-1-
من المتع الحقيقية التي ينعم بها الانسان ، متعة المطالعة والمتابعة لما جاء في كتب الادب والتاريخ ..
انّها ليست حكايات مجردة من دلالاتها الكبيرة على خفايا النفس البشرية ، وخصائصها الغريبة ، وادعاءاتها الرهيبة …
وما يجري اليوم على الساحة السياسية ، لا يعتبر مفصولاً عن جذره التاريخي ، حتى كأنه النسخة الجديدة القديمة ..!!
-2-
” عبد الصمد بن علي ” هو عمّ ” العباس بن محمد ” وعمّ المنصور
وقيل :
انه أول من سُمّي ” عبد الصمد “
مات سنة 185 هجرية
” وكان لا يقدم على أحد من اهل بيته الاّ مات ، فقدم على أخيه سليمان بن علي بالبصرة فاعتّل ومات …،
وقدم البصرة بعد مدّة ومحمد بن سليمان صحيح فاعتل يوم قدومه، ومات فصلى عليه ..!!
نثر الدر / ج1 / 315
-3-
وله قضايا كثيرة وشهيرة لسنا بصدد استعراضها ، ولكننا نريد الوقوف طويلاً عند واحدة منها .
وتلك هي قضية المال الذي أمر (المهدي) العباسي عبد الصمد بن علي أن يقسمه في أهل مكة .
لقد أمر المهدي العباسي (عبد الصمد بن علي) أنْ يقسم في اهل مكة مائة ألف درهم .
ولكنه ابتلعها ولم يُعطهم شيئاً منها ..!!
{ فلما عُزل وخرج ، صرخوا به :
( ايتها العِيرُ إنكم لسارقون )
يوسف /70
قال :
ماذا تفقدون ؟
قالوا :
مائة الف درهم ،
أمرك أمير المؤمنين بقسمتها في أهل مكة ، فقال :
أنا البطحاء ،
وأنا مكة ،
وأنا زمزم ،
فاذا قسمتها في داري فقد قسمتُها في أهل مكة }
نثر الدر / ج1 / 317
أرأيتم كيف اختصر ” مكة ” بذاته ؟!
-4-
ان الدكتاتور المقبور اختصر العراق بذاته ، فبلغ ذروة النرجسية …
وانها لمعادلة صعبة للغاية ان تتم مصادرة العراق – وهو منجم الإبداع
وموئل الحضارة، ومركز الاشعاع الروحي والعلمي ، وسيّد البلدان في عطائه وفتوحاته وامتيازاته – من قبل طاغيةٍ لايُحسن الاّ فنّ القتل والتلذذ بالدماء ، وتقديم الأميين من المجرمين ، وتأخير الأكاديميين والجامعيين من الخبراء والعلماء الذين يرفضون الاذعان له ..
-5-
وتنفس العراق الصعداء حين زال كابوس تلك الدكتاتورية الظالمة الغاشمة في 9/4/2003، وحَسِبَ العراقيون أنهم اجتازوا أصعب المراحل وأتكاها ، ولكنهم عادوا ليشهدوا ” المسؤول التنفيذي المباشر ” في الفترة الممتدة ما بين 2006 – 2014 يعزف على نفس الوتر..!!
-6-
ولأجل الاستحواذ الكامل على السلطة بقيت الوزارتان الأمنيتان شاغرتين..!!
وبلغ عددُ مَنْ عُيّن بدرجة وكيل وزارة (716) شخصاً ،
أما عددُ المدراء العامين فقد بلغ (4553) شخصاً.
وقد تم تعيين أكثرهم بالوكالة تفاديا لعرضهم على مجلس النواب أو مجلس الوزراء ..!!
-7-
وكانت النتيجة سيئة للغاية في المجال الامني حيث الأرقام الفلكية للشهداء والجرحى ، وفي المجال السياسي والاعلامي الذي شهد أبشع ألوان التراشق والتسليط السياسي والاتهامات الباطلة …. وفي المجال الاقتصادي حيث انتهبت الثروة الوطنية وأصبح الفساد المالي في البلاد مساوقاً للارهاب في فتكه وضراوته .
-8-
ان الفردية ، واعتماد الولاء الشخصي بدلاً عن الوطنية والنزاهة جعلتنا نئن من وطأة الأزمات المتتالية، الى أن حلّت الكارثة العظمى بدخول (داعش) العراق، واقامتها دولة الخرافة ، بكل ما اتسمت به من فظائع وفجائع …
-9-
واذا كانت التجارب رافداً كبيراً للانسان في إثراء معرفته ، واذكاء بصيرته، وتنبيهه على مخاطر الوقوع في الفخاخ الخادعة، فان المواطن العراقي – أيّا كان مذهبه ودينه وقوميته وانتماؤه السياسي – لابُدَّ ان يكون في منتهى اليقظة والوعي والحذر تحاشيا من انتخاب الفاشلين …
اعمدوا الى تحكيم (الموضوعية) واجعلوها بديلاً عن الطائفية والعشائرية والفئوية ….
واكسبوا النجاح والارتياح .