7 أبريل، 2024 5:03 م
Search
Close this search box.

هل اجتاز احمد الجلبي عتبة باب نادي العظماء

Facebook
Twitter
LinkedIn

قرأت قبل قليل مقالا كتبه الاستاذ سلطان العامر بتاريخ ٧ نوفمبر ٢٠١٥ وشارك بنشره على صفحته في الفيسبوك صديق الفكر الدكتور جعفر المظفر.
المقال يناقش بموضوعية شديدة وهدوء رائع يسجل ايجابا لكاتب المقال التباين الشديد لنظرة العراقيين والعرب لاحمد الجلبي فالبعض يعتبره شخصية فذة ويكيل له المديح فيما يعتبره البعض خائنا مجرما تسبب بخراب العراق وقتل الآلاف من ابنائه وتشظي البلد كالبلور المكسور كما يقول  نزار قباني .

المقال يشير باختصار الى ان القطيعة بين نظام صدام وبين الشيعة حدثت بعد القسوة التي قمعت بها المحافظات الجنوبية والفرات الأوسط في عام ١٩٩١ اثر اندحار الجيش العراقي وانسحابه من الكويت بحيث ان بعض الشيعة بدأوا ينظرون الى حزب البعث بقيادة صدام حسين كمحتل غاشم . لذا فانهم ينظرون الى ما قام به احمد الجلبي من استقدام محتل اخر يعزز الهوية الشيعية هو أمر أفضل من بقاء محتل يقمع الشيعة ، لذا فانهم يبجلون ما قام به الجلبي بغض النظر عن النتائج المفزعة التي حدثت بعد الغزو الامريكي . ومن البديهي ان الجانب الاخر ينظرون الى احمد الجلبي بالعكس تماما فيلعنوه باعتباره  احد أسباب الرزايا والمصائب التي مر بها  العراق منذ الاحتلال في عام ٢٠٠٣.

لي وجهة نظر في هذا الموضوع استهلها فأقول ان احمد الجلبي بمعايير الذكاء الشخصي هو اذكى بكثير من كل الشلة التي استلمت الحكم بعد عام ٢٠٠٣ وكان في ظنه انه سيستلم إدارة دفة الحكم في العراق بالنظر الى متانة علاقته مع الأميركان وقربه من دوائر صنع القرار هناك . ولكن الذي فاته ان الأحزاب الشيعية  قررت ان تركنه على الرف وتحرمه من استلام اي منصب سيادي مؤثر لخوفهم من امكانياته الشخصية وقدرته على سحب البساط من تحت اقدامهم . ويبدو ان هذه الرغبة تلاقت مع الهوى الأميركي بتسليم الحكم في العراق الى الأحزاب الدينية الشيعية وبتنسيق مع ايران مع ابعاد لأي طائر يغرد خارج هذا السرب… وهكذا خرج احمد الجلبي وإياد علاوي من المولد بلا حُمُّص .
 وعندما ادرك احمد الجلبي ذو الشخصية المغامرة هذه الحقيقة المخيفة حاول تدارك الامر بأن دعى الى تأسيس البيت الشيعي في محاولة لكسب ود ايران وعموم بسطاء الشيعة في العراق و الكل يعلم ان احمد الجلبي هو علماني للنخاع حتى ان هناك نكتة انتشرت في بغداد حال الإعلان عن النية بدفنه في الصحن الكاظمي تفيد بأن اخر كتاب قرأه الجلبي قبل يوم من وفاته هو ” تعلم الصلاة في ٧ أيام بدون معلم”.

لقد كان بإمكان الجلبي المغامر صاحب الإمبرطورية المالية المترامية الأطراف والعلاقات الدولية المتشعبة ان يقوم بمفاجأة مذهلة في السنوات الاخيرة من عمره وذلك بأن يعقد مؤتمرا صحفيا من خارج العراق يعلن فيه انه فعل مافعل لغرض إسقاط نظام صدام  ولكن الذي حدث ان من يحكمون العراق الان هم شلة من اللصوص والمجرمين  فيفضحهم بالأسماء والارقام والمستندات التي يمتلك منها الكثير ثم يعلن انه على استعداد للانضمام الى اي تجمع عراقي شريف هدفه العودة بالعراق الى الحكم الديمقراطي العلماني بعيدا عن الأحزاب الدينية التي أشاعت الخراب والبلاء في العراق .

 اذا كان حسين كامل قد فعلها مع سيده وولي نعمته فلم لم يفعلها احمد الجلبي مع الذين خطفوا منه التاج والصولجان وسرقوا الجمل بما حمل . لقد اكتفى في أيامه الاخيرة وبحكم موقعه كمسؤول اللجنة المالية في البرلمان  بالتلويح بملفات الفساد واللعب بأعصاب حيتان الفساد ولم يقدم على خطوة جريئة تقلب السحر على الساحر وتهدم هذا المسرح المتهريء  على رؤوس ممثليه والكومبارس جميعا.

و لكونه شيعيا و من عائلة معروفة كان سيكون لكلامه لو فضح بدون لف او دوران هذه الشلة القذرة.. فعل البلسم الشافي على قلوب العراقيين سيما وانه على علم بكل صغيرة وكبيرة رافقت حكمهم منذ عام ٢٠٠٣. لا يستطيع اي سياسي سني ان يفعل ما كان احمد الجلبي ان يفعله من ضرر و تهديد للطغمة الحاكمة مهما امتلك من وثائق ادلة وإثباتات لان التهمة ستكون جاهزة عليه وهي مناصبة ال البيت العداء والتعاطف مع الإرهابيين الى اخر هذه القصة الرديئة التي لا تقنع حتى أطفال الروضة .

لو فعل احمد الجلبي ذلك لكسب قلوب الكثير من السنة الذين كانوا يتبرمون من الدور الذي لعبه في مجيء الاحتلال ونظام المحاصصة البغيض الذي سحق الارض والعباد،، ولاعتبروا ذلك نوعا من صحوة الضمير التي يمتدح ويبارك عليها … ولكسب كذلك قلوب العراقيين الشيعة المتضررين الذين رأوا كيف اختطف هؤلاء القراصنة سفينة العراق بأسم الطائفة الشيعية وأبحروا  بها نحو مرفأ الفساد حيث البؤس وتردي الخدمات واستمرار هجرة الآلاف هربا من هذا الجحيم المستعر .

اختتم هذا المقال بالاجابة عن السؤال المطروح لماذا لم يعلن الجلبي الحرب المكشوفة على النظام الحالي كما أسلفنا … السبب باعتقادي ان المرء الذي يتم تجنيده و يوقع على استمارة انتمائه لإحدى دوائر الاستخبارات العالمية مثل ال CIA الامريكية يعلم جيدا و منذ اليوم الاول لبدء خدمته انه ان قام بأي فعل سياسي او أمني  كبير خارج حدود موافقة ذلك الجهاز الاستخباري فسوف ينتهي سريعا بوخزة إبرة مسمومة  او سقوطه في طائرة مروحية في يوم مشمس رائق والفاعل دائما وأبدا يسجل ضد مجهول . ولكون احمد الجلبي كان دنيويا يعشق المال وزخارف الحياة وترفها  فلم يكن مستعدا ان يغضب رؤسائه و يضحي بكل هذا من اجل عيون العراق .

ان غربال الولوج من بوابة التاريخ له فتحات ضيقة جدا لا تسمح بمرور كل من هب ودب من السياسيين ليخلد في التاريخ وإلا لاصبح الجميع بمرتبة ديغول او غاندي او نيلسون مانديلا . ان اول شروط الانتماء الى نادي الزعماء والسياسيين العظماء ان يكون هذا القائد  قابلا للتصرف حسبما يمليه عليه ضميره الحي و لما فيه المنعة والخير والرفاه لشعبه .

لم يتمكن المسكين احمد الجلبي من اجتياز عتبة باب التاريخ و الانتساب لنادي الزعماء العظماء حتى وان دفن في الصحن الكاظمي الشريف لانه كان ببساطة مضطرا في حياته ان يستحصل الموافقة على كل اجازة زمنية او مرضية من ضابط ال CIA الذي اشرف على تجنيده قبل ٣٠ عاما .
[email protected]

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب