هل أسهم مجلس النواب بتعزيز التقارير الخارجية التي تزعم وجود خلل في إجراءات العدالة؟

هل أسهم مجلس النواب بتعزيز التقارير الخارجية التي تزعم وجود خلل في إجراءات العدالة؟

1. ان المهمة مجلس النواب الأساسية تشريع القوانين وعلى وفق ما جاء في المادة (61/1) من الدستور النافذ، وكل قانون يتم تشريعه لابد وان يكون له هدف وغاية، ويعبر في ذات الوقت عن فلسفة من تبنى تشريعه، وتظهر هذه الغاية والفلسفة عادة في النصوص التي تبين اهداف القانون، وفي الغالب الاعم تكون الأسباب الموجبة لتشريعه هي التي توضح تلك الغاية من التشريع، ولماذا صدر وباي مناسبة والى ماذا يسعى.

2. وعند الاطلاع قانون العفو العام رقم 27 لسنة 2016 نجد انه قد أشار الى ان بعض الاحكام القضائية من محاكم الجزاء قد صدرت نتيجة الاكراه والتعذيب او بناءً على افادة المخبر السري، مما يوجب إعادة النظر في تلك الاحكام، ثم عاد المشرع وكرر ذات العبارة في القانون رقم 80 لسنة 2017 قانون تعديل قانون العفو العام رقم 27 لسنة 2016، والان في مشروع قانون العفو العام الذي تم التصويت عليه قبل يومين وما تسرب من مسودة التشريع الى وسائل الاعلام، وجدنا ذات العبارة تكررت في القانون، وجاء فيها بان يعطى للمحكوم عليه بجناية او جنحة بمن فيهم مرتكبو الجرائم المستثناة بالمادة (4) من احكام قانون العفو ممن ادعى انتزاع اعترافه بالإكراه او اتخذت الاجراءات القانونية بحقه بناء على اقوال مخبر سري او متهم اخر الطلب من اللجنة المشكلة تدقيق الاحكام و القرارات الصادرة في الدعاوى التي اكتسبت قراراتها الدرجة القطعية او قيد التدقيقات التمييزية و تدقيق الاحكام و القرارات من الناحيتين الشكلية و الموضوعية و الطلب بإعادة المحاكمة و للجنة السلطة التقديرية بإعادة التحقيق في الدعوى المنظورة من قبلها.
3. ومن قراءة هذه النصوص المتكررة في ثلاث قوانين للعفو العام وفي فترة زمنية لا تتعدى سبع سنوات، نجد ان سبب تشريع تلك القوانين ووجود هذه النصوص واحد، يتمثل بزعم صدور قرارات واحكام قضائية ضد بعض المدانين بدون وجه حق، لان مجرد النظر في تلك الاحكام مجددا على الرغم من اكتسابها الدرجة القطعية، يمثل تشكيك في مدى صحتها من حيث الأسباب والادلة التي استندت اليها المحاكم عند إصدارها قرارات الإدانة وفرض العقوبة، وقد تصل بعضها الى عقوبة الإعدام، والتي تعد من اقسى العقوبات البدنية، لان فيها انهاء الحياة التي وهبها الله عز وجل،

مع التنويه الى ان تلك الاحكام لم تصدر من محاكم عرفية او محاكم الطرقات (المحاكم الثورية) مثلما يحصل في بعض البلدان وانما مرت بسلسلة غير قصيرة من الإجراءات التحقيقية في محكمة التحقيق ومن ثم محكمة الموضوع (الجنايات) وبعد ذلك محكمة التمييز الاتحادية، وعند احتساب عدد القضاة الذين نظروا الدعوى الواحدة وخصوصاً احكام الإعدام، فان عددهم لا يقل عن خمسة وعشرين قاضياَ، واغلبهم من قضاة الصنف الأول بما فيهم القضاة الذين يشغلون المنصب الأعلى في الهرم القضائي محكمة التمييز، فضلا عن عدد من القضاة المراقبين لعمل تلك المحاكم الممثل بقضاة الادعاء العام ويصل عددهم في احكام الإعدام الى اكثر من عشرة قضاة وفيهم من قضاة الصنف الأول وأصحاب الخبرة والتجربة الطويلة،

4. لذلك مجرد تكرار عبارات النص الوارد في المادة (9) من قانون العفو رقم 27 لسنة 2016 ومن ثم في القانون رقم 80 لسنة 2017، والان في القانون الجديد، هو بمثابة انكار لحجية تلك الاحكام طعن بمدى صحتها ومشروعيتها،

وقد يقول البعض ان التجربة اثبتت وجود احكام صدرت بالإعدام وتم نقضها، لاحقا استناداً لتلك النصوص الجديدة، أقول لهم نعم، لكن المفروض ان تكون هذه حالة شاذة لا يقاس عليها ولا يجوز تكرارها، لان لربما في الفترة التي مرت بالعراق بعد عام 2003 قد حدثت بعض الهفوات في التحقيق، لكن الان لا يوجد لها مبرر، لان كثيراً ما نجد تأكيد من إدارة القضاء وبأعلى مستوياتها تؤكد على سلامة الإجراءات التحقيقية، وان الحكم القضائي يمر بأكثر من محكمة حتى يصار الى تنفيذه، وان القضاء لا يخضع لسلطان الهوى وانما الى العقل والقانون، وخير دليل على ذلك، ما ذكره السيد رئيس مجلس القضاء الأعلى في كلمته بمناسبة يوم القضاء العراقي الاخيرة التي جاء فيها (أن مسؤولياتنا كقضاة تبقى كبيرة لأننا نتحمل الأمانة الكبرى في الحفاظ على العدالة)

5. لكن اعود الى النص القانوني محل البحث، الذي يلقي بظلال الشك على تلك الاحكام القضائية، وكانه يؤيد بعض التقارير الخارجية التي تقدمت بها جهات اممية ومنظمات حقوقية، بان العدالة في العراق لابد من مراجعتها، وقد تكون هذه التقارير مدفوعة من جهات مغرضة لا ترغب في وجود عراق مستقر وامن، وكان للحكومة العراقي موقف من هذه التقارير حيث جاء في ردها المنشور على موقعها الرسمي (مراعاة حقوق الإنسان في جميع مراحل الإجراءات القانونية والتنفيذية، فضلاً عن الإجراءات القضائية المستقلة)، كما أكد السيد وزير العدل ذلك الجواب الحكومي بقوله (ن مقرري الأمم المتحدة اعتمدوا بيانات غير صحيحة بشأن عقوبة الإعدام في العراق)
6. وبعد النفي الحكومي، وما نعتقد به بان الاحكام القضائية لا تصدر الا بعد تدقيق وتمحيص وتروي، لان المحكمة ملزمة بذلك بموجب احكام المادة (212) من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 المعدل التي جاء فيها (لا يجوز للمحكمة ان تستند في حكمها الى دليل لم يطرح للمناقشة او لم يشر اليه في الجلسة ولا الى ورقة قدمها احد الخصوم دون ان يمكن باقي الخصوم من الاطلاع عليها. وليس للقاضي ان يحكم في الدعوى بناء على علمه الشخصي)،

فضلاً عن ذلك فان المادة (213) أصول جزائية تلزم المحكمة عند اصدار الحكم بان تكون قناعتها مبينىعلى دارسة الأدلة الواردة في كل مراحل الدعوى في التحقيق والمحاكمة والن لا تستند الى شهادة الشاهد الواحدة المنفردة، وان تستعين بالقرائن الأخرى، ومن ثم تصدر حكمها النهائي الفاصل وعلى وفق ما ورد نص المادة أعلاه التي جاء فيها (ا – تحكم المحكمة في الدعوى بناء على اقتناعها الذي تكون لديها من الادلة المقدمة في اي دور من ادوار التحقيق او المحاكمة وهي الاقرار وشهادة الشهود ومحاضر التحقيق والمحاضر والكشوف الرسمية الاخرى وتقارير الخبراء والفنيين والقرائن والادلة الاخرى المقررة قانونا. ب – لا تكفي الشهادة الواحدة سببا للحكم ما لم تؤيد بقرينة او ادلة اخرى مقنعة او بإقرار من المتهم الا اذارسم القانون طريقا معينا للإثبات فيجب التقيد به. جـ – للمحكمة ان تأخذ بالإقرار وخده اذا ما اطمأنت اليه.)

7. ومن خلال ما تقدم فان نصوص المواد الواردة في قوانيين العفو التي تجيز إعادة التحقيق والمحاكمة حتى في الاحكام التي اكتسبت درجة البتات، فيه رسائل غير إيجابية تجاه القضاء العراقي الذي يسعى الجميع الى جعله بالصورة الابهى التي نتمناها، والتي نعتمدها في محاجتنا للأخرين الذين يشككون في العدالة في العراق،

الرسالة الأولى الى الداخل العراقي، بان إجراءات التقاضي عليها ملاحظات، وخصوصاً بعدما صدرت احكام قضائية لاحقة من ذات المحاكم تنقض ما كانت قد أصدرته سابقاً في ذات القضية ولذات المتهم المحكوم، مع انها اكتسبت الدرجة القطعية بمرورها في جميع مراحل الطعن وامام اعلى هيئة قضائية في هرم القضاء الاعتيادي في العراق الممثل بالهيئة العامة لمحكمة التمييز الاتحادية الموقرة، وهذه رسالة خطيرة لأنها تؤثر في مدى اطمئنان المواطن الى الاحكام التي تصدر عن القضاء العراقي. وهذا ما لانرضاه اطلاقاً.

والرسالة الثانية الى الخارج، لأننا نؤيد ما ذكرته التقارير الدولية الخارجية حول عدم وجود ضمانات كافيةللمحاكمة وما يزعمون بوجود تعذيب وإكراه، واننا نكذب اقوالنا واقوال ممثلي السلطات الذين يدفعون بعدم صحة دقة التقارير الدولية، لان مجرد الاعتراف بوجود شبهات تعذيب واكراه وانتزاع الاعتراف، من خلال اصدار تشريعات تنص على ذلك، فانه تأييد لما يزعم بوجوده هؤلاء الذين روجوا لتلك التقارير.

ومما لابد من قوله في الختام، على مؤسساتنا المعنية ان يكون لها موقف مما تقدم حفاظاً على سمعة العراق ممثل بجميع سلطاته، وان كان لازم لمعالجة بعض أوضاع المحكومين فان القانون يجب يتجه الى ممارسة صلاحياته بإسقاط العقوبة التي صدر بموجبها الحكم القضائي، باعتبار ان تنفيذ العقوبة هو من اختصاص السلطة التنفيذية ومجلس النواب باعتباره ممثل الشعب وله ان يسقط تلك العقوبات من خلال العفو العام، وليس من خلال التشكيك بصحة الاحكام القضائية.

قاضٍ متقاعد

 

أحدث المقالات

أحدث المقالات