أثار موقف حزب النهضة التونسي في مؤتمره العاشر الذي أقر فيه الفصل ما بين الدعوي والسياسي , أثار تساؤلات كثيرة , ولقي موجة من الترحيب تقدمتها فضائيات وأعلام معروف بما يسمى بالعلمانية التي لازالت في منطقتنا لم تستوف نضجها نتيجة التبعية والتقليد للجانب الغربي الذي يعمد الى تفتيت المنطقة لا الى البناء والتوحيد , كما لقي موجة من ألآستنكار والرفض من قبل أطراف حسبت على الدين ولم تعطي للدين هويته الحضارية , بل أن البعض أبدى عجزا واضحا في ألآرتقاء الى المستوى العملي للدين في الحياة ألآجتماعية والسياسية كما هو التنظيم العالمي للآخوان المسلمين وحزب التحرير في ألآوساط السنية , وكما هي ألآحزاب الشيعية التي تتفاوت في تجربتها وفي طريقة نشأتها وفي محتواها الفكري يستثنى من ذلك حزب الدعوة ألآسلامية في مرحلتي التأسيس وألآنتشار, أما في المراحل الاحقة خصوصا أواخر سنوات الهجرة وبعد 2003 حيث فقد مضمونه العقائدي وأفرغ من تماسكه التنظيمي وأصبح عنوانا أسميا دون المضمون مما جعل العاملين بأسمه يضافون الى ألآطراف ليست التي عجزت عن ألآرتقاء للمستوى العملي للدين وأنما التي أساءت كذلك للدين , لكن أساءت هؤلاء ظلت محصورة في أماكن وجودها كالعراق , في حين عمل طرف أخر على تشويه الدين وألآساءة له كالوهابية التي أنتجت عصابات ألآرهاب التكفيري بمسمياتها المتعددة وفي مقدمتها طالبان وداعش , وتشويه وأساءة الوهابية ومنتجاتها لم تبق محصورة في مناطق نشوئها كالسعودية ولا مناطق تواجدها كأفغانستان وباكستان ودول أسيا الوسطى وسورية ومصر وليبيا وتونس والجزائر ومالي واليمن والعراق , وأنما أنتقل تأثيرها للبلدان ألآوربية وأمريكا وأستراليا وكندا حيث تتواجد مجموعات من المسلمين المهاجرين والمقيمين وهؤلاء هم وراء صناعة ما يسمى بألآسلام ” فوبيا ” التي بدأت تكتب عنها الروايات وتنتج عنها ألآفلام السينمائية , وتعقد حولها الندوات والحلقات الدراسية , ومع هؤلاء تتحمل ألآستخبارات ألآوربية وألآمريكية مسؤولية كتم الحقائق وما تعرفه عن تحركات ألآرهابيين التكفيريين وتقف وراء ذلك السكوت المريب شركات النفط والمايكروسوفت وشركات الصناعات الحربية المستفيدة من ألآموال السعودية والخليجية . وموضوع الدعوي والسياسي , أو الدعوي والمدني أو ألآنساني وهي التسمية ألآصح من المدني , هو موضوع معرفي بأمتياز , وليس من المواضيع التي يمكن عرضها كما تعرض البضائع المختلفة في ألآسواق .أن التفريق بين الدعوي والسياسي هو عمل خاطئ , يحمل مجازفة تصطدم بالمشاعر ألآنسانية المتغلغلة في الفطرة , لآن الدعوي في ألآسلام هي سياسة , والسياسة في ألآسلام هي دعوية بأمتياز , ودائرة البحث هنا هي لآعمال العقل , وليس لآعمال العواطف وألآهواء والرغبات , والعقل : هو جوهر مجرد عن المادة حدوثا وبقاء , بينما النفس هي جوهر مجرد عن المادة حدوثا ومتأثرة بها بقاء ولذلك وقع الخلط بين المفكرين الذين قالوا بأثر العقل بالمادة في فعله وهؤلاء لم يفرقوا بين تأثر النفس بالمادة بقاء فنسبوه للعقل , وأعتبر صاحب التعريفات الشريف الجرجاني أعتبر العقل هو قوة للنفس الناطقة ثم قال : وهو صريح بأن القوة العاقلة أمر مغاير للنفس الناطقة , وأن الفاعل في التحقيق هو النفس والعقل ألة لها ” – كتاب التعريفات – ص- 108- الشريف الجرجاني .وقيل : العقل والنفس والذهن , واحد , ألآ أنها سميت عقلا لكونها مدركة , وسميت نفسا لكونها متصرفة , وسميت ذهنا لكونها مستعدة للآدراك , ولكن ألآمام علي عليه السلام أعتبر العقل في القلب – كما في نهج البلاغة – باب الحكم والكلمات القصار – والعقل المستفاد : هو الذي تحضر عنده النظريات التي أدركها بحيث لاتغيب عنه , والعقل بالفعل : هو أن تصير النظريات مخزونة عند القوة العاقلة بتكرار ألآكتساب بحيث تحضر لها ملكة ألآستحضار متى شاءت كالمصلي عندما يبدأ بصلاته دون تذكر وتفكر , والعقل بالملكة هو علم بالضروريات وأستعداد النفس بذلك لآكتساب النظريات وهو علم الموهبة الذي يعتبر من صفات المفسر للقرأن الكريم التي يعتبرونها خمسة عشر صفة , وعلم الموهبة هو للمعصوم تعينا ومطلقا ولغيره مجازا وبحدود , ولذلك لايوجد موسوعي حقيقي ألآ المعصوم , ولآنحصار الموسوعية العلمية بالمعصوم عليه السلام , والمعصوم صار معصوما برحمة من الله تعالى ليكون حاضرا لآقامة الدليل والحجة والبيان للناس , والدليل والحجة والبيان هي بلاغات الدين ورسائله العقلية المعرفية للناس ولذلك قال تعالى” وله مافي السماوات وألآرض وله الدين واصبا أفغير الله تتقون ” – النحل – 52- ومعنى ” وله الدين واصبا ” أي دائم , ووصب الدين وجب قال أبو ألآسود :لا أبتغي الحمد القليل بقاؤه … يوما بذم الدهر أجمع واصبا ” – مجمع البيان – ج6- ص- 365-وقال تعالى ” وأن الدين لواقع ” – الذاريات -6- وهو الحساب يوم القيامة والجزاء وجميع الناس ينتظرهم ذلك المشهد والموقف فلا يجوز أغفال الدين من حياة الناسوقال تعالى ” أنما توعدون لواقع ” – المرسلات -8- والوعد الحق هو يوم القيامة والبعث والنشور وكل الناس مشمولين بذلك , والحساب شامل عن كل شيئ في حياة ألآنسان من مال , وزوجة وبنين , وجيران وأصدقاء , ويتامى وفقراء ومساكين , وتجارة , وعمل , وصحبة , وأسراف وتبذير وبخل وشح , وخلق ومسامحة وعصبية وحسد ونفاق وكرم , وسلم وحرب , وفرار وأدبار , وتقدم ومجاهدة وصبر , وصلاة وصوم وحج وزكاة , وولاية , وبيعة , وحكم , وكل ذلك سياسة والدعوي هو تبليغ لكل ذلك وبيان تفاصيله وحدوده , وعليه من الناحية المعرفية لايمكن فصل الدعوي عن السياسة , ولا يمكن فصل السياسة عن الدعوي , والدولة بينهما والحكومة من أنتاج الدولة , والدولة والحكومة تحتاج الحكمة , والحكمة تحتاج العقل , والدين وألآخلاق هما في نشأة الخلق تبعا العقل أختيارا لآن هناك تلازما وظيفيا بين ثلاثي الوجود في حياة ألآنسان وهم كل من :1- العقل2- الدين3- ألآخلاق , ولذلك كانت ألآخلاق في ألآسلام قبل التدين , وسقوط تجربة أغلب ألآحزاب الدينية في عصرنا هذا هو عدم ألآهتمام بالجانب ألآخلاقي وعدم ألآهتمام بالجانب ألآخلاقي يسفه العقل ويجعله غير قادر على القيادةلذلك من الناحية المعرفية لايمكن فصل الدعوي عن السياسي , والخطوة التي قام بها حزب النهضة التونسي هي أجراء شكلي له ظروفه الخاصة , فحزب النهضة التونسي يرتبط بالتنظيم العالمي للآخوان المسلمين , والتنظيم العالمي للآخوان المسلمين لم يحسن توظيف الظهور السياسي فوقع تحت تأثير القوى الكبرى بريطانيا ثم أمريكا أملا في الحصول على سلطة زمنية , وفي نفس الوقت لم يحسن سلامة سير الدعوي الذي نافسته عليه الوهابية بأستعمال المال النفطي الذي ظهر في السعودية ودول الخليج وأصبح مالا سياسيا يدفع رواتب للمبلغين ويطبع الكتب ويبني المدارس الدينية وبعد الحرب ألآفغانية تحول الدعوي الى القيادة الوهابية بشكل شبه مطلق , ثم تجاذبت ألآخوان المسلمين كل من قطر وتركيا , ولعلاقة تركيا بأمريكا وأسرائيل أصبح ثقل التأثير التركي على قيادة ألآخوان المسلمين كبيرا وبأنتقال قيادة ألآخوان من مصر ومن قطر أصبح مقرهم تركيا , وهذا المتغير القيادي للآخوان المسلمين جعل حزب النهضة التونسي يواجه أحراجا وضعفا في قدرته على أدارة تونس الدولة بعد فوزهم في ألآنتخابات بألآغلبية ولكن هذه ألآغلبية لم توفر لهم أستقرار في الحكم فتونس منذ زمن الحبيب بورقيبة مرورا بزين العابدين بن علي وقربها من أوربا وفرنسا بالذات تشبع مناخها ألآجتماعي بالثقافات ألآوربية التي لاترى للدين ضرورة في الحياة السياسية منعكسا ذلك من نظرة ألآوربيين للكنيسة ولآن ألآوربيين وألآمريكيين يمتلكون تقنيات الصناعة التي أصبحت تدخل كل بيت في بلاد المسلمين ومع فشل ألآحزاب الدينية في المنطقة أصبح المزاج العام يميل الى ما يسمى بالعلمنة , وفي تونس المجتمع والدولة بعد فشل تجربة حكم ألآخوان في مصر أصبحت كفة المشاعر تميل لصالح ألآحزاب العلمانية التونسية , وراشد الغنوشي والشيخ مورو عرفوا ذلك لذلك دعوا الى فصل الدعوي عن السياسي وهو أجراء يعطي لحزب النهضة التونسي أستراحة المحارب , ولكنه لايمنحه القدرة على ترجمة ذلك الفصل المقترح الى واقع عملي , اللهم ألآ أذا تخلى جمهور حزب النهضة التونسي عن ألتزامه الديني وهذا غير متوقع , لآن ألآسلام دعوي التكوين سياسي الوظيفة أنساني الدولة فالدولة في ألآسلام ليست دينية بل أنسانية , والدين رسالة خلاص للآنسانية ولذلك جعل ألآيمان في خطه العام يشمل كل المؤمنين بالشرائع السماوية من يهود ونصارى وصابئة , فكل ألآنبياء في الفهم ألآيماني العام هم مسلمين وهم يعرفون أن ختام الدين ألآلهي بألآسلام ووجودهم كان تهيئة لظهور ألآسلام ولذلك قدر للنبي عيسى عليه السلام أن يكون مبشرا بالنبي محمد وداعيا له وسيكون مع ألآمام المهدي المنتظر “عج” حجة على أهل الكتاب لتكون دولة المهدي هي الدولة العالمية المنتصرة لحقوق المستضعفين وعندها تتوحد أمال البشرية وتختفي كل المعارضات وألآشكالات التي وضعت في طريق الدين على قاعدة ” وأن الدين لواقع ” [email protected]