شبهة أثيرت بعد مقتل الحسين (عليه السلام) بقرون ووجدت صداها في المجتمع آنذاك وتحديداً في زمن الغيبة الصغرى للإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) مفاد تلك الشبهة “إن الحسين (عليه السلام) لم يقتل” . فأرسل أحد المعاصرين لذلك الحدث رسالة إلى الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) يسأله فيها : هل قتل الحسين (عليه السلام) ؟ . ويذهب الكثير من الفقهاء إلى تسفيه هذا الرجل لأنه سأل الإمام (عجل الله فرجه الشريف) بهذا السؤال , لأن قضية مقتل الحسين (عليه السلام) ثابتة لا نقاش فيها . ويرد أحد الفقهاء المعاصرين على إن تسفيه هؤلاء الفقهاء لذلك الرجل جاء بسبب عدم إدراكهم سبب سؤال ذلك الرجل وعدم مراجعتهم وإلتفاتهم إلى الجانب التاريخي لأن التاريخ ينقل إن هذه الشبهة قد شاعت في ذلك الزمان وكان يُستَدل على إن الحسين (عليه السلام) لم يقتل من كتاب الله بأن لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً فكيف جعل الله سبيلاً ليزيد وجيشه على قتل الحسين (عليه السلام) فجاءت إجابة الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) لرد هذه الشبهة من خلال الكلمة الفصل التي تنطلق من فم الإمام (عليه السلام) : ” نعم قتل الحسين ” . ويشير الفقيه أيضاً إلى إن السبب الرئيسي لتسفيه هذا الرجل إنه ذات الرجل الذي تروى عنه رسالة الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) التي يقول فيها “فأما الحوادث الواقعة فإرجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم” والتي تعتبر من أهم الإستدلالات على نظرية ولاية الفقيه .
وكما إنها ليست مقارنة بين رمز البطولة والفداء الإمام الحسين (عليه السلام) ورمز الدكتاتوية الطاغية صدام فإنها ليست شبهة تلك التي أريد أن أثيرها من خلال تساؤلي : ” هل أعدم صدام حسين ؟ ” بقدر ما أود بيان حقيقة رأيتها … والحقيقة التي رأيتها تنفي تنفيذ حكم إعدام صدام … لأنني رأيت صدام بعد نبأ إعدامه … نعم لقد رأيتُ صدام بعد إعدامه وبعد أن صدق كل العالم إن صدام قد أعدم وشاهدوا صور إعدامه التي تناقلتها الفضائيات . نعم … والله رأيت صدام بعد إعدامه أكثر من مرة . نعم … رأيت دكتاتورية صدام وطغيانه … رأيت فساد صدام وعنصريته … رأيت قطبية صدام وتفرده وإيمانه بالحزب الواحد .
لقد طالبنا بإعدام صدام وليس لنا عداء مع جسده أو إسمه أو شخصه , وإنما طالبنا بإعدام صدام ونحن نتطلع لإعدام الدكتاتورية والظلم والتعسف والعنصرية والتسلط … ولا شك بالتأكيد إننا أردنا بإعدام صدام إعدام المعاناة والفقر والحرمان الذي حملته لنا تلك السلطة اللعينة … بل مؤكد إننا أردنا بإعدام صدام طي تلك الصفحة المظلمة المملوءة بالعنف والدم والحروب . فلم يكتفي العراقيون بإسقاط تمثال ليس له حول ولا قوة وإنما طالب بإعدام صاحب التمثال ليكون لمن يحذو حذوه ايةً مع الإيمان بأن الموت لا يكون دائماً هو النهاية ومن الباب ذاته كانت المطالبة بإعدام صدام من أجل القضاء على الإستهتار بالدماء البريئة ولا يمكننا القول إن صدام قد أعدم إلا بعد إعدام المواريث الصدامية .
إستقراء سريع لحقبة صدام مع قراءة بسيطة للواقع الذي نعيشه اليوم نجد المقارنة كفيلة بوضع الأجوبة حول هذا التساؤل . فإذا كان صدام قد أوغل في دماء العراقيين فإن الصراعات السياسية التي أحدثها من جاءوا بعده كانت إمتداد لمسلسل الجريمة وهدر الدماء البريئة , وإذا كان الجانب الخدماتي منعدماً فالحال لم يتغير بل يزداد سوءاً يوماً بعد يوم , وإذا كان صدام يستهزء بالشعب العراقي فها نحن اليوم أصبحنا موئلاً لسخرية السياسيين وما يسمون بقادة البلد , وإذا كان صدام عدو للدين فمن جاؤا بعده أساؤا للدين إساءة كبيرة وإستخدموه جسراً لمصالحهم وغطاءاً لنزواتهم .
نعم . سرق صدام وسرقوا … قتل صدام وقتلوا … و … و … وها نحن وبعد مرور 10 سنوات لم يتحصل لنا إلى الآن بأن القائمين على الحكم والمتصدين لإدارة مؤسسات الدولة أقل قذارة من صدام , ولا أدري ما سيجرمون أكثر لو إستقر بأيديهم الحكم كما كان لصدام , وكأن إستفهام السيد الشهيد محمد باقر الصدر أخذ يتمثل فيهم حينما قال : ” من منكم كانت له دنيا هارون ولم يقتل الإمام موسى بن جعفر ؟ ” . فإذا كان كل هذا الإستهتار بدماء الشعب ومقدراته وهم ما زالوا على شفا الكرسي وما زال مسمى أكذوبة الحرية موجوداً فلعمري ماذا سيفعلون حينما يقبضون بأيديهم على السلطة ؟ . ومن حيف الزمان وجورهم تجد كلمات بدأت تجري بكثرة كالأمثال على ألسن الناس ( راح صدام وإجه 100 صدام ) , ( ما تغير بس الشكل ) , ( جان حرامي صاروا 100 حرامي ) … وغيرها . ولهم كل الحق بذلك لأنهم كانوا ينتظرون بزوال صدام زوال الدكتاتورية وجفاف دمائهم والعيش ولو بأقل درجات الكرامة ولأن ذلك لم يتحقق فإننا نقسم صادقين إن صدام ما زال موجود ولم يعدم . نعم … ما زال موجوداً بكل طغيانه وجبروته .
[email protected]