبرته المحكمة الدستورية العليا إجراءاً باطلاً. رفضته الحكومة المركزية. ورفضه مجلس النواب. وأعبرته جماهير الشعب العراقي بجميع أطيافه، بما فيها المتنورين من الشعب الكردي، اجراءاً لا مبرر له. سيما وإن العراق، بعربه، وبكرده، وبجميع مكوناته، يخوض حرباً مصيرية شرسة ضد تنظيم الدول “داعش”. فما المبرر لهذا الموقف المرفوض. وهل حقاً يَصْب في مصلحة الشعب الكردي في هذا الوقت. إن الإعتماد على طرف منبوذ أقليمياً، ومثار جدل كبير، في وجوده، وبنيويته، بحسابات مشوشة، وخاطئة، أمر يثير الإستغراب. أي، هل إن الكرد يسعون الى إقامة دولة شبيهة بدولة إسرائيل غير مقبولة أقليمياً، ولا يمكنها تطبيع علاقة لها مع أي من شعوب المنطقة.. أم إن إنجاز الكرد بوجود أقليم هو أقرب الى شكل الدولة، منه الى مجرد حكم ذاتي. إن الإصرار على الخطأ أمر يثير الشفقة. ولا أحد يتمنى للإنجاز الذي حققه الكرد خلال الفترة المنصرمة أن تتبخر، كما تبخر الإنجاز العراقي المتميز في سبعينات القرن المنصرم. عصر ذهبي، وبحبوحة عيش مريح. عندما حذروه بإعادته الى عهد ما قبل الصناعة. فحققوا ما هددوا به. وبَقى في شلل تام منذ ذلك التأريخ. لن نتمنى لشعبنا الكردي، ولا لأقليمه، أن يبقيا في شلل. ولتتغير ثقافة العناد، وثقافة الإصرار على الخطأ. ليس على مستوى الإقليم، فحسب، بل على مستوى عموم العراق، بشكل عام.