23 ديسمبر، 2024 6:30 ص

هلْ تَكَلَمَ عيسى عليهِ السّلامُ وهوَّ طِفلٌ رَضيِعٌ

هلْ تَكَلَمَ عيسى عليهِ السّلامُ وهوَّ طِفلٌ رَضيِعٌ

في تَفسيرِ آية ({فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً }مريم29)
يُؤمنُ عامةُ المُسلمينَ بأنَّ عيسى عليهِ السلامُ قد أُوحي إليه وهوِّ طٍفلٌ رضيع بناءً على الفَهمِ التقليدي لِهذهِ الآيةِ وغيرِها فيَقولُ اللهَ تَعالى في كِتابهِ الكريمِ أيضاً
1 – { وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ } مريم46
2 – { إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً …… } مريم110  
وعِندما طالعتُ ما كَتَبهُ المُفسِرونَ الأوائل في هذا الشأنِ وّجّدت بأنهم مُترددين بِقبول الروايةِ التي تَقولُ بأن عيسى عليهِ السلامُ قَدّْ تَكَلَمَ في المهدِ وهوَّ طِفلٌ رضيعٌ فَنَقلوا ما نَقلوا مِنّْ تِلكَ الرواياتِ ولَكِنَ بعضَهُم أوّلَّ تِلكَ الرويات وبعضهُم قالَ إنَّ عيسى عليهِ السلامُ لمّْ يتَكَلمْ في صِباهِ بعدَ تِلكِ الحادثةِ أَبداً حتى بَلغَ سِنَ الكلامِ فقالَ على سبيلِ المِثالِ الزمخشري في تفسيرهِ الكَشاف ما نصّهُ (وقيل: كان المستنطق لعيسى زكريا عليه السلامُ. وعن السدي: لما أَشارت إليه غضبوا وقالوا: لسخريتها بنا أشدّ علينا من زناها. وروي أنه كان يرضع، فلما سمع ذلك ترك الرضاع وأقبل عليهم بوجهه، واتكأ على يساره وأشار بسبابته. وقيل: كلمهم بذلك، ثم لم يتكلم حتى بلغ مبلغاً يتكلم فيه الصبيان) ويَروي الإمامُ الرازي رحمهُ اللهَ تعالى في تفسيره مفاتيحُ الغيبِ روايةٌ عن السدي جاءِ فيها (لما أشارت إليه غضبوا غضباً شديداً وقالوا: لسخريتها بنا أشد من زناها، روي أنه كان يرضع فلما سمع ذلك ترك الرضاع وأقبل عليهم بوجهه واتكأ على يساره وأشار بسبابته، وقيل: كلمهم بذلك ثم لم يتكلم حتى بلغ مبلغاً يتكلم فيه الصبيان ) وقَدّْ إستدلَ على تِلك الرواية أيضاَ ابن كثير رحمهُ الله تعالى في تفسيرهِ , بينما يروي الإمامُ القرطبي روايات لَمّْ يَذكُرْ سَنَدها بلْ إكتفى ب (قيل) تدلُ على إن عيسى تَكَلمَ وهو طِفلٌ فيقولُ في تفسيرهِ الجامع لأحكامِ القَرآن ما نصّهٌ (وقيل: المعنى كيف نكلم من كان سبيله أن ينوَّم في المهد لصغره، فلما سمع عيسى عليه السلامُ كلامهم قال لهم من مرقده ( إِنِّي عَبْدُ ٱللَّهِ(  ويَضيفُ أيضاُ (فقيل: كان عيسى عليه السلامُ يرضع فلما سمع كلامهم ترك الرضاعة وأقبل عليهم بوجهه، واتكأ على يساره، وأشار إليهم بسبابته اليمنى، و { قَالَ إِنِّي عَبْدُ ٱللَّهِ } فكان أوّل ما نطق به الاعتراف بعبوديته لله تعالى وربوبيته، رداً على من غلا من بعده في شأنه والكتاب الإنجيل) ولكنْ يرجِع الإمامُ القُرطبي ويعلقُ على تلك الحادثةِ فيقولُ (وروي أن عيسى عليه السلامُ إنما تكلم في طفولته بهذه الآية، ثم عاد إلى حالة الأطفال، حتى مشى على عادة البشر إلى أن بلغ مبلغ الصبيان، فكان نطقه إظهار براءة أمه لا أنه كان ممن يعقل في تلك الحالة، وهو كما ينطق الله تعالى الجوارح يوم القيامة.) وروى الطبرسيُ رحمه الله تعالى نفس هذا المضمون في تفسيرهِ مَجمعُ البيان في تفسيرِ القُرآن ولكنْ بروايةٍ عن قُتادة .
وبالنظرِ إلى ما تَقدمْ نرى إنَّ كُل تِلكَ التفسيرات وغيّرَها التيّ لمْ أذكُرها لمْ تّرتّكِزْ إلى أي َحديثٍ أو إخبارٍ عنْ النبي عليهِ وعلى آلهِ أفضلِ الصلاةُ والسلامُ بشأن تِلك القصة المزعومة عنْ إنَّ عيسى عليه السلامُ تكلمَ وهوَّ طِفلٌ رَضيعٌ ولكنّْ قَبلَ الخوضِ فيّ تِلكَ المسألةِ لا بُدَّ أنّْ نوّضِحَ أمرين مُهمّين أولهما إن كلامَ عيسى عليه السلامُ المقصودُ بهِ في تِلكَ الآية هو كلامُ النبوةِ لا غيرَ لأنَّ العطفَ هُنا جاءَ  {وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ }آل عمران46 والآية تدلُ على الإعجازُ بينما الكلامُ العادي إن كان في المهدِ مُعجزةٌ فهوَّ ليسَّ كذلكَ في الكهولةِ أبداً لِذلكَ فأنَّ المقصودَ من الكلامِ في تِلكِ الآيةِ هو كلامُ البنوةٌ لا غير وقدّْ أُوضحتْ الآيات ما تَكلمَ بهِ عيسى عليهِ السلامُ في المهدِ فقالَ (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً{30} وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً{31} وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً{32} وَالسلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً{33}) – مريم
أما الأمرُ الثاني هوَّ إنَّ كلامَ عيسى عليهِ السلامُ كانَ معَّ قومِ أُمّهِ وليسَّ مَعَّ أُناسٍ آخرين لأنَّ الآيةَ تقولُ  {فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً }مريم27
وعِندَّما نَتوقفُ أَمّامَ هذهِ الحادِثةِ لا بُدِّ أن نسّألَ عنّْ أمورٍ كثيرةٍ ألا وهيَّ كيفَ أنّكرَّ اليهودُ قومُ مَريم عيسى عِندما بُعِثَّ نبياً في الكِبرِ بعدَّ أن رأوا تِلكَ المُعجزة وهوَّ كلامهُ في المهدِ وهوَّ طِفلٌ وولادتهِ العجيبة من غير أبٍ بَعدَ أنّْ إستيقنوا بأنَّ أُمّه مريم عليها السلامُ بريئةٌ من تُهمةِ الزنا , أمّا الأمرُ الآخر وهو ربما متعلقٌ أو يتقاطع معَّ الأمرِ الأول ألا وهوَّ مسألةُ تكليفُ النبي عيسى بالنبوةِ هلْ عِندما كانَ طِفلاً في المهد ؟ ِ وقد أوّضحنا إنَّ الكلامَ هنا المقصودُ بهِ كلامُ النبوةِ والله تعالى يقولُ في كِتابهِ الكريمِ  {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }يوسف109 وأنتم تعلمونَ إن (إلا) هنا أداةٌ حصريةٌ أي إن من أرّسلهم الله تعالى لمْ يكونوا أطفالاً إنما هم رجالٌ ؟؟!! والرِجال هُنا تحتملُ معنيين كلاهمُا لا ينطبقُ على عيسى عليهِ السلامُ فإن كان المقصودٌ رجالاً بلغوا الحُلم فهوَ لا ينطبقُ وإنّْ كانوا (رجالاً) أي مُشاةً كما في قولهِ تعالى  {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ }الحج27 فلم ينطبقْ عليهِ ذلك المعنى أبداً لأنَّ عيسى عليهِ السلامُ تَكلّمَّ وهوَّ في المهدِ .
الأمرُ الآخر الذي أثارَ إنتباهي في القصةِ التقليديةِ تلك إنَّ كُتابَ الأناجيلِ لمْ يَذكروا إنَّ عيسى عليه السلامُ تَكَلمَ في المهْدِ أبداً رُغمَ إنَّهُمْ حَرصوا على تَتبُعِ حياته في فلسطين وكانَ مِنَّ الأجدى بِهمْ أن يتلاقفوا تِلكَ الرواية ويُسطروها في أناجِيلهم ولو لاحظتَ إنَّ النصارى إلى اليومِ يستحسنونَ هذهِ القصة في القُرآن ولا يَطعنونَ بِها ولا يعتبرونَ ذلكَ من النقائصِ التي ينّسبوها إلى القُرآن في كل كتاباتِهم ومُنتدياتهم ورُغمَّ (على الرغمِّ ان تلك القصة تُثيت ان عيسى كان عبدا لله ولكن كان بإمكان كُتاب الأناجيل أن يذّكروها ويأولوها كمّا أوّ    لزا آيات كُثّر في الأناجيل تُثبِت إعتراف عيسى بانه عبدا لله تعالى ) ومعَّ ذلكَ فقدّْ فُقّدتْ تلكَ القصةُ أو مُحيت من الأناجيلِ ولا أدري كيفَ يُبرر منّْ يزعُمْ أنَّ تلكَ القصة حدثتْ بالشكلِ التقليدي الذي يفهمهُ الناسَ فلو فرضْنا إنَّ الاناجيلَ مزورةٌ فالتزوير كانَ منْ أجلِ إبعاد كونْ عيسى نبياً منْ اللهِ بل هو إبنُ اللهِ وهو الأقنومُ الثالثُ في العبادةِ المسيحيةِ وهذهِ القصة بحرفيتها كانتْ ستدعمُ هذا الكلامِ وبالتالي كانَ مٍنَ المهم إيراد تلك القصة بل إنَّ الغريب إنَّ القِصةَ تلكْ لمّْ يذكُرها التأريخُ اليهودي ولا المسيحي بالمرةِ بلْ إنَّ البعضَ مِنَّ المُتأخرينَ مِنَّ النصارى تَحدى المُسلمين أنّْ يأتوا لهُ بدليلٍ تأريخيِ على صِحةِ وقوعُ تلكَ الحادثةِ , وَلَعلَ مُعترضاً يقولَ كيفَ تلتجئ إلى الإنجيلِ في هذا الأمرِ وهو مُحرف ؟ لكني أقولُ إني لا ألجئ في حججي إلى الإنجيلِ فقط رغم إنَّ ذلكَ لمْ يكُنْ مذموماً في القُرآنِ الكريمِ والسُنة فيقولُ اللهُ تعالى في كتابهِ الكريمِ
1 – { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } الليل43
2 – { وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } الليل7 وإنّْ قالَ هذا المُعترض إنَّ هذا الأمر قبل تحريفِ التوراة أو الإنجيل نقول كلا أن الأمرَ بسؤال أهلِ الذكرِ بعدَّ أنْ أثبتَ اللهُ التحريفَ في كُتبِ اليهود فقال  {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ }البقرة79 وقال أيضاً  {أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }البقرة75  {مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً }النساء46 وقالَ أيضاً  {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }المائدة13 وقالَ أيضاً  {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }المائدة41 وكُل هذهِ الآياتِ تُثبت أنَّ التوراةَ قد حُرفت قبلَ عهدِ النبيّ الكريم ومعَّ ذلك أمرَ الله تعالى المُشككين بنبوةِ محمد أنْ يسألوا أهلَ الذِكرِ عنْ القَصَصَ التي في القرآن وغيرها !   ألا تُثير تلكَ الأمور الإستغرابَ والفُضولَ لبحثِ تلكَ القضية مِنّْ كلِ جوانبِها وسدُ الطريقِ على كلِ منّ يُحاولُ أنّْ يتصيد أخطاءاً مزعومةً في القُرآن الكريمِ
الأمرُ الآخر المُثير للدهشة هو كلام الطفلُ الرضيع الذي كَذَب في أولِ كلماتِه فقال : ( قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً{30} وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً{31} وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً{32}- مريم
السؤالُ هوَّ كيفَ يقولُ هذا الطفلُ بأنَّ اللهَ قدّْ آتاهُ الكِتابَ وهوَّ لمّْ يزلْ يرّضعْ ثدي أُمهِ وكيفَ يؤمرُ بالصلاةِ وهوَّ دونَ سِنِ التَكليف وكيفَ يكونُ باراً بوالدتِهِ وهوَّ في حِجرِها وهي تحملهُ راعيةٌ اياه وغيرها من الأمورِ فحتى لوْ قالَها لضحكَ مِنهُ اليهودُ وقالوا إذاً صّل او أرنا برك بوالدتك و باقي الأمورِ الأُخرى والآن تعالوا لننقض حُجُج منّْ قالوا إنَّ عيسى عليه السلامُ قدّْ تَكلمَ فقط بِهذهِ العبارة وسكتْ ألى أنْ بِلغِ سن الكلامِ نقولُ وكيفَ عرفتْ مَريم عليها السلامُ بأن هذا الطفل سيتكلمُ في هذا الموُضعِ فأشارتْ إليهِ وخصوصاَ إنَّ أمرَ اللهِ تعالى لها بالصيامِ لمْ يكُّن الأمتناع عن الكلامِ نهائياً كما يتوهمهُ البعضُ بلْ إنهُ صيامٌ عنْ فُضولِ الكَلامِ فقطْ فيقولُ اللهُ تعالى  {فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً }مريم26 فإنّْ كانت صائمة كُلياً عنْ الكلامِ فكيفَ تُّكلِمُ أحداً مِن البشرِ ويأمُرها الله (قولي) ويبقى السؤالُ كيفَ عرفتْ مريم عليها السلامُ بأنَّ عيسى سيتكلمُ في هذا الموضِعُ دونَ غيرهِ وأنّهُ سيُدافِعُ عنّها ؟
 المُفسرون ذكروا حُججاً لمْ يستندوا بها إلى أي دليلٍ بلْ هيَّ استناجات فقالوا إنها تلقتْ وحياً مِنَّ اللهِ تعالى والبعضُ قالَ جاءَها جبريلُ وأخبرها ولكنهم تناسوا إنَّ وعد الله لها كان من قبل (إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ{45} وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ{46} – آل عمران وهذا أقوى دليل على إنَّ عيسى عليهِ السلامُ لمْ يتكلمْ فيما يزعمونَ وهو طفلٌ في هذا الموضعِ فحسب بلْ كانَ مُتكلماً وكانَتْ أًمهُ على عِلمٍ بأنّهً كانَ ينطُقُ الكلماتَ ويتحدثُ بوحيٍ الله تَعالى وهو طِفلٌ رضيعٌ فعندَما سَألها قومُها كانَتْ مُتيقنةً أنَّ طِفلَها المُتكلمُ سيُدافعُ عنها !!! فَكَلامُ المهد لعيسى كان كلاماً مستمراً وهذا ما لمْ يذكرهُ القُرآن الكريم إذْ إكتفى بذكر تلك الكلمات فقطْ  وقالَ المفسرونَ نفسَ الشيء بلْ حتى الأناجيل ولا حتى الكتب والمصادر التأريخية لمْ تذكر هذا الشيء أبداً !
فأينَ هي الحقيقة ؟
إن الأمرَ لو كانَ كما يفهمه المفسرون التقليديون فمجرى القصة بأن مريم حَمّلت بأبنِها وتركتْ مدينتها فولدتهُ وبعدّها عادتْ إلى قومِها وحدثتْ تلكَ الحادثة لكن الأناجيل التي ثبتت سيرة عيسى عليه السلام لمْ ترو تلكِ الحادثة بلْ إن في الأناجيل نفسها تضارب بشأنِ تلكَ الحادثة مثلاً يقولُ انجيل متي  بأنَّ عيسى عليه السلام ولدَ في بيت لحم وأن يوسف خطيب مريم عليها السلام قد أُنبئ بالرؤية بأنهُ لا بُدَّ أنّْ يأخُذ مريم الى خارجِ بيت لحم لأن الملكَ هيرودتس كانَ أمرَ بقتلِ جميع أطفال بيت لحم وضواحيها بناء على نبوءة الكهان المجوس فأخذها وهرب الى مصر وبعد مدة رأى يوسف رؤيا بان من يطلب نفس الصبي قد مات فأخذ زوجته مريم عليها السلام وقفل راجعاً إلى فلسطين (22وَلَكِنْ لَمَّا سَمِعَ أَنَّ أَرْخِيلاَوُسَ يَمْلِكُ عَلَى الْيَهُودِيَّةِ عِوَضاً عَنْ هِيرُودُسَ أَبِيهِ خَافَ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى هُنَاكَ. وَإِذْ أُوحِيَ إِلَيْهِ فِي حُلْمٍ نْصَرَفَ إِلَى نَوَاحِي الْجَلِيلِ. 23وَأَتَى وَسَكَنَ فِي مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا نَاصِرَةُ لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِالأَنْبِيَاءِ: «إِنَّهُ سَيُدْعَى نَاصِرِيّاً». انجيل متي الإصحاح الثاني
أي إنَّ عيسى عليهِ السلام لمْ يكنْ ناصرياً بالأصل أي إن مريم لم ترجع الى اهلها البتة ولا يمكن ان تكون تلك الحادث قد حدثت في الناصرة لان اهل الناصرة ليسوا بأهل مريم عليها السلام
ولكن إنجيل لوقا يقولُ بأنَّ مريم عليها السلام قد حبلت بعيسى عليه السلام في الناصرة وهي من أهل الناصرة فيقولُ في الإصحاح الأول الاتي : وَفِي الشَّهْرِ السَّادِسِ أُرْسِلَ جِبْرَائِيلُ الْمَلاَكُ مِنَ اللهِ إِلَى مَدِينَةٍ مِنَ الْجَلِيلِ إسْمُهَا نَاصِرَةُ 27إِلَى عَذْرَاءَ مَخْطُوبَةٍ لِرَجُلٍ مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ سْمُهُ يُوسُفُ. وَإسْمُ الْعَذْرَاءِ مَرْيَمُ. 28فَدَخَلَ إِلَيْهَا الْمَلاَكُ وَقَالَ: «سَلاَمٌ لَكِ أَيَّتُهَا الْمُنْعَمُ عَلَيْهَا! اَلرَّبُّ مَعَكِ. مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ». 29فَلَمَّا رَأَتْهُ ضْطَرَبَتْ مِنْ كَلاَمِهِ وَفَكَّرَتْ مَا عَسَى أَنْ تَكُونَ هَذِهِ لتَّحِيَّةُ! 30فَقَالَ لَهَا الْمَلاَكُ: «لاَ تَخَافِي يَا مَرْيَمُ لأَنَّكِ قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ للهِ. 31وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْناً وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. 32هَذَا يَكُونُ عَظِيماً وَأبْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى وَيُعْطِيهِ الرَّبُّ الإِلَهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ 33وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى الأَبَدِ وَلاَ يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ». ويستمرُ لوقا بسردِ القصةِ فيقولُ إنَّ مريم عليها السلام ذهبتْ الى جبالِ يهودا حيثُ زكريا عليهِ السلام وزوجتهُ (اليصابات) وهناك تمتْ خُطوبتها على يوسف الذي جاءَ مِن الناصرة الى بيتِ لحم بسبب الإكتتاب (الاحصاء) وهناكَ ولدت مريم عليها السلام اليسوع في بيتِ لحم وهذا يُشكلُ خلافاً كبيراً مع إنجيل متي الذي قالَ بأنَ يوسفَ هربَ إلى مصر وعادَ إلى الناصرةِ كيْ يتم ما قالهُ الانبياءُ بأنَّ المسيح يُدعى ناصرياً لذا فإنَّ هذا المُبرِر الذي يذكرهُ لوقا يسقطُ بالكاملِ وخصوصاً إذا ما علمنا أيضاً إنَّ الإحصاء الذي زعم أنَّ يوسف غادرَ الناصرة من أجلهِ لم يحدث إلا بعد ولادة المسيح عليه السلام بسبعِ سنواتٍ . وبالتالي إن مُقتضى إدعاء لوقا بأنَّ المسيح كان ناصرياً كانَ ادعاءاُ غير واقعياُ بالمرة ولا يتناسب مع الاحداث التأريخية .
إن مقتضى الآية القرانية تقولُ إنَّ مريم عادتْ بهِ إلى قومها ولاحظ الأناجيل كيفَ سردتْ حياة عيسى إذ ورد في انجيل مرقس الإصحاح الاول الآية التاسعة الاتي (وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ جَاءَ يَسُوعُ مِنْ نَاصِرَةِ الْجَلِيلِ وَاعْتَمَدَ مِنْ يُوحَنَّا فِي لأُرْدُنِّ). اي إن عيسى كان في الناصرة عند ظهور يوحنا المعمدان وقد ورد في إنجيل متي في الإصحاح الرابع الاتي (12وَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ أَنَّ يُوحَنَّا أُسْلِمَ إنْصَرَفَ إِلَى الْجَلِيلِ. 13وَتَرَكَ النَّاصِرَةَ وَأَتَى فَسَكَنَ فِي كَفْرِنَاحُومَ الَّتِي عِنْدَ الْبَحْرِ فِي تُخُومِ زَبُولُونَ وَنَفْتَالِيمَ 14لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِإِشَعْيَاءَ لنَّبِيِّ». وهما لا يذكران أبداً موعد رجوعه الى الناصرة بعد ولادته أبداً وهذا يعني إن المسيح عليه السلام عندما اصبح شاباً كان يتردد على مدينته الناصرة أما لوقا فهو يقول إن المسيح رجع الى الناصرة فور ولادته كما ورد في الاصحاح الثاني (39وَلَمَّا أَكْمَلُوا كُلَّ شَيْءٍ حَسَبَ نَامُوسِ لرَّبِّ رَجَعُوا إِلَى الْجَلِيلِ إِلَى مَدِينَتِهِمُ النَّاصِرَةِ. 40وَكَانَ الصَّبِيُّ يَنْمُو وَيَتَقَوَّى بِالرُّوحِ مُمْتَلِئاً حِكْمَةً وَكَانَتْ نِعْمَةُ اللهِ عَلَيْه) اي ان لوقا هو الوحيد الذي قال بان المسيح رجع الى الناصرة بعد ولادته بينما الثلاثة الباقين سكتوا عن هذا الموضوع واذا رجعنا الى ما جاء به لوقا ونناقشه نرى انه سرده لحياة عيسى في الناصرة وانه جاء اليها بعد ولادته مباشرة برفقة والديه كانت مخطئة كما بينا في السابق ولكن بحسب هذه الرواية فان الحادثة التي ذكرها القران الكريم لا بد ان تكون قد حدثت في الناصرة اي بعد رجوع مريم بوليدها الى الناصرة ولكن هذه الرواية باطلة لان قوم مريم التي جاءت بوليدها اليهم لم يكونوا من الناصرة لانه بحسب ما ورد في انجيل متي بان مريم كانت في بيت لحم لما حبلت بعيسى عليه السلام ولا يذكر الإنجيل شيئا عن مدينتها الأم ولكن بيتها كان بالقرب من بيت لحم بحسب انجيل متي كما ورد في الاصحاح الثاني وانها هربت به بسبب اوامر من الملك بحسب ما رووه الكهان المجوس من ان طفلا سيولد سينهي ملك الحاكم وهذه القصة واضحة للعيان انها مختلقة لتواكب ما حصل مع موسى عليه السلام وتستمر القصة التي تروي ان يوسف ومريم غادروا الى مصر فأقام يوسف في مصر حتى مات هيرودس ورجع ولكنه سمع ان ابن هيرودس اصبح ملكا فلم يرجع الى وطنه خوفا على الصبي ايضا ولذا استقر في الجليل وهكذا فان المسيح الناصري كان من بيت لحم وذهب برفقة يوسف ومريم عليه السلام الى الناصرة واستقر بها حتى يتم ما قال به الأنبياء بأن المسيح سيدعى ناصريا والذي يتضح من هذا العرض بان ادعاء ان يوسف زوج مريم كان ناصريا يبطل لانه لو كان ناصريا لما امر ان يذهب الى الناصرة حتى يتحقق كلام الانبياء بان المسيح يدعى ناصريا لذا فأن المسيح حتى وان عاد الى الناصرة فورا بعد ولادته فان الحادثة القرآنية لم تحدث فيها لان الآية تقول واتت به قومها تحمله اما اذا ذهب المسيح الى مصر كما ورد في بعض الاناجيل وعاد الى الناصرة فانه لا مجال للقول بان المسيح تكلم وهو طفل رضيع ابدا خصوصاً وان الاناجيل تثبت ان عيسى ظل هناك حتى اعلن يوحنا نبوته ولا يمكن القول بان عيسى تكلم في ذلك قبل نبوته لان محل سكناه كان في الناصرة وان اهل الناصرة لم يكونوا قومه ابدا لذا فهو لم يتكلم بهذا الكلام الى ان اعلن يوحنا المعمدان نبوته وبعدها غادر اليسوع الناصرة .
فمتى حدثت الحادثة إذا ؟؟
ان الحادثة حدثت عند زيارة عيسى عليه السلام برفقة والدته الى اورشليم وضواحيها بحسب رواية متي فقد زار اورشليم وقد كان عمره (12 عاما) غير إن تلك الزيارة لم يحدث فيها شيء لافت الا إن الصبي عيسى كان يعف عن اللعب واللهو ويسمع كلام الكبار والزيارة الثانية هي بعد 3 سنوات من بعثته والتي جاء بها ليبشر برسالته الى بني إسرائيل ولكن المشكلة التي يطرحها البعض في الكلمة القرآنية (فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ) ولكن كلمة تحمله لا تعني هنا انها تحمله على كتفيها او في حجرها فيقول الله تعالى في كتابه الكريم  {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }الجمعة5 فلفظة حمل التوراة هنا تعني توقيرها ومؤازرتها فكلمة (لم يحملوها) لا تعنى ان كل يهودي نبذ التوراة بل انها تعني تركها ولم يعمل بإحكامها ولم يؤازرها ويقول الله تعالى أيضاً في كتابه الكريم  {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً }الأحزاب72 وحملُ الأمانة هنا تعني اداء الفرائض وبالتالي فان مقتضى كلمة تحمله هي ان مريم عليها السلام اتت مع ابنها وهي مؤمنة برسالته مؤيدة له حانية عليه لترد على ما ورد في الاناجيل من تشويه لعلاقة سيدنا عيسى مع مريم عليها السلام حيث يروي انجيل يوحنا عن خطاب عيسى لامه في الاصحاح الاول بطريقة جافة لا تنم عن اية عاطفة بل انه حتى استنكف ان يناديها بأماه (4قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «مَا لِي وَلَكِ يَا امْرَأَةُ! لَمْ تَأْتِ سَاعَتِي بَعْدُ».) بل إن عيسى لم يبادر بأن يهون على أمه وهو على الصليب بل خاطبها بجفاء فقال لها بحسسب انجيل يوحنا نفسه (26فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ أُمَّهُ وَالتِّلْمِيذَ الَّذِي كَانَ يُحِبُّهُ وَاقِفاً قَالَ لِأُمِّهِ: «يَا امْرَأَةُ هُوَذَا ابْنُكِ».) فالمسيح كان يستنكف حسب الأناجيل ان ينادي مريم بوصف الأُم ابدا لذلك أتت هذه الآية والتي تليها لتثبت مناصرة مريم لإبنها وبر إبنها بها فقال الله تعالى عن لسان عيسى عليه السلام {وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً }مريم32
الآن نأتي إلى كلام عيسى عليه السلام في المهد إذ قال
قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً{30} وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً{31} وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً{32}- سورة مريم
والآن تعالوا نناقش تلك الآية هل حدثت عندما كان طفلاُ رضيعاُ
يقول عيسى إني عبد الله والعبد هنا ليس بمعنى احد مخلوقات الله انما تعني انه اطاع الله واستحق درجة العبودية التي هي أرفع المقامات عند الله تعالى فكيف بلغ عيسى عليه السلام تلك الدرجة وهو لم يصل الى سن التكليف بعد ؟ يقول أيضاً وآتاني الكتاب أي علم الكتاب وجعلني نبيا فهل بٌعث عيسى بالبنوة وهو في المهدِ ولكن في نفس الوقت يصف الله تعالى أفضل خلقه وحاله قبل البعثة {وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى }الضحى7 فهل كان عيسى عند الله أكرم من الحبيب المصطفى ويستمر عيسى بالقول فيقول وجعلني مُباركاً أين ما كُنت وأوصاني بالصلاة والزكاة وبر الوالدة ولم يجعله جباراً شقياً , هل هذا حال طفل يصلي منذ طفولته ويزكي منذ طفولته ويبر بوالدته وهو في المهد ؟؟؟؟
إن الكلام هنا يثبت إن عيسى عليه السلام كان كذابا والعياذُ بالله تعالى ولكن القصة لم تحدث كما يفهمها المسلمون إنما حدثت وكما قلت في الرحلة الثانية لعيسى عليه السلام مع أمه الى اورشليم في بداية دعوته حيث عندما جاءت معه امه لمناصرته عندها إنبرى اليهود لقذف القديسة مريم بأبشع الأوصاف فهم يعلمون جيدا ان عيسى ولد ولادة غير طبيعية إلا أنهم سكتوا عنها ولم يعيروا لها بالا ولكن عندما أتت لمناصرة ولدها إتهموها بأبشع التهم وهنا تكلم عيسى عليه السلام ودافع عن نفسه وإشارة مريم هنا في قولها {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً }مريم29 تعني إن إبن الحرام أو من من أتى من بذرة حرام لا يمكنه ان يكون بتلك الدرجة الرفيعة والمقام المحمود مقام النبوة ولكن هؤلاء اليهود من الكتبة ومن الفريسيين استصغروا عيسى لأنه كان شاباً فقالوا (كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً) والحقيقية إنهم إستصغروه بهذه العبارة لكن الله أثبتها له في قوله {وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ }آل عمران46 وكما نعلم ان المهد هو فراش الطفل وعيسى عندما تكلم مع القوم كان بحسب رواية المفسرين التقليديين في حجر أمه فهل حجر الأم هو المهد بالطبع كلا ؟ لو راجعت القرآن الكريم يورد المهد في عدة مواضع وكان يعني به التمهيد فيقول {وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيداً }المدثر14 والمهد له مفهوم آخر في القرآن الا وهو المستقر حيث يقول
1 – { وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ } البقرة206
2 – { قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ } البقرة12
3 – { مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ } البقرة197
4 – { لِلَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ أُوْلَـئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ } البقرة18
5 – { جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ } البقرة56
ونحن نعلم ان جهنم ليست الفراش إنما هي مستقر للكافرين والمعاندين
إن المهد مشتق من كلمة (مَهَدَ) وهي في اللغة حسب قاموس لسان العرب مَهَدَ لنفسه يَمْهَدُ مَهْداً: كسَبَ وعَمِلَ. وقد مَهَدْتُ الفِراشَ مَهْداً: بَسَطْتُه ووَطَّأْتُه و والتمَهُّدُ: التَّمَكُّن و والمُهْدُ النَّشْزُ من الأَرض؛ عن ابن الأَعرابي، وأَنشد: إِنَّ أَباكَ مُطْلَقٌ مِنْ جَهْدِ، إِنْ أَنْتَ كَثَّرْتَ قُتورَ المُهْدِ النضر: المُهْدةُ من الأَرض ما انخفض في سُهُولةٍ واسْتِواء.
وفي الحقيقة إن جمع تلك المعاني يوضح حقيقة الأمر ان كلام عيسى في المهد هو كلام النبوة في بادئ الأمر وإعلانه النبوة تمهيدا لنشر رسالته على خراف بني إسرائيل الضالة التي كلمها بعد ذلك كهلاً بعد أن نجاه الله تعالى من الصلب حيث سنوضح ذلك الأمر في مقال قادم آخر