لقد شكلت أسقاطات ومفاهيم”الفوضى الخلاقة” التي بنى عليها المشروع الأمريكي –الصهيوني ،كل أماله وطموحاته لتغيير شكل المنطقة العربية جغرافيآ وديمغرافيآ ،شكلت عاملآ أستراتيجيآ واضحآ بالنسبة لمشروع ومؤامرة الحرب على سورية تحت ستار استدراج تناقضات البنى الاجتماعية والسياسية، في المجتمع السوري ،بهدف توليد ديناميات جديدة ومفاهيم جديدة للداخل السوري المتماسك أجتماعيآ ،ومن هنا عمل مهندسي”الفوضى الخلاقة” على محاولة تغيير حقائق الواقع الاجتماعي والسياسي للدولة السورية ، بهدف إعادة تصنيع نظام أجتماعي وسياسي جديد لسورية ،بهدف تسهيل مشروع تفتيتها وتقسيمها خدمة للمشروع التوسعي الصهيوني .
وقد أنتهج المشروع الامريكي –الصهيوني نهجآ واضحآ بحربه على سورية من خلال أعادة تظهير الهويات والعصبيات التقليدية (الطائفية، والمذهبية، والقبلية، والعشائرية، والمناطقية، والعائلية)، وتزويدها بطاقة التجدد والاشتغال، وهنا يقول (جيمس غلاسمان- المسؤول السابق عن مكتب الديبلوماسية العامة في الخارجية – مكتب دعم الناشطين في الحرب الدعائية الأميركية ضد أعدائها) وفي خطاب مفصل ألقاه في الثامن من يوليو / تموز 2008 أمام جمع من الباحثين والمهتمين في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، عبرغلاسمان عن فخره بأنه القائد الأعلى في حرب الأفكار من الجانب الأميركي، وأعلن أيضا في سياق خطابه أن إدارته تستطيع الوصول إلى نسبة كبيرة من الشعب السوري والإيراني من خلال الإعلام الموجه.
وأضاف أنه قام خلال عمله في وزارة الخارجية بإنشاء شبكات ومنظمات في بعض البلدان للمساهمة في تغيير وجهة الرأي العام في الدول الإسلامية والعربية، على قاعدة الصراع على السلطة بين المسلمين في المجتمعات الإسلامية والعلمانيين والمتشددين في المجتمعات العربية، وليس على قاعدة تحقيق شعبية للولايات المتحدة بين المسلمين والعرب، أي أنه ليس المهم أن يحب الشعب السوري أميركا بل الهدف هو أن يكره السوريون رئيسهم وأن يكرهوا حلفاء نظامهم في حزب الله وإيران.
ولتحضير الأرضية لما يسمى “للثورة على النظام السوري “،عمدت الأجهزة الأميركية إلى إستمالة آلافا من الشباب السوري للتدرب على وسائل (نشر الفوضى بالدعاية) وقد حصل ذلك داخل سورية تحت غطاء منظمات تعاون دولية، و أيضا كانت هناك نخبة من الناشطين السوريين حصلت على تدريب وتمويل من منظمات لها تجربة مماثلة مثل (بيت الحرية( الممول من الإدارة الأميركية في واشنطن والذي له فروع في مصر وفي لبنان ، وفي قطر وفي تركيا أقيمت أيضا معاهد تدريب على نشر الفوضى كان عنوان عملها هو التدريب على نشر الديمقراطية.
وكذلك تعاون ناشطون سوريون مع أصحاب خبرة مثل منظمة كمارا – الجورجية التي لها فروعها الأوكرانية (تحت إسم بورا) و التي تحصل على تمويل من مؤسسة الحرية الأمريكية، ومن المعهد الديمقراطي الأمريكي ومن الاتحاد الأوروبي ومن مؤسسة المنح الديمقراطية الأمريكية ومعهد الديمقراطية الدولي ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبية ومن المجلس الأوروبي،وقد أظهر فيلم وثائقي عرضته قناة العربية السعودية للصحافية عليا ابراهيم بعنوان (عدوى الثورة) أظهر مجموعة من السوريين وعلى رأسهم محمد علي العبدالله وهم يتدربون مع مجموعة من الشبان العرب في جورجيا على طرق نشر الفوضى.
بألمحصلة يمكن القول انه مع مطلع منتصف عام 2012،وبعد مايقارب العام وأكثر على انطلاق ما يسمى (بالثورة السورية المصطنعة والمزعومة )،أستطاع المشروع الامريكي –الصهيوني ،أستكمال جميع حلقات المؤامرة والحرب على سورية من تسليح للمقاتلين المجهزين على الارض وتحضير للبدائل ووضع الخطط البديلة بحال فشل أحداها يتم العمل بالاخرى مباشرة ،مع الاحتفاظ بالرؤية الاستراتيجية الهادفة لأسقاط سورية الدولة بكل اركانها بدائرة الفوضى مما سيمهد لأحقآ حسب استراتيجية المشروع الامريكي –الصهيوني لتفتيت وتمزيق وتقسيم الجغرافيا والديمغرافيا السورية ،أستكمالآ لمشروع تقسيم المنطقة على أسس(طائفية، مذهبية، قبلية، عشائرية، مناطقية، عائلية) .
ومن هنا بدأ المشروع الامريكي – الصهيوني حربه العلنية على سورية ،تحت شعار (مشروع الحرب على العرب من اجل حرية الشعوب العربية )وهذا الشعار هو رأس الحربة لأستراتيجية الحرب والمؤامرة التي تستهدف سورية اليوم ،فأستراتيجية المشروع الامريكي –الصهيوني (بالحرب من اجل الحرية )تعتمد على شبكة مخابراتية بالغة الخطورة والتعقيد مدربة تدريب مخابراتي عالي جدآ ومدعومة بأمبروطوريات إعلامية كبرى وشبكة من المثقفين العرب المصطنعين لهذه الغاية وبرجال دين مصنوعين صناعة اعلامية كصناعة نجوم هووليود و مدعومين بوسائل اعلامية ضخمة تتولى عملية بث الاكاذيب وفبركة الحقائق الميدانية من اكثر من مصدر ومن اكثر من وسيلة اعلامية بين قنوات فضائية وصحف ومواقع انترنت وفي عدة اوقات متقاربة لتبدوا هذه الاكاذيب وكأنها حقيقة بحيث تصعب على المواطن البسيط فهم مايجري حوله وبالتالي اسقاط هذا المواطن في الفخ المخابراتي فاما سينخرط في صفوف “الثوار” او سيحيد عن نصرة بلده ضد هذه المؤامرة.
وبعد سيطرة هذه الشبكة المخابراتية ومن سقط معهم في هذا المشروع على مناطق منتخبة مسبقآ بسورية (درعا –حماه –حمص –ادلب–ريف دمشق –ريف حلب ) دعمت هذه المناطق بوحدات نخبة قتالية عابرة للقارات وهذا ما طبق في حماة وحمص السورية والتي شهدت منذ مطلع عام 2012 قتال شرس بين الجيش السوري وبين التنظيمات الاسلاموية المخابراتية المسلحة.
وهنا وضعت الدولة السورية أمام خيارين لاثالث لهما فاما ان تضرب الدولة هذه التنظيمات المسلحة بقوة وهذا ما سيصوره الاعلام الشريك بالحرب على انه جرائم ابادة بحق المتظاهرين السلميين وبالتالي اعطاء الذريعة للقوى المتأمرة والشريكة بالحرب على سورية بأستكمال مخطط أهدافها ،ومنه هدف التدخل الخارجي بسورية ، او ان الدولة ستقف مكتوفة الأيدي تجاه هذه التنظيمات لتجنب التدخل الخارجي والاكتفاء بمعالجات سطحية مما سيؤدي إلى سيطرة هذه التنظيمات على مدن كثيرة ونشر الفتن والاقتتال الطائفي حتى تنجح تدريجيآ في إسقاط النظام كله ونشر الفوضى في البلد ومن ثم تقسيمه.
ختاماً ، اليوم وبعد ما يقارب الستة اعوام على هذه الحرب القذرة التي تستهدف الدولة السورية ، يمكن القول ان الدولة السورية قامت بدورها وبواجبها الوطني الذي يحتم عليها الدفاع عن سورية ،ورفضت كل مسارات الضغوط التي مورست عليها ،وكانت تعلم جيدآ ان حسمها لبؤر الارهاب على أراضيها ،سيكون له ما عليه من تداعيات مستقبلية ،ومع هذا قامت بدورها الوطني وتصدت لهذه البؤر الأرهابية .