لعقود عديدة .. تعرض الوالي العثماني ( مدحت باشا ) إلى السب والشتم اعتقادا من بعض العراقيين انه أول من اوجد التجنيد الإجباري في العراق ، ففي كل يوم كنا نداوم فيه في العسكرية الإلزامية او في خدمة الاحتياط كانت تنهال المسبات والشتائم على هذا الوالي الذي حكم البلاد أثناء الاحتلال العثماني للعراق ، ولم تتوقف تلك ( المسبات ) إلا في عام 2003 عندما اصدر الحاكم المدني ( بول بريمر ) أمرا بإلغاء التجنيد الإجباري إذ قال إن البلاد ستعيش بأمان ولا حاجة لها للمجندين فقد انشأ الأمريكان ديمقراطية ومنحت حريات ينعم الإنسان فيها بالرفاهية التي لا تحتاج إلى من يحميها لأنهاملكا لكل العراقيين ، وبذلك تحول السباب إلى قذف بأبغض الكلمات ولعنة موجهة لبريمر لقراراته المشينة وبذلك تخلص الباشا من تلك المديح العراقي .
تذكرت ذلك إثناء الاطلاع على تعديل قانون التقاعد الذي سيبدأ سريانه بعد أيام أي في 31 / 12 / 2019 ، فالفرق بين التجنيد الإلزامي وإلغائه إن من أصدرهما ليسوا من العراقيين ولكن من اعد وناقش وصوت على قانون التقاعد الإلزامي هم من ( العراقيين ) ممن يفتخرون بتحقيق هذا الانجاز باعتباره أول انتاجات الزمن الجديد ما بعد الاحتجاجات التي بدأت منذ بداية تشرين الأول الماضي ولا تزال مستمرة حتى اليوم ، وبموجب هذا القانون فان آلافالموظفين المهمين والمهملين سيحالون إلى التقاعد عند بداية العام القادم رغما عن انفهم ، لا احتفالا بقدوم 2020 باعتباره رقم جميل وقد يكون فأل خير وإنمالتحقيق مآرب البعض في هدم وتخريب الجهاز الإداري الحكومي وإفراغه من محتواه بإحالة أصحاب الخبرات والشهادات والعلماء تحت يافطة تلبية مطالب المتظاهرين التي تتعرض اغلبها إلى المماطلة والتسويف والتخوين والتحجج بالاصطدام بعقبة الدستور ، ومن الغريب إن تكون ولادة قانون التقاعد الموحد رقم 9 لسنة 2014 سياسية وتستمر فيه التعديلات لأغراض سياسية ، فقد أوجدته الحكومة والبرلمان في عام 2014 من باب الدعاية الانتخابية لأنه نفذ بشكل سريع في 1 / 1 / 2014 أي قبل انتخابات مجلس النواب لعام 2014 بأربعة أشهر ، ومن فضائحه إن الأوامر المتعلقة بتنفيذه وسريانه قد صدرت قبل صدور تعليمات التنفيذ كما انه نفذ والبلد ليس له موازنة اتحادية لسنة 2014 ، وفي عام 2019 تمت المصادقة على تعديل قانون التقاعد لأغراض سياسية وقبل وصول مشروع قانون الموازنة الاتحادية لسنة 2020 والتي لا يزال مصيرها مجهولا بعد قبول استقالة رئيس مجلس الوزراء وتحويل الحكومة إلى مهام تصريف الأعمال ، علما إن التعديل يناقض طلبات المحتجين لأنهم يؤكدون على تفعيل الاقتصاد لتشغيل العاطلين وليس الخروج والدخول للوظيفة العامة وتوطين الفساد .
وبموجب النص التالي الذي ورد في مشروع قانون التعديل الذي صوت عليه مجلس النواب بالإجماع وسوف يكون غير قابل للنقض من قبل رئيس الجمهورية :
((المادة – 1- يلغى نص المادة (10) من قانون التقاعد الموحد رقم (9) لسنة 2014 ويحل محله ما يأتي:-
المادة – 10 – تتحتم إحالة الموظف إلى التقاعد في إحدى الحالتين الآتيتين :-
أولا. عند إكماله (60) ستين سنة من العمر وهي السن القانونية للإحالة إلى التقاعد بغض النظر عن مدة خدمته .
ثانيا. إذا قررت اللجنة الطبية الرسمية عدم صلاحيته للخدمة .
المادة -2- أولا : يستثنى من احتكام السن القانوني للحالة إلى التقاعد ما يأتي:-
أ. المشمولون بقانون الخدمة الجامعية من حملة اللقب العلمي (أستاذ وأستاذ مساعد).
ب. الأطباء العدليون وأطباء التخدير وأطباء الطب النفسي.
ج. المستشارون والمستشارون المساعدون في مجلس الدولة.
د. المشمولون بقانون الفصل السياسي رقم 24 لسنة2005 المعدل وذوي الشهداء من الدرجة الأولى والثانية المشمولين بقانون مؤسسة الشهداء رقم 2 لسنة2016 وقانون رقم 20 لسنة 2009 و قانون مؤسسة السجناء السياسيين رقم 35 لسنة 2013.
هـ. الطيارون المدنيون ممن يعمل منهم بقيادة الطائرات وبشكل عملي ولدية ترخيص عمل نافذ في حينه.
ثانيا – يكون السن القانوني للإحالة إلى التقاعد المنصوص عليه في البند (أولا) من هذه المادة عند إكماله (63) ثلاثة وستون سنة من العمر ما عدا الفقرة(د) يكون السن التقاعدي لا يزيد عن (65) خمسة وستون سنة من العمر )) .
وان تطبيقه يعني إن أكثر من 250 ألف موظف سيحالون للتقاعد إجباريا وهم :
. الموظفون من مواليد 1959 ، 1958 ، 1957 بما فيهم التدريسيون في الجامعات من حملة ألقاب ( مدرس ، مدرس مساعد ) .
. الموظفون من مواليد 1960 عند بلوغهم سن ال60 سنة باليوم والشهر في 2020 .
. المشمولون بقانون الخدمة الجامعية من حملة ألقاب ( أستاذ ، أستاذ مساعد ) والأطباء العدليون وأطباء التخدير وأطباء الطب النفسي المستشارونوالمستشارون المساعدون في مجلس الدولة و الطيارون المدنيون ممن يعمل منهم بقيادة الطائرات وبشكل عملي ولدية ترخيص عمل نافذ في حينه من مواليد 1955 ، 1956 ، ومن مواليد 1957 عند بلوغهم سن 63 بالشهر والسنة خلال عام 2020 ، والمشمولون بالاستثناءات الأخرى من مواليد 1955 نزولا ومن ستبلغ أعمارهم 65 سنة خلال العام القادم .
. الموظفون المحالون إلى التقاعد بقرار من اللجان الطبية .
وان آخر ما كان يتوقعه الموظفون هو إحالتهم للتقاعد بين ليلة وضحاها او أن يجدوا أنفسهم خارج السن التقاعدي بسبب تعديل قانون التقاعد بمسوغ تفريغ الوظائف من شاغليها لفسح المجال للعاطلين في إشغال درجات المتقاعدين ، وهو ما سيسمح بإضعاف الجهاز الإداري الحكومي أكثر من وضعه الآن وبنشر الفساد الذي لم يعالج كلا او جزءا منذ سنين ، لان التعيينات تتم بالطريقة المعروفة للجميع في ظل غياب او تغييب مجلس الخدمة الاتحادي الذي تشكل ولكنه لم يمارس أعماله بعد ، كما إن ذلك سيترك فراغات في بعض الأماكن كالجامعات والمستشفيات والخطوط الجوية والوزارات والدوائر الأخرى التي بحاجة للخبرات والكفاءات لان صلاحيات تمديد الخدمة خولت لرئيس الوزراء ونحن اليوم بدون رئيسا للوزراء وبانتظار التسويات والولادة العسيرةللرئيس الجديد كما هو الحال منذ سنوات ، ولا نتوقع إن قانون التقاعد سيسلم من تعديلات أخرى ربما ستكون خارج الأمنيات والتوقعات ، فمن المرجح أنتكون له ولادات حتى وان كان في غرف الإنعاش ، فمن المنتظر أن تجري عليه المزيد من الترقيعات بصدور قانون تعديل سلم الرواتب الذي يعول عليه لازالةالفوارق في دولة الرعاية الاجتماعية ، وهناك مشروع قانون الخدمة المدنية الموحد الذي لايزال بانتظار ( السرة ) وهو قانون هجين يجمع القوانين من الشتات ويجعلها بقانون واحد بعد أن يلغي قانون الخدمة المدنية رقم 24 لسنة 1960 وقانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم 14 لسنة 1991 وقانون التقاعد رقم 9 لسنة 2014 وقوانين أخرى لا مجال لذكرها بالتفصيل ، ولعنة الله على بريمر ومن جلبه وجامله وماشاه ونتمنى أن لا تستغل الاحتجاجات السلمية بمطالبها المشروعة المعروفة إلى مسوغ لإصدار المزيد من التشريعات الإلزامية وان يتم إسنادها إلى التظاهرات والاحتجاجات لان مطالبها براء من معالجات بهذا الشكل ، فكل ما يتمناه المواطن الصالح أن يعرف الواجبات والحقوق دون أملاءات ومفاجآت .