22 ديسمبر، 2024 8:15 م

هلموا بجذع النخلة

هلموا بجذع النخلة

قيل في أحد قواعد الفقه “ما لا يدرك كله لا يترك جله”، وهي تعبير مناسب ومجازي بعدم ترك العمل وإن لم يُستطع اكماله، كقوله تعالى: “فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23) فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا”(26).

كلمات بليغة تفتح لنا آفاق واسعة من التفكر والتدبر، فهل تستطيع سيدة وهي توشك على الوضع أن تهز جذع نخلة قد يعجز الرجال عن تحريكه، وهي التي خارت قواها اضافة لحالتها النفسية المزرية، لكنها امتثلت للأمر وهزت بجذع النخلة، فكانت النتيجة تساقط الرطب الجنيا، وهنا تعبير آخر بتساقط الرطب.. واصفاً عز وجل بالجنيا، وجني الثمار أي قطفها باليد لا سقوطها!.

هنا تكمن عظمة التظاهرات التي ملأت مناطق العراق مطالبة بتوفير الخدمات والحفاظ على ثروة البلد والشعب من الضياع، رغم إنها كانت متأخرة بعض الشيء، قد يكون السبب نفسياً، فسقوط النظام غفلة لم يدع للفرد مساحة عقلية بتجميع أفكاره وترجمتها لسلوك جمعي يخدم الناس، أو إن أغلب الشعب أعتمد على أحزاب تحل محله في هذا الأمر.

مهما يكن التفكير حينها فذلك لا يعيب الإنسان العراقي مطلقاً، الذي تحمل الأمرين وعلم الصبر معنى الصبر الحقيقي، بل هو الذي تجاوز بجراحه محولا دموعه لابتسامة براقة لغد جميل، كان هو من يجلس بالقرب من شاشة التلفاز متألما لما يحدث في الجزائر من قتل ومعارك طائفية، بل يندهش أكثر عند مشاهدته لتفجير أو اغتيال على أيدي الجيش الجمهوري الايرلندي، مع أحقيته في الدفاع عن قضيتم.

لم يتصور الفرد العراقي أن يأتي عليه يوم يكون فيه مشروع قتل مباح علناً في أحد شوارع العاصمة بغداد، أو أي محافظة من محافظات العراق، الثمن كان باهضاً لطريق الديمقراطية، فالشعب وحده من سدد فواتيره، بل أستلذ بعض الساسة بمخططات المقبور منتهجين نفس النهج؛ بطريقة مغايرة ومتحضرة، مستغلين الإرباك التحولي الذي يمر به أي شعب من الشعوب من حال الى حال.

وفق ذلك النهج بنيت مؤسسات وهيئات، وغيبت قوانين المواطنة، وظهرت حالة التفرد في السلطة، الغريب في الأمر إن كل ما حصل كان أمام عين ذات الإنسان نفسه، لكن لم يكن بوعي مطلق يتيح له التمييز بين الظلم والظالم، ف” ظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند”.

اليوم أستفاق الشعب بعد سبات ثلاث عشرة سنة، ليرى البلد محطم بشهادة أغلب الساسة، فهل للإصلاح من سبيل، والجهل نبل ذو ثلاث شعب مسموم مصوب نحوهم، وداعش من أمامهم وبينهم ، والفساد من خلفهم يأكل بذاك الوطن المترنح، لنجتمع عند جذع النخلة… عسى أن تساقط علينا رطبا جنيا.