في كتابه مهزلة العقل البشري يذكر الدكتور علي الوردي مايلي:
(كنت ذات يوم في مجلس ضمّ جماعة من رجال ألدين. وقد أجمع هؤلاء الرجال أثناء ألحديث على أنّ سكان ألأرض كلهم ملزمون بأن يبحثوا عن ألدين ألصحيح فإذا وجدوه أعتنقوه حالا.
فكل إنسان في نظر هؤلاء مجبور أن يترك أعماله ويذهب سائحا في ألأرض ليبحث عن دين ألحق.
قلت لهم: لماذا لم تسيحوا أنتم في ألأرض للسعي وراء الحق؟
قالوا وهم مندهشون لهذا ألسؤال ألسخيف:
إننا لا نحتاج إلى ألسعي وراء الحق لأنّ الحق عندنا.
إنّهم يتخيلون أنّهم وحدهم أصحاب الحق من دون الناس.
ونسوا أنّ كل ذي دين يؤمن بدينه كما يؤمنون هم بدينهم فأينما توجهت في أنحاء الأرض وجدت ألناس فرحين بعقائدهم مطمئنين إليها.
ويريدون من الأمم الأخرى أن تاتي إليهم لتأخذ منهم دين ألحق الذي لا حق سواه).
ألتساؤل ألذي يطرح نفسه هو:
هل ألأديان عالمية؟ وبعبارة أخرى هل يصلح دين معين لكل البشر وفي كل ألأزمان؟
واحدة من الشكوك ألتي راودتني في مرحلة ألشباب وعندما كنت مؤمنا بالدين ألأسلامي هي:
إذا كان محمد يدّعي بأنّ ألدين الذي أوحي إليه يخاطب جميع البشر على الكرة الأرضية، كيف سيؤمن به سكان ألأسكيمو وسكان مجاهل ألأمازون؟
لم أكن أتصوّر أنَّ ألله يُعذّب ألنّاس الذين لم يدخلوا في ألإسلام، لأنه ليس مِن ألعدالة أنْ يدخل ألجنّة إنسان ولِد في ألمملكة ألعربية ألسعودية وتربّى على مباديْ ألدين ألإسلامي منذ نعومة أظفاره، ويعاقب إنسان ولِد في ألأسكيمو أو في مجاهل غابات ألأمازون وألّذي لَمْ يسمع طوال حياته عن شيء إسمه ألقرآن أو ألإسلام أو محمّد، صحيح أنّ ألقرآن يذكر بأنَّ ألله لا يُعذّب حتى يبعث رسولا ، ولكن ما ذنب ملايين مِن ألبشر مِن ألهنود ألحمر والصينيين وألقبائل ألبدائية في مجاهل أفريقيا وألامازون وأستراليا في حاضر ألأيام وماضيها ومستقبلها ألذين لم يسلموا قبل دعوة محمد وبعده، ألا يتناقض هذا مع ألعدالة ألإلاهية؟
شاركت في ألثمانينات أثناء حكم صدّام حسين في لجنة شكّلتها وزارة ألثقافة وألاعلام ألعراقية للتحضير لمسابقة نصب تذكاري يُخلّد شهداء معركة الخليج ألأولى ( ألقادسية ألثانية ) وكان معي في أللجنة مثقفون عراقيون وأديب لبناني معروف ودار نقاش بيننا حول سبب كون جميع ألأنبياء مِن ألشرق ألأوسط، فذكر أحد ألحاضرين بأنَّ سبب أختيار ألله للأنبياء مِن ألشرق ألاوسط حصرا لكون هذه ألمنطقة منبع ألحضارات في تلك ألحقبة مِن ألزمن.
قلتُ له معترضا ولكن في نفس تلك ألفترة ألزمنية مِن تاريخ ألإنسانية كانت هناك حضارات في أمريكا ألجنوبية كحضارة ألأزتيك وحضارة ألمايا؟
فسكت ألأخ ولم ينبس ببنت شفة، إنَّ ألسبب ألمنطقي هو أنَّ جميع ألأديان ألأرضية وألسماوية هو من تأليف ألبشر وقد أقتبس أللاحقون مِن ألسابقين مع أجراء بعض التعديلات ألّتي تناسب ألمجتمع ألّذي ظهر فيه ألدين ألجديد زمانيا ومكانيا.
الايمان يُعطي الانسان الجاهل او الغير الواعي الطمأنينة وراحة البال ويعطيه وهما بوجود حياة أخرى بعد ألموت سيتمتع في تلك ألحياة بما حرّم منه في الحياة الدنيا ووهما بأنّ ألخالق سيقتص هناك ممن ظلمه وأساء إليه في ألدنيا كما أنّ الإيمان يعطيه متانة للوقوف منتصبا أمام عاديات الزمن،إضافة إلى انّ شريحة الجهلاء لا يمكن انْ تستقيم حالها بدون الايمان بوجود الثواب والعقاب في حياة اخرى بعد الموت.
ولكنّ الايمان بالأديان له سلبيات عديدة فهو سبب رئيسي للحروب وويلاتها،حروب بين الاديان المختلفة كحروب الفتح الاسلامي والحروب الصليبية والحروب بين اليهود والمسلمين في فلسطين والحروب الداخلية بين المذاهب المختلفة للدين الواحد كالحروب بين البروتستانت والكاثوليك في الماضي وبين الشيعة والسنّة في ألماضي والحاضر وفي العراق بالذات وقد تقع حرب المذاهب بين الدول السنيّة والشيعية.
ولا ننسى العمليات الانتحارية الّتي يقوم بها المتطرفون الاسلاميون والّتي حصدت وتحصد وستحصد المئات من الارواح البريئة للاطفال والنساء والرجال اضافة الى الخسائر الماديّة، وكذلك المجازر الّتي نفذها المتطرفون الاسلاميون في الجزائر.
كانت الاديان سببا في ترسيخ الرق والسبي باشكالها واحتقار المرأة وهدر الاموال الطائلة والوقت في الطقوس الدينية كالصلاة وبناء الجوامع والكنائس والمعابد والاضرحة والحج والعمرة، فلو صُرِفت هذه الاموال لتخفيف معاناة الانسان، فكم يتيم سترجع البسمة الى شفاهه وكم مريض سينسى آلامه وكم من العجزة سيجد مأوى يرتاح فيها من غدر الزمن والاحبّة والقائمة تطول، فحسب المنطق والاديان فإنَّ الله موجود في كلّ مكان ( اقرب اليكم من حبل الوريد…. الآية القرآنية ) و (أينما تُولّوا وجوهكم فثمّة وجه الله…. الآية القرانية )، فالمؤمِن يستطيع انْ يتعبّد الله في ايِّ مكان مِن كرتنا الارضية، فما الحاجة الى هذا البذخ في بناء دور العبادة؟
بعد دراسة العقائد الانسانية المختلفة ومِن ضمنها، التوراة والانجيل والقرآن توصّلت الى قناعة مفادها أنَّ جميع هذه العقائد والاديان هي من تأليف مؤسسيها وهي تناسب الاقوام الّتي ظهرت بينهم زمانيا ومكانيا.
إنّ لكلّ دين إيجابيته وسلبياته، وإذا اعتبرنا هذه الاديان مرحلّة تاريخية مرّت بها الانسانية بإيجابياتها وسلبياتها ولم نحاول إضفاء القدسية على هذه الاديان ومؤسسيها، ولم نحاول اجبار الآخرين على اعتناقها فسَنُجنِّب الانسانية الحروب والويلات وسنعيش بسلام مع اخواننا في الانسانية.
لقد اثبتت التجارب الإنسانية أنَّ العلمانية وفصل الدين عن الدولة هي احسن الخيارات امام الانسان للعيش بسلام في عالمنا، لذا فمن الافضل للانسانية أنْ يكون كلُّ إنسان حُرّاً في إختيار عقيدته ولا يحاول فرضها على ألآخرين بألقوّة أو بألإرغام، فإذا آمَنَْتَ بحَجَرٍ فلا تَضرِب به الآخرين.