22 ديسمبر، 2024 7:06 م

هل أصبحت مؤتمرات الشباب مجرد بريستيج؟

هل أصبحت مؤتمرات الشباب مجرد بريستيج؟

مؤتمر، منتدى، قمة، أو ملتقى شبابي كلها مسميات تتقارب في المضمون لتشير إلى محفل يجمع المواطنين الذين يتراوح أعمارهم بين 18 و30 عاماً وفق تعريف الكثيرين للشباب. دولاً عديدة تعقد تلك التجمعات من أجل أغراض عدة، فالتجمع وحدة يعني الانفتاح على العالم ومزيداً من المواكبة لتطوراته.

ففي مشهد درامي، خلال مشاركة وفد مصر في المهرجان التاسع عشر للشباب والطلاب الذي عقد في روسيا عام 2017، ألقى الرئيس بوتين كلمة رنانة أمام نحو 25 ألف مشارك من 150 دولة تقريباً وأكد على ان المهرجان يمثل رسالة سلام ومحبة، وخلال مشاركتي بهذا المهرجان، تنبهت جيداً للون السياسي للمشاركين والذي طغى عليه الطابع الاشتراكي وبمزيد من البحث عن المهرجان، تبين أن الاتحاد العالمي للشباب الديموقراطي يمثل الجهة الداعية للمهرجان وما الروس سوى بيت ضيافة للمشاركين، كما يعتبر ذلك الاتحاد والذي يعد أحد اقوى الحركات اليسارية بالعالم اليد اليمنى لحملة الدعاية السوفيتية منذ تأسيسه عام 1945 في لندن.

أعلام ساد عليها اللون الأحمر لبلدان مناصرة للهوية الاشتراكية غطت أبنية المدينة الأوليمبية في سوتشي أنذلك، وغياب التنوع السياسي أثار النقد. خرج مهرجان سوتشي بنتائج مثمرة مثل إطلاق حركة شبابية تسمى “فريق المستقبل” على يد شاب كندي يدعي فرازر ديكسون كي تكون منصة شبابية عالمية تسعى لتحقيق تغيير عالمي يخدم قضايا الشباب وكذا تحديات مجتمعاتهم الراهنة مثل الفقر والتهميش وتراجع جودة التعليم وانتهاك حقوق الانسان في بلدان عدة. ورغم غلبة الروس في مناصبها العليا، إلا أن الحركة ضمت أكثر من 20 ألف شاب حول العالم من جنسيات مغايرة يروجون لأهدافها وبرامجها.

وبفضل العلاقات الدبلوماسية التي طورتها مع حكومة روسيا، نجحت الحركة في نيل عدد من المقاعد في منتدى سان بطرسبرج الاقتصادي العالمي الذي تم عقده في مايو 2018 برعاية خاصة من الرئيس الروسي بوتين وحضور عدد من الرؤساء والوزراء وكبار رجال الأعمال الروس والأجانب، ونجحت الحركة في تخصيص يوماً كاملاً لها بالمنتدى تحت مسمى “يوم الشباب” يناقش قضية العولمة ودور الشباب في مواجهة تداعياتها.

بل ذهب تأثير الحركة لأبعد من ذلك ليبادر عدداً ممن شاركوا في مهرجان سوتشي بإطلاق حركات موازية في بلدانهم تتبرك بهذا الإسم مثل فريق المستقبل رومانيا، فريق المستقبل غانا ودولاً أخرى عدة، لتحقق تأثيراً ملحوظاً على نطاق دولي.
وفي مصر، يتم عقد عدة ملتقيات وفعاليات شبابية مشابهة لمهرجان سوتشي مثل منتدى شباب العالم، وفعاليات كثيرة تنظمها وزارة الشباب والرياضة إلا أن أغلبها يواجه التواصل الهزيل عقب انتهاء الفعالية مما يسبب الانقطاع عن المشاركين!

امتطينا الطائرات وشاركنا وتحدثنا ثم رحلنا وتركنا ما ناقشناه وتوصياتنا خلفنا وكأننا لم نلتقي وبقيت الصور الجماعية أمام ملصقات المؤتمر في حساباتنا على وسائل التواصل الاجتماعي نتفاخر بها دون إضافة حقيقية لتنمية المجتمعات التي ننتمي لها! تلك الكلمات تلخص النسخة الثالثة لملتقى القادة الشباب الأوروبي-العربي في النمسا صيف 2014، ورغم إنفاق الخارجية النمساوية وبلدية فيينا ومنظمة “أوفيد” التنموية التابعة للأوبيك مبلغ كبير على تلك الفعالية إلا أنها لم تختلف عن الكثيرين من مثيلاتها داخل وخارج أوروبا! ذلك الأمر الذي يدفعني للتساؤل حول مدى جدوى مؤتمرات الشباب وهل فعلاً تلعب دوراً كما يروج لها في تمكين الشباب ودفع قضاياهم إلى قمة أجندة صناع القرار في بلدانهم.

توطيد العلاقات الثقافية وأواصر الصداقة بين الشعوب، تنمية وتأهيل وتمكين الشباب، تحقيق أجندة الأمم المتحدة الإنمائية لأهداف الألفية وأغراض أخرى معلنة يتم الترويج لها عند تنظيم أي فعالية شبابية، لكن قد تكمن أسباب أخرى يمتنع المنظمين الإفصاح عنها مثل التربح من تلك الفعاليات، أو تلميع شخصية ما لدفعها نحو منصب بالدولة، والترويج لأهداف سياسية وبث رسائل تخدم الدولة الحاضنة في قضية ما مثل المنتدى القومي للتعليم والمشهور بـ “منتدى تافريدا” والذي تنظمه حكومة روسيا سنوياً في مدينة تافريدا بشبه جزيرة القرم التي ضمتها عشية استفتاء 2014 في خضم الحرب الأوكرانية وتحاول إضفاء عليها شرعية دولية بدعوة وفود دول أخرى للمشاركة بها كاعتراف ضمني منهم بروسية القرم! بل ويحظى هذا المنتدى تحديداً بحضور خاص من الرئيس بوتين نظراً لما يمثله من قيمة دبلوماسية.

وفي مؤتمرها السنوي في دبي عام 2013، طلبت مؤسسة الفكر العربي من سفرائها الشباب إطلاق مبادرات شبابية تخدم مجتمعاتهم ونجح بعضها في تحقيق تأثيراً ملحوظاً بل نالت مبادرة “الخبز من أجل التعليم” الأردنية تكريم واسعاً داخل المملكة وخارجها نظراً لما حققته من إضافة لمنظومة التعليم بالأردن!

ومن ثم.. يصبح العائد المطلوب إطلاق الشباب مشاريع ومبادرات نالت الالهام من الفعاليات الشبابية التي يشاركون بها لتعالج مشاكل وتحديات مجتمعاتهم. ملايين تُنفَق وأضواء إعلامية تُسلَط على تلك المؤتمرات، ولا يجب أن تُختَزل المشاركة في صور جماعية وتوصيات على ورق أو مجرد حوار دون خطوة مُنفذَه على طريق الإصلاح والتغيير!