23 ديسمبر، 2024 11:34 ص

هل استطاع علي الأديب أن يحقق نجاحات في وزارة التعليم العالي ؟

هل استطاع علي الأديب أن يحقق نجاحات في وزارة التعليم العالي ؟

أمور كثيرة طرحت عندما تولى السيد علي الأديب مهامه كوزير للتعليم العالي والبحث العلمي , فمنهم من قال انه دعوجي الهوى وآخرون قالوا انه من خارج الوسط الجامعي والبعض اعتقد إن استيزاره هدفه اجتثاث الكفاءات الوطنية بحجة انتمائهم للبعث أثناء حكم النظام السابق , ومنهم من وصفه بأنه خشن التعامل مع الآخرين , كما شكك آخرون بقدرته على إحداث التغيير في هذا القطاع المهم , وصراحة إنني لم التقي هذا الرجل مرة كما إني لست لا أشاركه بانتمائه الحزبي كوني قد عاهدت نفسي بعد الله أن لاانتمي لأي حزب حتى الممات , لكن من واجبنا المهني استقصاء الحقائق للحكم على مايقال والوصول إلى نتائج واستنتاجات تجيب عن التساؤل في عنوان هذا المقال .
وبدءا لابد من الإشارة بان هناك من يعتقد إن وزارة التعليم العالي بوضعها الحالي , ليست أسوء من السنين الماضية ولكنها ليست كما يتمناها المخلصون , فوزارة التعليم يتوجب أن تكون لها الريادة  في إدخال المعرفة والمهارة والتكنولوجيا القادرة على توظيف طاقات الشباب في أسواق العمل وفي جلب الحداثة والتقدم في مختلف ميادين الحياة , كونها تضم أعلى الخبرات والاختصاصات وتعني بشرائح الطلبة الذين يعول عليهم أن يكونوا قادة اليوم والمستقبل , فأساس تطور البلدان هو التطور في الجامعات وما تضمه من كليات ومعاهد ومراكز أبحاث وغيرها من أدوات التطور والرقي العلمي , والحق يقال إن التدهور الذي أصاب التعليم ابتدأ من ثمانينات القرن الماضي عندما اهتمت الدولة بالحرب وانقطعت العلاقة مع اغلب الجامعات والمؤسسات العلمية العالمية حتى بات المصدر العلمي حسرة للجميع .
ودون أن نبالغ , فان اغلب الكفاءات العراقية التي يشار لها بالبنان قد درست في الجامعات الأمريكية أو الأوروبية أو الشرقية , وقد استطاعت هذه الكفاءات أن تكيف وتطور أوضاعها في الداخل , ولكن هذه السلسلة انقطعت بسبب الحروب والحصار ولم تتوفر سوى فرص لاتتعدى 5% من السابق واغلبها على النفقة الخاصة لإكمال الدراسة في الخارج , وقد تزامن مع ذلك هجرة الكفاءات للبحث عن لقمة العيش , فأصدرت الدولة تعليمات سنة 1992 بعد انعقاد ما سمي ندوة النهوض بواقع التعليم العالي بزيادة عدد المقبولين في الدراسات العليا في الداخل إلى عشرة أضعاف عن السابق, وكان الهدف هو تعويض النقص في الكفاءات المغادرة والاستعاضة عنهم بملاكات من الصناعة المحلية نظرا لتوقف البعثات والزمالات , وأعقب ذلك حصول التغيير الذي أدى إلى هجرة المزيد من الكفاءات الدارسة في الخارج والداخل بحثا عن الأمان والبيئة الملائمة للبحث العلمي .
ونقصد من ذلك , إن الأديب قد عمل كما عمل سابقيه ( البكاء والأسود والمظفر والعجيلي ) في قطاع يصعب فيه التغيير الراديكالي , لان التعليم بناء ونمو وليس قرارات تقول لشيء كن فيكون لأنه يتعلق ببناء الإنسان, وهذا البناء من أكثر القطاعات تعقيدا ليس في العراق فحسب ولكن حتى في الدول المتقدمة جدا , ونضيف لذلك بان تخصيصات التعليم من الموازنة سنويا لاتشكل إلا نسبة خجولة جدا قياسا إلى احتياجات التغيير , ومما يسجل للأديب انه أكد على تجسيد هدف الجامعة المنتجة , فقد شجع بان تكون للجامعات مواردها الذاتية من الفعاليات الإنتاجية لغرض تحفيز العاملين وإيجاد مصادر للتمويل لمعالجة الاختناقات التي لم تغطيها الموازنة , كما انه شجع الجامعات للاستفادة من تخصيصات تنمية الأقاليم وإيرادات البترو دولار من خلال تفعيل العلاقة التعاونية مع مجالس المحافظات .
كما انه دفع المخطط المالي لزيادة تخصيصات التعليم العالي من خلال تمسكه بفتح الجامعات الجديدة ليكون عددها 29 بعد أن كان 19جامعة , وقد عد البعض ذلك مخالفة قانونية ولكنها أصبحت بغطاء رسمي بعد صدور قانون التعديل الثامن لقانون وزارة التعليم العالي رقم 40 لسنة 1988 الذي نظم عمل مركز الوزارة من خلال توصيف هيكلها الإداري والفني وأعطى الصلاحيات المناسبة للجامعات , وأضيفت فيه مادة نصت على إن استحداث الجامعات هو من اختصاص مجلس الوزراء وليس مجلس النواب باقتراح من وزارة التعليم العالي , الأمر الذي أتاح استثمار النص لاستحداث سبعة جامعات أخرى ليكون عددها 36 وبنسبة زيادة مقدارها 89% عن العدد السابق , والى جانب ذلك ازداد عدد الكليات الأهلية ليكون عددها 46 بعد أن كان عددها 27 لكي تخفف العبء عن الجامعات الحكومية وتكون شريكا لها في انجاز الأهداف .
ويعيب البعض على هذا التوسع كونه كمي وليس له طعما نوعيا , ولكن بمراجعة ما حققته الوزارة في صياغة استراتيجيات التعليم العالي للسنوات 2012- 2022 وإطلاقها لأكبر خطة للابتعاث في تاريخ العراق المعاصر, الذي يهدف لإرسال أكثر من 10 آلاف طالب للدراسة في الجامعات البريطانية والأميركية والاسترالية والفرنسية والكندية وغيرها من الدول المتقدمة , وولوج خطة للتوسع الأفقي والعمودي في المنظومة التعليمية وإنشاء المستشفيات الجامعية والمباشرة في تشييد المدن الجامعية وإعادة البنى التحتية للتخصصات وتحديث المناهج والاهتمام بإدخال التقنيات الحديثة في طرائق التدريس وإنشاء العديد من المختبرات والورش والمكتبات وتمتين العلاقة مع المؤسسات العلمية العالمية , ربما يجعلنا ملزمين بعدم الحكم المتسرع على ما يشهده قطاع التعليم العالي .
ومن الأمور التي تحققت في الجامعات , هو جعلها بمنأى عن الصراعات والانتماءات السياسية والحزبية , فقد يكون رئيس الجامعة أو عميد الكلية منتميا إلى جهة معينة , ولكن يفترض أن لاينتقل تأثير ذلك على المؤسسة الجامعية , وقد احتلت المرأة موقعا في المراكز القيادية حيث أصبحت رئيسا لجامعة تكريت كما إن هناك 39 موقعا بين عمادة ومساعد رئيس الجامعة أو مدير مركز بحثي تدار من قبل النساء على وفق التوصيف الوظيفي والقانوني وليس استثناءا من التعليمات , أما بخصوص رواتب ومدخولات العاملين في التعليم العالي فان قانون الخدمة الجامعية رقم 23 لسنة 2008 قد انصفهم , وقد تم تعزيز ذلك بموجب التعديل الثاني لقانون الخدمة الجامعية الصادر بموجب القانون رقم 1 لسنة 2014 الذي اهتم بجوانب مهمة من الامتيازات للباحثين والتدريسيين  .
وبضوء ما تحقق خلال فترة عمل السيد علي الأديب وزيرا للتعليم العالي (الذي تحول إلى عضو في مجلس النواب بعد فوزه من حصة كربلاء ) , تظهر العديد من معالم التغيير والتطور التي إن لم نشهد نتائجها بشكل كامل اليوم فإنها ربما ستظهر لاحقا عند إدامتها واستمرارها , وهناك الكثير ممن يشيدون بما حصل من تطور وتغيير ايجابيين , سيما ما يتعلق بالانتشار الجغرافي للجامعات الذي لم يشهده البلد منذ ربع قرن , ولكن هناك مسألتين لابد الإشارة لهما , الأولى إن الفئة المهيمنة في التعليم وهم أساتذة الجامعات لايحلو لبعضهم تسجيل الانجازات لقادم من خارج وسطهم , كما يحصل عندما يكون المهندس وزيرا للصحة , والثانية إن شخصية الأديب كوزير تمتزج بموقعه قياديا في حزب الدعوة , مما ينشا صعوبة للبعض في الفصل بين التصريحات السياسية والأداء كوزير .
ولكن من المنصف والموضوعية أن تتم المقارنة بما تحقق في التعليم العالي خلال ثلاث سنوات وما تحقق خلال عشرة سنوات في بعض الوزارات الأخرى من حيث نسب ومؤشرات الأداء والنمو والتطور, فلم يترك طالبا بدون مقعد دراسي ولم تتحول الجامعات إلى أسواق الهرج والمزادات السياسية وغير السياسية , فأموال العراقيين التي أنفقت في التعليم لم تهدر ولم تخرج منها روائح الفساد كما إن المخرجات واضحة بتخريج أكثر من 120 ألف في الدراسات الأولية والعليا , ويمكن لمس الفرق النسبي في الأبنية والمختبرات وتقنيات وطرائق التدريس والتدريب والتكنولوجيا المستخدمة والمسارات الطويلة لتغيير المناهج وغيرها من المتطلبات , ولا نريد بذلك أن ندعوكم للتصفيق للأديب فما قام به هو من واجباته وقد تختلف الآراء بهذا الموضوع , بل نتمنى بان يكمل من يخلفه ما بدأه لكي تعالج مشكلات التعليم العالي التي ورثناها من عقود بما يجعل التعليم العالي والبحث العلمي رافدا مهما في تقدم العراق وتعويض ما فات .