1. ان المهمة مجلس النواب الأساسية تشريع القوانين وعلى وفق ما جاء في المادة (61/1) من الدستور النافذ، وكل قانون يتم تشريعه لابد وان يكون له هدف وغاية، ويعبر في ذات الوقت عن فلسفة من تبنى تشريعه، وتظهر هذه الغاية والفلسفة عادة في النصوص التي تبين اهداف القانون، وفي الغالب الاعم تكون الأسباب الموجبة لتشريعه هي التي توضح تلك الغاية من التشريع، ولماذا صدر وباي مناسبة والى ماذا يسعى.
مع التنويه الى ان تلك الاحكام لم تصدر من محاكم عرفية او محاكم الطرقات (المحاكم الثورية) مثلما يحصل في بعض البلدان وانما مرت بسلسلة غير قصيرة من الإجراءات التحقيقية في محكمة التحقيق ومن ثم محكمة الموضوع (الجنايات) وبعد ذلك محكمة التمييز الاتحادية، وعند احتساب عدد القضاة الذين نظروا الدعوى الواحدة وخصوصاً احكام الإعدام، فان عددهم لا يقل عن خمسة وعشرين قاضياَ، واغلبهم من قضاة الصنف الأول بما فيهم القضاة الذين يشغلون المنصب الأعلى في الهرم القضائي محكمة التمييز، فضلا عن عدد من القضاة المراقبين لعمل تلك المحاكم الممثل بقضاة الادعاء العام ويصل عددهم في احكام الإعدام الى اكثر من عشرة قضاة وفيهم من قضاة الصنف الأول وأصحاب الخبرة والتجربة الطويلة،
وقد يقول البعض ان التجربة اثبتت وجود احكام صدرت بالإعدام وتم نقضها، لاحقا استناداً لتلك النصوص الجديدة، أقول لهم نعم، لكن المفروض ان تكون هذه حالة شاذة لا يقاس عليها ولا يجوز تكرارها، لان لربما في الفترة التي مرت بالعراق بعد عام 2003 قد حدثت بعض الهفوات في التحقيق، لكن الان لا يوجد لها مبرر، لان كثيراً ما نجد تأكيد من إدارة القضاء وبأعلى مستوياتها تؤكد على سلامة الإجراءات التحقيقية، وان الحكم القضائي يمر بأكثر من محكمة حتى يصار الى تنفيذه، وان القضاء لا يخضع لسلطان الهوى وانما الى العقل والقانون، وخير دليل على ذلك، ما ذكره السيد رئيس مجلس القضاء الأعلى في كلمته بمناسبة يوم القضاء العراقي الاخيرة التي جاء فيها (أن مسؤولياتنا كقضاة تبقى كبيرة لأننا نتحمل الأمانة الكبرى في الحفاظ على العدالة)
فضلاً عن ذلك فان المادة (213) أصول جزائية تلزم المحكمة عند اصدار الحكم بان تكون قناعتها مبينىعلى دارسة الأدلة الواردة في كل مراحل الدعوى في التحقيق والمحاكمة والن لا تستند الى شهادة الشاهد الواحدة المنفردة، وان تستعين بالقرائن الأخرى، ومن ثم تصدر حكمها النهائي الفاصل وعلى وفق ما ورد نص المادة أعلاه التي جاء فيها (ا – تحكم المحكمة في الدعوى بناء على اقتناعها الذي تكون لديها من الادلة المقدمة في اي دور من ادوار التحقيق او المحاكمة وهي الاقرار وشهادة الشهود ومحاضر التحقيق والمحاضر والكشوف الرسمية الاخرى وتقارير الخبراء والفنيين والقرائن والادلة الاخرى المقررة قانونا. ب – لا تكفي الشهادة الواحدة سببا للحكم ما لم تؤيد بقرينة او ادلة اخرى مقنعة او بإقرار من المتهم الا اذارسم القانون طريقا معينا للإثبات فيجب التقيد به. جـ – للمحكمة ان تأخذ بالإقرار وخده اذا ما اطمأنت اليه.)
الرسالة الأولى الى الداخل العراقي، بان إجراءات التقاضي عليها ملاحظات، وخصوصاً بعدما صدرت احكام قضائية لاحقة من ذات المحاكم تنقض ما كانت قد أصدرته سابقاً في ذات القضية ولذات المتهم المحكوم، مع انها اكتسبت الدرجة القطعية بمرورها في جميع مراحل الطعن وامام اعلى هيئة قضائية في هرم القضاء الاعتيادي في العراق الممثل بالهيئة العامة لمحكمة التمييز الاتحادية الموقرة، وهذه رسالة خطيرة لأنها تؤثر في مدى اطمئنان المواطن الى الاحكام التي تصدر عن القضاء العراقي. وهذا ما لانرضاه اطلاقاً.
والرسالة الثانية الى الخارج، لأننا نؤيد ما ذكرته التقارير الدولية الخارجية حول عدم وجود ضمانات كافيةللمحاكمة وما يزعمون بوجود تعذيب وإكراه، واننا نكذب اقوالنا واقوال ممثلي السلطات الذين يدفعون بعدم صحة دقة التقارير الدولية، لان مجرد الاعتراف بوجود شبهات تعذيب واكراه وانتزاع الاعتراف، من خلال اصدار تشريعات تنص على ذلك، فانه تأييد لما يزعم بوجوده هؤلاء الذين روجوا لتلك التقارير.
ومما لابد من قوله في الختام، على مؤسساتنا المعنية ان يكون لها موقف مما تقدم حفاظاً على سمعة العراق ممثل بجميع سلطاته، وان كان لازم لمعالجة بعض أوضاع المحكومين فان القانون يجب يتجه الى ممارسة صلاحياته بإسقاط العقوبة التي صدر بموجبها الحكم القضائي، باعتبار ان تنفيذ العقوبة هو من اختصاص السلطة التنفيذية ومجلس النواب باعتباره ممثل الشعب وله ان يسقط تلك العقوبات من خلال العفو العام، وليس من خلال التشكيك بصحة الاحكام القضائية.
قاضٍ متقاعد