بينما يتراكضُ أهل العراق و في مقدمتهم أهالي البصرة والسماوة والناصرية و غيرها .. حاملين فوق رؤوسهم ما غلا و خفّ وما تبقى من تاريخ طويل كعذابنا في الحقائب .. وهحرةٍ أغرقتها خيالات الكذابين الصامدين في الخضراء و مدن اوربا والخليج وفلل تركيا .. المُعطرين بسجال النفاق وسحت الرياء .. بينما يتسابقُ أهلُ البصرة نحو الموت المحتوم وهم يلتفتون خوفاً من رصاص ٍ حائر يبحثُ عن رأسٍ أو قلبٍ يتدفأ به .. بينما تتشقق الأرجل وتنهمك العقول بحثاً عن مأوى؛ عن مأمن؛ عن ماءٍ نظيف؛ عن فراشٍ تطرز بالدعاء.
قليلاً من الحياء ومزيداً من الخجل نقولها للواقفين على الطرقات والسيطرات ومداخل المحافظات ومراكزها ووزارات الدولة ودوائرها جميعاً أمام هؤلاء المظلومين؛ عليكم بالتنحي جانباً واركضوا جميعاً وتسابقوا لمساعدة أهل البصرة و كل العراق .. فأهل البصرة سماءٌ من طيب .. وأرضٌ تغذت بالكرامة .. طوقوهم بالأمل وإمسحوا العذاب عنهم لا أن يتصدى لهم بضع جنود ٍ ومسلحون يتهامسون ويؤشرون بعضهم للبعض الآخر وكأنَّ هؤلاء من كوكبٍ آخر .. نقولها ولسنا آسفين أنَّ كثيراً من الأمور توضحت وتبين من هو الأخ ومن هو ابن العم ومن هو الوفي الذي واسانا في هذه المحنة وهذا البلاء ..
ألواقع والتاريخ كله يشهد أنَّ الأمور لم تعد خافية و لن تدوم ولن تطول .. لكن العراقيين و بعد يقظة الضمير التي أشرنا لها (1) عرفوا من أحباؤهم؟ ومن أبناؤهم؟ ومن بكى لبكائهم؟ وعرفوا الشامتين بدموعهم؟ عرفوا من هم الّذين لم يناموا الليل بحثاً عن مأوى لأبنائهم؟ ومن أغلق أبوابه منعاً للشيوخ والأطفال والعجائز كي يستريحوا من هذا الطريق القاتل .. نقولها أبداً .. الحمد لله .. الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه ٍ سواه .. والحمد لله الذي عرّفنا في هذه المحنة من هم دعاة الصّدق و دعاة الكذب و الزيف و الرواتب الحرام ؟ ومن هم أعداء الحق وأعداء الإنسانية من الأنتهازيين المنافقين الذين أتقنوا ركوب الموجات لتعميق جراح المظلومين؟ إن جذر ثقافتهم يمتد لعصابات البعث الهجين و للأحزاب التي باعت كل شيئ للأسياد في أوربا و أمريكا وروسيا!
في هذا الوسط المأزوم الذي أقلّ ما يُقال عنه بأنه محنة و كارثة و مصائب لا ولن تنسى بسهولة والله وحده أعلم بعواقبها ينبري بدوافع مختلفة نحن في غنى عن ذكرها واللبيت يعرفها .. ينبرئ كاتب مؤمن بدعوته لحزب (دعاة اليوم) للتضحية بآلحكومة من أجل بقاء الحزب (الدعوة) ويدعوهم بالأنسحاب من الحكومة لأعادة بناء حزب “الدعوة” الذي شكل الحكومات المتوالية في العراق بعد 2003م وبسببه وصل الحال لما وصل إليه اليوم من دمار و خراب و فساد و قتل وتهجير بشكل لا يقل مأساة عن ما كان عليه زمن صدام بجانب مؤشرات خطيرة تدلل على فقدان الامل بمستقبل يتوفر فيه الحد الأدنى من وسائل المعيشة و الراحة كشعب لم يذق الأمن و الهدوء منذ مئات بل آلاف السنيين و ما زال يذوق المرارات من الطغاة و الأحزاب التي حكمته منذ بداية تأسيس الدولة العراقية الحديثة في عشرينيات القرن الماضي بعد الحرب العالمية الأولى بشكل خاص!
تلك الدّعوة الماكرة تصور كاتبها (المؤمن) بأنها ستكون طوق نجاة لأنقاذ الحزب الذي نبذه الفقراء من الغرق والفشل و بآلتالي يُراد منها التغطية على فسادهم الذي ألمَّ بآلعراق والذي خسر جميع ثروته النفطية بآلاضافة إلى أرصدته بآلأضافة لذلك مديونية بمئات المليارات لتأمين رواتب المتحاصصين وذيولهم من المنافقين, وسيتحمل الجميع خصوصا الشيعة بآلدرجة الأولى بدءا بأهل آلبصرة و أنتهاءا بشبك الموصل تبعات هذا التخريب و الدمار .. فالمتحاصصون قد ملؤوا أرصدتهم بآلمليارات في لندن وسويسرا و دول الجوار تحسباً لمخاطر ألمستقبل المجهول الذي سبّبوه بشهوة مفرطة تتعدى شهوة معاوية و مروان و صدام و من سار على نهجهم في الحكم, إنّ العراق اليوم كلّه و لسوء الأدارة و فقدان البرامج الستراتيجية والخطط الناجعة ناهيك عن تنفيذها جعلته يعاني ألوان القهر و التشريد و الفساد والأمراض لتحجّر (حزب دعاة اليوم) والأمية الفكرية لفقدانهم إلى ثقافة رصينة بل فقدوا حتى بقايا ذلك الأيمان الظاهري الذي كانوا يتشدّقون به بعد إنتصار الثورة الأسلامية؛ بحيث عكسوا سلوك البعث في تصرفاتهم و نفاقهم و تعاملهم من أجل الرواتب و الأموال و الأمتيازات على حساب تدمير المستقبل بجانب إعلان جفائهم للدعاة الحقيقيين الذين طالبوهم بآلتنحي عن مدّعياتهم الكاذبة.
في هذا الوسط الخطير إنبرى اخونا “الداعية” المؤمن الذي نظّر كثيراً لدعاة اليوم حتى وصلوا لما وصلوا إليه بعيدا عن الأيمان و الفلسفة الكونية التي يجهلها والتي وحدها تضمن النجاة؛ ليقول لهم بآلحرف الواحد: [لقد حان وقت الأنسحاب للدّعاة لإعادة الكرة بعد الفشل الكبير الفاضح والكارثة العظمى التي ألمّت بآلعراق بسبب ورطتهم وإنخراطهم في نهج المستكبرين لتنفيذ خطط المنظمة الأقتصادية العالمية]!
فيا ترى هل هذه الدّ!عوة للأنسحاب من الرئاسة ستنقذ الحزب “القائد” من الفشل, خصوصا بعد ما تيقّنوا بأن نسبة أقل من 1% من الشعب يؤيدهم فقط بحسب الأحصاآت الرسمية ولو فرضنا إمكانية نجاتهم و حفظ ما تبقى من ماء الوجه؛ فهل تلك الثقافة الهجينة المغطاة بثوب أطهر إنسان عرفهُ العراق بعد المعصومين وهو الصدر والشهداء؛ بإمكانه بناء العراق من جديد بنفس تلك الثقافة التقليدية البائدة!؟
والحال أنّ محنة الدّعاة وإنحرافهم لم يكن في الحقيقة بسبب إستلامهم للحكم بعد 2003م كما تصور أخونا (المؤمن) و غيره؛ بل بوادر الأنحراف في نهجهم بدأت يوم قطعوا حبل الوصال مع الولاية لكونها الأصل والأساس الذي يبنى عليه كل شيئ(2) ليدُبّ حبّ آلدّنيا في أعماق نفوسهم حتى اللجوء للغرب واضعين كلّ عنبهم وأملهم في سلّة من كانوا هم السبب في كل هذا الدمار والخراب كمؤشر على فقدانهم –أي الدّعاة – للبصيرة الأستراتيجية التي ميّزتهم بسبب الأميّة الفكرية والعقائدية التي دفعتهم بعد سقوط صدام إلى اللهوث على الربح السريع على حساب القضايا الكبيرة و مستقبل الأجيال المسكينة التي لم تلد بعد!
كما إنّ جذور المحنة بدأت قبل هذا الوقت بربع قرن حين كنتُ أخطط وقتها عام 1981م لأعلان الثورة الثانية لنجاة الدّعاة عام 1980م بعد نجاح الثورة الأولى التي بيّنتها(3) من خلال معرض كبير أقمته وسط طهران العاصمة و جمعت بسببه نصف مليون تومان أي أمّنت رواتب الدّعاة لسنة كاملة, بعد ما كان الجوع و الفقر و التشرذم يفتك بهم لغربتهم عن الثورة الأسلامية و ضعف بصيرتهم, حتى حان وقت الثورة الثانية و هي عبارة عن مظاهرة كبيرة خطّطنا لها بدقة فكانت بمثابة إثبات وجود للحزب بعد ما أصبح في خبر كان بسبب قوة نفوذ منظمة العمل الأسلامي أنذاك و تشابك المدّ الشيرازي مع مفاصل الثورة و منها عبر المقبور مهدي الهاشمي و منتظري الذي كان يخطط و جنزالات من الجيش للألتفاف على الثورة و هي لم تزل في مهدها, لقد إنطلقت المظاهرة بعد ما حشّدتُ من خلال علاقاتي الواسعة مع الجالية العراقية و بعض الدّعاة الأخيار كأبو صهيب و أبو زكريا وغيرهم و بعض الأكراد الفيليين فتعاطف الناس حتى الأيرانيين معها لأبعد الحدود يتقدمهم لافتات و صور كبيرة لشهداء الحركة الأسلامية رسمتها بريشتي على قماش خاص مقاوم.
بدأت المظاهرة من ساحة فردوسي بطهران حتى ساحة الثورة أمام جامعة طهران حيث شاركنا بختامها في صلاة الجمعة, لتكون بمثابة إعلان واضح وصريح للأيرانيين بكون الساحة الأسلامية العراقية مختصّة بنا وليس بأية منظمة أو حزب إسلامي آخر, وهكذا كان, لكني و طوال تلك المدة و بينما كنت أجاهد كفيلق مغاوير على عدة جبهات؛ كان دعاة اليوم للأسف يُخططون للخروج من إيران, و لم يكن وجود للأخ أبو إسراء و لا الجعفري ناهيك عن العبادي الذي لم يكن بآلأساس رقما في حزب الدّعوة و لا غيرهم أنذاك, إنما قابلتهم في المركز الأعلامي حين كانوا يزوروننا قبيل تركهم لطهران إلى لندن لتكون محطتهم الأخيرة مع عوائلهم ليومنا هذا.
من ثمار تلك الثورة العظيمة الثانية؛ تغيير نظرة الأيرانيين لمراكز القوى في الساحة العراقية و تغيير تعاملهم و بوصلتهم بإتجاه دعم وإحترام الدّعاة بشكل لائق, فكَثِر أنصارهم و أعضائهم بعد تلك المظاهرة و إنتضم معهم الكثير من دعاة اليوم الذين كانوا يهربون من العراق, وتم تشكيل قوات الشهيد الصدر في معسكر غيور أصلي في الأهواز و لحق الكثير من المهجرين و المهاجرين العراقيين بذلك المعسكر الذي تحوّل إلى معسكر أكبر برعاية حرس الثورة لتكون منطلقا لتشكيل قوات 9 بدر فيما بعد و بآلذات أثناء الدورة الخامسة التي شاركتُ و العامري وآخرين فيها والتي إنقسمت إلى جناح الأخ العامري و جناح المجلس الأعلى التابع للسيد الحكيم بعد فتح العراق.
و رغم كل هذا ؛ وللأسف لم يتعلم دعاة اليوم الدرس و لم يفوا مع اؤلئك الذين خطوا بدمائهم مسيرة الثورة و هدف الدعوة التي أستطيع إختصارها بقضية واحدة هي مسألة العدالة في توزيع الثورة على نهج الأمام عليّ(ع), و بناء دولة المؤسسات لأسعاد جميع ألشعب العراقي الذي عانى الأمرين وعلى طول التأريخ من زمن حمورابي و نبوخذنصر و سرجون و حتى صدام حسين إلى الأمس القريب, لذلك ضيّع دعاة اليوم فرصة كبيرة و ذهبية كانت يمكن أن تكون منطلقا لتحقيق ذلك الهدف العلوي الكبير الذي آمن به حتى هيئة الأمم المتحدة عبر إعلان المرحوم كوفي عنان عام 2002م بدعوة رؤوساء العالم لتطبيق النظام العلوي كأفضل نظام عرفته البشرية!
خلاصة الكلام و بعد إنتهاء بل إنهاء تأريخ حزب الدّعوة من قبل دعاة اليوم الممسوخين, أقول؛ لو كانوا يملكون شيئا من الأيمان و الشجاعة لأقدموا على الأنتخار في ساحة التحرير وسط بغداد بعد فسادهم العظيم هذا وكما فعل هتلر و بعض قادته حين حوصرت برلين ومالت للسقوط التام, وكذلك القيادة اليابانية و في مقدمتهم ملكهم الكبير حين علموا بأنّ نتائج الحرب مع أمريكا ليست لصالح اليابان, و بغير هذا الخيار الشجاع نسبياً؛ فأن الأنفلات من غضب الشارع العراقي و ثورة الشعب القائمة التي بدأت و قدمت الكثير من الشهداء و الجرحى على أيديهم وأيدي من تحالف معهم من المتحاصصين .. ستنالهم و تقتص منهم لأرجاع قوت وأموال الفقراء التي نهبوها بلا رحمة على مدى 15 عاماً كصفقات كاذبة ورواتب شهرية مليونية ومخصصات وحمايات وإمتيازات لم نشهدها في تأريخ أظلم الحكومات على الأرض ؟ و لا حول و لا قوة إلا بآلله العلي العظيم و بإنتخاب المُفكّر و الفيلسوف الكوني العظيم لتطبيق الفلسفة الكونية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
http://www.iraaqi.com/news.php?id=22736&news=7#.W4q5muhKi00(1) راجع:
(2) في حديث متواتر: [بُني الأسلام على خمس؛ على الصوم والصلاة و الحج و الخمس و الولاية و ما نودي بشيئ مثلما الولاية].
(3) سلسلة [حقيقة حزب الدعوة (نظرة من الداخل)]. أوردت فيها تفاصيل وظروف المعرض الفنيّ عن الثورة الأسلامية في العراق.