نص قانون هيأة النزهة رقم 30 لسنة 2011 في المادة الثانية 0 خامسا على (تعزيز ثقة الشعب العراقي بالحكومة عبر الزام المسؤولين فيها بالكشف عن ذممهم المالية، وما لهم من انشطة خارجية واستثمارات وموجودات وهبات او منافع كبيرة قد تؤدي الى تضارب المصالح، بإصدار تعليمات تنظيمية لها قوة القانـون بما لا يتعارض معه، وغير ذلك من البرامج)
ويرى الخبير القانوني طارق حرب ان “ما قامت به هيئة النزاهة في اعداد قائمة بأسماء مسؤولين كبار اثنان منهم كانا بمنصب نائب رئيس الوزراء واثنان منهم بدرجة وزير يعتبر التطبيق الاول الذي اقدمت عليه هيئة النزاهة لمبدأ (من اين لك هذا؟) او ما اسماه قانون هيئة النزاهة بـ (الكسب غير المشروع) “.
واضاف حرب في بيان له اليوم “لأول مرة تتمكن النزاهة من اتخاذ اجراءات قانونية تطبيقية لهذا المبدأ على الرغم من ان اول قانون لهيئة النزاهة صدر سنة 2004 لكن هذه القاعدة لم تجد تطبيقا الا بعد 12 سنة على الرغم من مضي مدة طويلة لاثبات ذلك في النظام القانوني العراقي وقد تضمنت المواد (18) الى (20) من قانون هيئة النزاهة رقم (30) لسنة 2011 احكام الكسب غير المشروع (من اين لك هذا؟) عندما اعتبر القانون كل زيادة في اموال كل موظف ملزم قانونا بتقديم تقرير الكشف عن الذمة المالية له ولزوجه واولاده”.
والسؤال المطروح اليوم بقوة …. كيف يمكن معاضدة هيأة النزاهة من الاعلام العراقي الوطني وفعاليات المجتمع المدني لقيادات هذه الهيأة في المضي قدما وتعزيز موقفها في منع الفساد وملاحقة المسؤولين الذين تضخمت أموالهم نتيجة ممارسة أساليب الاثراء غير المشروع والانتفاع من الوظيفة العامة ؟؟
لا يمكن الإحاطة بكل هذا الموضوع والاعلام العراقي ما بعد عام 2003 يتهم بكونه اعلاما مفسدا، لاسيما وان التعريف الاولي المثقف عله في الفقه الأكاديمي بان (الاعلام هو نتاج ثقافة الدولة السياسية) وحينما نلحظ هذه الثقافة العامة في سياسيات الدولة يتبن انها قد اعتمدت على مبدأ المحاصصة، وبات تعين أي مسؤول في أي وزارة من ضمن اقطاعية الحزب او الكتلة التي رشحت الوزير لمنصبه بل وهناك أحاديث كثير تدور عن شراء الوزراء وكبار المسؤولين مناصبهم بأثمان تصل الى ملايين الدولارات !!
ومن هذه الحيثيات يمكن القول ان مساعي هيأة النزاهة محمودة في الاتجاه الصحيح حينما تقارع كبار الفاسدين على هذه المستويات المعلنة وهناك قوائم أخرى بانتظار استكمال إجراءات إعلانها، فهل يتفق ذلك مع منهج برنامج ستوديو الساعة التاسعة الذي تبثه قناة البغدادية في الكشف عن الفساد كما يكرر مقدمه الزميل أنور الحمداني ؟؟
واقع الحال ان هذا البرنامج يطلق أنموذجه السوداوي على سياسات الدولة ومنها ما تحاول هيأة النزاهة النهوض به ، بل ان ما قامت به الهيأة اليوم كان موضع تشكيك بل ويمكن القول بانه موقع رفض من قبل لجنة النزاهة البرلمانية ، حينما أشار اكد عضو لجنة النزاهة النيابية محمد كون في تصريح صحفي لوكالة موازين في منصف أيلول الماضي , بان لجنته لا تستطيع محاسبة المسؤولين الذين تضخمّت أموالهم ولا مساءلتهم على “من اين لك هذا”، موضحا ان المشكلة التشريعية الوحيدة لتطبيق هذا المبدأ يُعدّ ارباكا في عمل التشريع العراقي منذ تأسيس الدولة العراقية والى الان، على حد قوله .
ولا مناص من التأكيد بان هذا الراي البرلماني لا يمثل أعضاء هذه اللجنة فقط بل وجميع أعضاء هذا المجلس العتيد الذي يفترض بانه يمثل الشعب في نظام تمثيلي برلماني، لكن واقع حال السياسات العامة للدولة جعلت المال العام اقطاعيات مملوكة للأحزاب بعبارة متعارف عليها في التصريحات بان الجميع قطعوا الكيكة ووزعت عليهم بالتساوي كما تظهر النائبة حنان الفتلاوي في برنامج (الرئيس) الذي يقدمه رئيس البرلمان الأسبق محمود المشهداني على قناة الشرقية.
وبالتأكيد يمكن إطلاق وصف الشجاعة على قرار رئيس هيأة النزاهة الدكتور حسن الياسري بكونه الأول من نوعه في هذا المجال، لكن الرجل لا يمكن له ان يأتي بما لم يأت به الأوائل من قادة هذه الهيأة، واطلاق هذه الدفعة الاولى من تساؤل (من اين لك هذا؟) في وجه الفساد يحتاج الى معاضدة الراي العام والفواعل الاجتماعية فيه ولعل أولها المرجعيات الدينية ومنظمات المجتمع المدني لتقويم السياسات العامة للدولة، وهنا تبرز الحاجة الى إعادة تعريف هذا الدور وإلغاء النموذج الفاسد منه الذي يمثل الاعلام الممول من أموال الفساد السياسي، وهو الفساد الأصغر في توصيف البنك الدولي ومنظمة الشفافية الدولي لتعريف ( الفساد) ، كون الفساد الأصغر يمثل تعاطي الرشوة من صغار الموظفين ،اما بقية أنواع الفساد فتمثل في الانتفاع بالمال العام على حساب مصلحة الدولة وهدر أموالها لمصالح شخصية ، ومقارنة ذلك بحوالي الف مليار دولار تمثل موازنات العراق لعقد مضى ونيف من الأعوام ، يؤكد على دور نقابة الصحفيين في التمعن المتجدد في التزامات وسائل الاعلام بميثاق الشرف الصحفي الوطني ، لأنه من المتوقع ان ينبري هذا الاعلام الحزبي المفسد والفساد في ان واحد ، لكي يدافع عن المفسدين الذين تقدمهم هيأة النزاهة للقضاء بسبب تضخم أموالهم ، كما تحتاج هذه الهيأة الى معاضدة منظورة من قبل القضاء في تحديد أولويات فقه القانون في قراءة نصوصه ، وعدم الخجل من تفسيرات تجعل القضاء فوق سلطة البرلمان الذي يكلف ويصادق على تعيين كبار مسؤولي مجلس القضاء الأعلى ، لإعادة صياغة قانون الانتخابات أولا في عدم تمويل أي حملة انتخابية من أموال الفساد السياسي التي تتناثر مثل المطر على وسال الاعلام كإعلانات انتخابية تصل قيمتها الى ملايين الدولارات دون أي مسالة قانونية عن مصادر هذه الأموال وتحتاج الى تشديد وتوضيح النص القانوني عن تمويل الحملات الانتخابية ، كما تحتاج الى توضيح إجراءات المقاضاة بفرض الحبس وعدم قبول الكفالة لجرائم الفساد ، وتنشيط مهمات الادعاء العام في هذا المجال الصحيح والمطالب به شعبيا ومن المرجعية الدينية الشريفة في النجف الاشرف التي بح صوتها وهي تطالب بمنع الفساد ومكافحته .
يضاف الى ذلك أهمية ان تنشط وسائل الاعلام في الكشف الاستقصائي عن أموال الفساد السياسي ومظاهره وتثبيت أنماط وأساليب التهرب من المسائلة القضائية من خلال تسجيل الأملاك بأسماء لا تمت بصلة للفاسدين في قيادات الدولة العليا، وهي مهمة مطلوبة اليوم بقوة لكي تفصل ما بين الاعلام الممول من المال السياسي الفساد وتلك التي تمول من القطاع الخاص او من خلال الإعلان الذي يحتاج الى اليات واضحة لتوزيعه بعدالة على جميع وسائل الاعلام.
اليوم يمكن القول …حصص الحق وبان (هلال) النزاهة في قراراتها الجريئة لكن هذا الهلال يحتاج لكي يتحول الى (بدر ساطع الانوار) الى تعاضد جميع الشرفاء في الكشف عن مظاهر الفساد وعدم الاكتفاء بتكرار نموذج البغدادية في زعيق غير مجد او تسقيط مفهوم الأسباب من اجل نيل حظوة كبرى في أرباح المالي السياسي الفساد …. ولله في خلقه شؤون .