[تحليل سياسي للمرحلة الانتقالية بين الهدوء الخادع والانفجار القادم]
يقف الشرق الأوسط اليوم، على حافة هاوية جديدة، حرب كبرى تلوح في الأفق، لم تعد مجرد احتمال، بل تتشكل ملامحها شيئًا فشيئًا على الأرض.
المنطقة تغلي بصراعات مؤجّلة، وتقاطعات حادة في المصالح، وسط تداخل إقليمي ودولي يضع الجميع أمام استحقاقات خطيرة.
• إيران وإسرائيل:
المواجهة المؤجلة تقترب رغم التصعيد المتقطع بين إيران وإسرائيل، من حرب الظل في سوريا والعراق، إلى الاغتيالات والتسريبات، ظلت المواجهة المباشرة مؤجلة. لكن عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير/ كانون الثاني 2025 غيّرت المعادلة.
الرجل الذي انسحب من الاتفاق النووي في ولايته الأولى، وعاد بسياسة “الضغط الأقصى”، يُعيد الآن تفعيل أدوات المواجهة. دعمه الصريح لإسرائيل، وتنسيقه مع حلفاء إقليميين، يعكس رغبة واضحة في خنق النظام الإيراني عسكريًا واقتصاديًا.
أما ما يُسمى إعلاميًا بـ”الهدنة” القائمة منذ نحو شهر، فلا تتعدى كونها “استراحة مقاتل”. استغلها الاحتلال الإسرائيلي لترميم قبته الحديدية، وتعزيز قدراته الدفاعية، استعدادًا لجولة يُرجّح أن تكون أشدّ من كل سابقاتها.
• المسرح العراقي–السوري: عودة الفوضى المنظمة
في الأسابيع الأخيرة، سُجّلت هجمات بطائرات مسيّرة على مطار كركوك ومصفى بيجي. الجهة المنفذة لم تُحدّد رسميًا، لكن السياق يشير إلى بصمات داعش أو جهات تستخدمه كغطاء.
بالتوازي، ظهرت مؤشرات لتحرك جماعات متطرفة من سوريا، مدعومة من بقايا النصرة ومجموعات مرتبطة بالجولاني، باتجاه الحدود الغربية للعراق. الهدف يبدأ من زعزعة الأمن الى خلق ممر فوضوي نحو العمق العراقي، في إطار مشروع استنزاف يستهدف التركيبة المجتمعية والسياسية للبلاد.
• استهداف الشيعة سياسيًا وميدانيًا: خطر تصاعدي
بعيدًا عن الخطاب الدبلوماسي، هناك خشية حقيقية من مخطط يسعى لتفكيك النفوذ الشيعي، ليس في إيران فقط، بل في العراق ولبنان واليمن أيضًا.
الاحتلال الإسرائيلي، الذي طالما عبّر عن عدائه لهذا النفوذ، يرى اللحظة مؤاتية لتصفية حسابات تاريخي، بأدوات متعددة:
١. الجولاني: رأس الحربة في سوريا.
٢. بعض السلفيين في العراق: يُعاد تأهيلهم للعب أدوار تخريبية، بدعم قوى خارجية.
٣. شخصيات عشائرية ومناطقية: يجري الاستثمار فيها لإعادة إنتاج الانقسام الطائفي.
• لبنان في عين العاصفة
من المحتمل ان “حزب الله” رأس حربة محور المقاومة، تصعيدًا متعدد الاتجاهات.
تهديد ميداني من الشمال السوري من جهة، ومن جهة أخرى عدوان مباشر على الجنوب اللبناني. الهدف هو ضرب آخر نقاط التوازن في خارطة المواجهة مع إسرائيل.
• العراق: الساحة المفتوحة
العراق يبدو أكثر انكشافًا، بدفع من التجربة السياسية بعد 2003 التي لم تُرضِ الشارع، بل زادتها ملفات الفساد والتراجع الخدمي تعقيدًا.
في هذا السياق، يصبح الجنوب العراقي، ومعه أطراف بغداد، هدفًا مرشحًا، لنظرية ” شرق اوسط جديد، تقام فيه إيرائيل كبرى، بالتزامن مع أي تحرك واسع ضد طهران. في ظل تواطؤ دولي، وصمت إقليمي، يفتحان الباب أمام سيناريو دموي خطير، يستغل هشاشة الداخل، وسأم المواطن من الطبقة السياسية.
• السيناريوهات المحتملة
١. الرد الإيراني: مواجهة مباشرة
إذا شعرت طهران أن النظام في خطر وجودي، قد تلجأ إلى الرد الاستباقي. قد يشمل ذلك ضربات صاروخية، أو تفعيل جبهات متزامنة في لبنان، سوريا، العراق، واليمن. وهو ما قد يُشعل حربًا إقليمية تبدأ من مضيق هرمز، ولا أحد يعرف أين تنتهي.
٢. الدور الروسي–الصيني: مراقبة دون تدخل
رغم الصراع المفتوح مع واشنطن، قد تكتفي موسكو وبكين بالمراقبة والتنديد.
طهران ليست أولوية استراتيجية لهما، بل ورقة في صراعهما مع الغرب. لكن، أي تصعيد شامل قد يُربك حساباتهما، ويحرجهما أمام الداخل والرأي العام العالمي.
٣. الموقف العربي: انقسام وتموضع
الأنظمة الخليجية ستتجنب الانخراط المباشر، لكنها قد تدعم بعض جوانب الحملة على إيران، سرًا أو علنًا. أما شعوب المنطقة، لا سيما في العراق ولبنان والبحرين، فقد تدخل في دوامة اضطرابات داخلية، قد تتحول إلى انتفاضات متزامنة.
٤. التهدئة الإسرائيلية: تكتيك لا قناعة
الهدنة الحالية ليست تغييرًا في العقيدة الإسرائيلية، بل إجراء مرحلي لإعادة التموضع. الاحتلال أعاد نشر منظومات الدفاع الجوي، وملأ مخازنه بالصواريخ الاعتراضية، تحسّبًا لجولة متعددة الجبهات. ما نشهده الآن ليس إلا هدوءًا يسبق العاصفة.
• بين الاحتمال والحتميّة
الشرق الأوسط يعيش مخاضًا عنيفًا. خريطة جديدة تُرسم، قد تكون نسخته الخاصة من “سايكس بيكو مذهبي”، لكن هذه المرة بأدوات الإبادة السياسية والاجتماعية.
كل تأخر في فهم المشهد، هو تسليم غير مباشر لمشروع “إسرائيل الكبرى”، الذي لا يضمن أمنًا ولا كرامة لشعوب المنطقة.
الحرب قد لا تبدأ غدًا، لكنها بدأت بالفعل في الأطراف المنسية من الجغرافيا. ولتفادي الانفجار الشامل، نحتاج أكثر من التحليل: نحتاج إلى وعي جمعي، واستعداد، وتحالف شعبي يتجاوز الطوائف والهويات الضيقة. فالخطر القادم لا يفرّق بين دولة وأخرى، بل يهدد فكرة العيش الآمن برمّتها.