(محاكمة تاريخية)
كل من يعيش في العراق اليوم ويعرف خباياه او يزوره ويكشف زواياه يفهم بشكل بسيط وتلقائي انه لا يمكن ان يكون امر هذا الاختراع حقيقة واقعة ، واذا كان ذلك حدث في العراق كما مثبت علميا فانه عراق آخر باجيال ليست هي اجداد او اصول لهذه الاجيال ، فإما الاجداد نزحوا او الأحفاد وفدوا ،
اختراع الكتابة “التي غيرت شكل العالم ونقلته من الكهوف والغابات الى المدنية” يحتاج الى تفاعلات وتداولات بين الجيل وتواصل بين اجيال عدة واستحضارات وارهاصات تستغرق اجيالا وتتطلب صبرا وفطنة وحكمة و حدة بصر وبعد نظر ، وازاحة المخذلين والفوضويين عن الطريق وتقديم اذكياء الناس على اغبيائهم واستكمال اللاحق لما بدأه واسسه السابق ، وبنظرة بسيطة نرى ان هذه ليست مواصفات سكنة هذه الارض اليوم ،
نعم حقق العراقيون في الاربعينات والسبعينات من القرن الماضي قفزة كان يمكن لها لو استمرت ان تضاهي او تعيد شيئا من القديم لكن سرعان ما انهارت بحكام عسكر ساديين رعاع فوضويين في الخمسينات قضت على المشروع ثم بحكام عسكر متحزبين طغاة في الثمانينات اوقفوا التطور ، فاذا كانت هذه الاجيال حفدة لأولئك فلماذا استمر العراقيون القدماء الاف السنين يتوارثون المجد والتطور والاختراع بل نشروه الى مصر والصين القديمة -كما يقول الآثاريون- بينما لم يستطيعوا توارث مثل ذلك باستمراية لأربعة عقود فقط في العصر الحديث ، !
فالذين اسسوا النهضة السبعينية لابد انهم احفاد من اخترع الكتابة وهم نفر قليل ، لكن الذين سحقوهم لابد انهم الوافدون المستوطنون -ظلما- لبلاد الرافدين ،واذا حاكمنا هذا الادعاء التاريخي من طرفه الثاني فكيف لمن اخترع القانون قبل 4000 سنة ان لا يقوى على اصدار قانون ثابت ينظم الحياة بل يفشل في ذلك منذ سبعين سنة الى اليوم ، وكيف لأحفاد مخترعي القانون ان يتحكم بهم همج رعاع لا يحترمون عرفا ولا قانونا و بسكوت أحفادهم وانتخابهم لهم ايضا مرات متكررة كما هو حاصل اليوم !
فاين القوانين التي تقطع يد السارق وتخرم انف المرتشي وتنفي المقصر عن عمله كما ثبّتَ جد العراقيين في مسلته ؟ ثم كيف لشعب اخترع الكتابة والقانون -اي الثقافة والنظام – ويقال انه حكم العالم لقرون ان تتحكم في مفاصل الدولة فيه مجموعة من الكوافيرات والراقصات “والناشطات” “والاعلاميات” غير المدعمات بأي موهبة سوى “السليكون والبوتكس” ويتم كل الامر في الدولة كما يردن ويشتهين ! وكيف لشعب يدعي انه اخترع الرسم والنحت والموسيقى والفنون ان ينتهي الامر بشوارعه وساحاته وميادينه الى مقرنص بائس لا لون له ولا شكل ولا منظر ولا خضرة ولا نحت ولا ابداع !
ولأجل كل هذا اظن ان الامر التاريخي فيه لبس وان البحث الآثاري فيه خدعة او حلقة مفقودة ، ولا بد ان اختراع الكتابة والقانون كانت لشعوب استوطنت هذه الارض لفترة زمنية ثم رحلت الى الصين او اليابان وما نحن الا احفاد عبيدهم او ان تلك الامم انقرضت لأمر مجهول ونحن احفاد الطبقة التي كانت تخدمهم او احفاد المخالفين المعاقبين الذين تركوهم على هذه الارض محبوسين وهربوا ، هذه الحلقة التاريخية المفقودة بحاحة الى باحث تاريخي وعالم اثاري لا تؤثر عليه اية عاطفة ولا بمقدار قيراط .