23 ديسمبر، 2024 3:20 م

هل أفتى المرجع الاعلى بإعادة انتخاب مصاصي الدماء ؟

هل أفتى المرجع الاعلى بإعادة انتخاب مصاصي الدماء ؟

لا زالت الهزات الارتدادية التي أحدثها زلزال التصويت على تقاعد البرلمانيين والدرجات الخاصة تضرب أُسس كرامة  الشعب العراقي وأحدثت جُرحا عميقا في ضميره وفيما بقي كبريائه .. هذا الشعب الذي فقد الكثير من ذاكرته(وبسبب تتابع امواج الفتن والبلاء عليه) فأصبح قصير الذاكرة لا يتعظ بالتجارب السابقة،فيستسيغ السير وراء السراب حالماً بالورودعلى غدير الماء .. حتى بعد مضي عقد على سقوط صنم بغداد.. لم يأخذ العبرة من التجارب السابقة، فلا زال سواد هذه الشعب يميل الى من يخدعه ويزخرف له الامور فتراهيٌسلم قياده الى امثال هذه الشخصيات البائسة سواء كانت حكومية او برلمانية او غيرها .
 ولا حل فيما أرى الا بالتسلح بالوعي ونشر ثقافه عدم الرضوخ وفضح الفاسدين والطفيلين وتجار السياسات غير النظيفه وامثالهم .. على رؤوس الاشهاد والسعي لتغيرهم بالوسائل الحضارية  المتاحة ، فلم يعد بالإمكان انتظار صحوة الضمير من هؤلاء،فقد قست قلوبهم وغدوا ويتراقصون على كلوم الارامل والايتام وسائر الشرائح المسحوقة من هذا الشعب الممتحن بهذه الشخصيات(بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون)  وان مجرد التفكير ولو للحظةببقاء هذه الكواسر البشرية جاثمة على  صدورنا وقد أغرزت مخالبها وانيابها في لحومنا .. من شأنه ان يقضي على بريق الامل بعيش كريم وحياة مستقرة .
وتحضرني أبيات لشاعر العراق المرحوم الشيخ عبد المنعم الفرطوسي الذي كان يتألم من ذهاب خيرات العراق في بطون المتنفذين ويحرم عموم الشعب من حقه، فيقول :
يطغى فتعشو منهم الابصار    أفهكذا بَذخَ الثــراء بأهلــــــــه
سغباً وهم ابنــاءها الاحرار    في حين احرار البلاد قضوا بها
ظلم الفقير وليتها تنهـــــار    بٌعداً لأنظمــــة مراض صححت
ان لا يعيش بظلها الاحـــرار    وتهدمت اسس العدالة ان قضت

ومما يقرح القلب ويطير اللب هو وجود من يشرعن بقاء هذه الكواسر بطريقه غير مباشرة، فسماحة المرجع (الاعلى) السيد السيستاني طالب على لسان معتمده في كربلاء الشيخ عبد المهدي الكربلائي المواطنين بإعادة النظر (بتجديد النظر) في من سينتخبونهم ويدققوا فياختياراتهم في الانتخابات المقبلة وينبغي ان لا ينتخبوا الا من يتعهد لهم مسبقا بإلغاء تلك الامتيازات غير المنطقية ….)
وهذا الموقف ينبغي أن يكون كما وصفه البعض بالتاريخي والحازم والقوي و……
فالمرجعية الدينية هي الحصن الأخير الذي يُلاذ به وفق ثقافة أتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) استناداً للموروث الروائي الذيوصلنا .. ومن الطبيعي ان يكون لها موقف حازم وقوي إزاء قضايا هي أقل خطورة من هذه القضية،لكن المستغرب في الامر هو دعوة  المرجعية (العليا)  الى عدم انتخاب الا من يتعهد مسبقا بإلغاء تلك الامتيازات .. وهذا كلام .. حسن في ظاهرهوضمن سياقه الطبيعي .. ولكنه يستبطن  أمرً في غايه الخطورة وهو عدم وجود ممانعة في انتخاب من صوت على فقرة الامتيازات الخاصة (بعد أخذ التعهد منه بإلغاء تلك الامتيازات) فكلام سماحة السيد السيستاني  آنف الذكر لم يدعو الى عدم انتخاب من صوت على هذه الفقرة سيئة الصيت بل دعا لأخذ التعهد من المرشحين الجدد .
ولا ادري هل عمدت المرجعية (العليا ) الى خداع الناس بزخرف القول هذا ؟ بأن توهمهم بنقدها وعدم رضاها لتمرير قانون التقاعد الموحد بهذه الصيغة من دون ان تدعونا الى رفض انتخاب المصوتين عليه وطردهم الى خارج دائرة القرار بل خارج دائرة ذوي الضمائر الحية ومعاقبتهم بعدم منحهم ثقة الشعب مجدداً وتمكينهم من مصائر العباد .
أفهل يسوغ لنا ان نسلح قاتلنا ونفوضه بقتلنا مرة اخرى؟ فهل هذا من فعل العقلاء وذوي الحجى؟ وهل من المنطقي ان نستأمن هؤلاءعلى مصائرنا مجدداً ونصدّقهم لمجرد ان يمنحونا عهودا بإلغاء امتيازاتهم ؟ اين هذا القول من قول امير المؤمنين (عليه السلام):( لا يخونك الامين ولكن يؤتمن الخائن)أفهل يصح أئتمان من خان امانته .. مجدداً؟ والتفكير السليم يقول (الوقاية خير من العلاج)
ولعل قائل يقول لي : لقد اسأت فهم كلام سماحة السيد السيستاني، فسماحته لم يرض على فعل أعضاء البرلمان ويتضح ذلك من سياق كلامه الذي أورده الشيخ الكربلائي . أقول ان أول ما يتعلمه طلبة العلوم الدينية في بداية دراستهم في الفقه هو تفكيك العبارات الفقهية وكيفية التعاطي مع النصوص الصادرة من الفقهاء في رسائلهم العملية فأول ما يتعلم طالب العلم هو الدقة والضبط فيما يقرأ ويكتب … فكيف بالمرجع (الاعلى ) الذي تُلقى الدروس لسنين وتُبذل الجهود لفهم عبارته الفقهية… فما هو مقدار الدقة والضبط الذي ينبغي ان يتحلى بهما ؟.. وبناءا على ما تقدم يسقط هذا الاحتمال ونذهب لاحتمال اخر وهو ان سماحته له قصد واضح في كلامه وقد حصل ما كان يريد ان يوصله الى الناس، اذ لم يرتكز في اذهان الناس ان سماحته يريد إبعاد هذه المجموعة من البرلمانيين من الوصول مجدداً الى البرلمان .. بل اكتفى بالتوجيه بأخذ التعهدات منهم،وهذا هو التظليل بعينه والاستمرار بسياسة التعمية والتجهيل وخلط الاوراق الممنهجه والتي افرزت على طول السنين الماضيه شخصيات (سوبرمانيه) خارقة يَصعٌب ان يجود الزمان بمثلها امثال صفاء الدين الصافي رجل الملفات الصعبة وحسين الشهرستاني صاحب مشاريع (المصالح) العملاقة واخرها مشروع مصفى العمارة المشبوه، والذين ارتبطوا بمكتب سماحة السيد السيستاني بشكل غير معلن لرعاية (المصالح) وللمساهمة في عرقلة المشاريع التي تضر بتلك (المصالح) .
ولا يسعني هنا الا ان ادعو صناع الرأي العام على اختلاف اذواقهم ومشاربهم الى تسليط الاضواء على خطورة هذا الموضوع وبث الوعي بين شرائح الشعب منعاً لتكرار الاخطاء السابقة وقبل وقوع الكارثة في نهاية شهر نيسان من هذا العام واعني به موعد الانتخابات البرلمانية المقبلة،فما اشبه اليوم بالبارحة وما اكثر ان تعاد السنن التاريخية فهذا هو الامام علي (عليه السلام) امير المؤمنين يصف لنا ما وقع في ذلك الزمان وكانه (عليه السلام) يصف زماننا هذا بقوله :
(إِنَّمَا بَدْءُ وُقُوعِ الْفِتَنِ أَهْوَاءٌ تُتَّبَعُ، وَأَحْكَامٌ تُبْتَدَعُ، يُخَالَفُ فِيهَا كِتابُ اللهِ، وَيَتَوَلَّى عَلَيْهَا رِجَالٌ رِجَالاً، عَلَى غَيْرِ دِينِ اللهِ، فَلَوْ أَنَّ الْبَاطِلَ خَلَصَ مِنْ مِزَاجِ الْحَقِّ لَمْ يَخْفَ عَلَى الْمُرْتَادِينَ ، وَلَوْ أَنَّ الْحقَّ خَلَصَ مِنْ لَبْسِ الْبَاطِلِ انْقَطَعَتْ عَنْهُ أَلْسُنُ الْمُعَانِدِينَ؛ وَلكِن يُؤْخَذُ مِنْ هذَا ضِغْثٌ ، وَمِنْ هذَا ضِغْثٌ، فَيُمْزَجَانِ! فَهُنَالِكَ يَسْتَوْلي الشَّيْطَانُ عَلَى أَوْلِيَائِهِ، وَيَنْجُو (الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَ اللهِ الْحُسْنَى) .