عنوان غريب لحقيقة بديهية!
فكلنا يعرف ان الاوطان تٌسرق كل يوم ويساهم ابنائها في سرقتها اكثر من غيرهم ونعرف جميعاً كيف يسرق المسؤول بتمشية المعاملات الفاسدة ويسرق المقاول بالغش في العمل ويسرق المهندس المشرف بتمشية حال المقاول المفسد وهكذا ولكن كل هذا من المعروف والمتفق عليه وليس هو المقصود هنا وانما نوع اخر من السرقة الخفية التي يمارسها اغلبنا كل يوم بدون ان ندري واليكم التفصيل:
ينقسم الشعب الى عامل وعاطل وعائل ومعيل وينقسم العاملون الى نوعين هما العامل لدى الدولة (الموظف) والعامل في القطاع الخاص يدير عمل نفسه او يعمل لدى غيره وفي كل من هذه الحالات توجد قوانين رسمية وقوانين عرفية تتيح للموظف والعامل امور معينة في حالات الضرورة تجعله يستفيد اكثر من غيره من بقية الموظفين ومنها مسألة الاجازة والرخصة وترك العمل في ايام الدوام والعمل والتي يفترض ان تمنح للمحتاج اليها فعلاً لحالات ضرورية قصوى في حين اننا نرى ان اغلب الموظفين والعاملين يسيئون استخدام هذه الرخص للتملص من العمل والمسؤولية وممارسة اعمال خاصة في وقت العمل الرسمي والعام ولذا فهم بهذه الحالة يسرقون الوطن بسرقة وقت العمل للقيام بأعمال اخرى سواء داخل الدائرة او خارجها ويشترك في هذه السرقة المسؤول المتستر الذي يعرف ان الموظف غير محتاج الى الاجازة او الرخصة ويعطيه اياها لأنه عرف او صاحب فلان او من طرف فلان وغيرها من وسائل الفساد.
امر اخر يعتبر سرقة مبطنة للوطن وموارده المالية والبشرية والاقتصادية بل وسرقة لرصيد الوطن في حاضره ومستقبله وتتمثل في اخذ غير الكفوء لمكان غيره في المسؤولية والتوظيف والعمل وحتى الايفاد والسفر والاستفادة من المنافع العامة والخاصة التي توفر للموظف في حالات معينة كالاجازة المرضية وصرف الادوية مجاناً للمريض والتي يستغلها الكثير من الموظفين للتسرب من العمل بأجازات مرضية مزيفة وصرف ادوية مجانية بحجة انهم مرضى وهم اصحاء وهكذا يتكلف الوطن مليارات الدنانير سنوياً على امور تافهة يستطيع الموظف ان يصدق مع نفسه ويصرفها من جيبه بدل تكلفة الدولة ما لا تطيق ونأتي في نهاية العام ونقول ماذا قدمت لنا الدولة! واين تذهب الميزانية! ولماذا تتأخر المعاملات! ومن يسرق الوطن!!
من الامور الاخرى التي وقعت عيني عليها هي ان يستغل الموظف قربه من المسؤول ويبدأ بأستغلال كل ما يمكن استغلاله لزيادة الغلة الشهرية من مال وامتيازات فيبدأ بأخذ الايفاد ويستغله للمتعة او الاغراض الخاصة ويبدأ بأخذ المسميات الوظيفية والعناوين البراقة لزيادة الراتب بدون وجه حق وتبدأ النساء بأستغلال الحمل والولادة والامومة للتملص من المسؤولية والوظيفة على المدى الطويل وتستمر السرقة المبطنة للوطن بمعرفة المسؤول لكل ذلك والسكوت عنه والادهى والامر ان كل
هذه الامور اصبحت من المتسالم عليه في الكثير من دوائر الوطن الذي يقف في مقدمة تسلسل الدول الاكثر فساداً في العالم وتأتيك المؤسسات المتعددة من نزاهة ومفتشية ورقابة وتدقيق وتمسك بمن يسرق من المطبخ علبتي قشطة وتترك من يسرق المليارات سنوياً وتكون النتيجة ان يبدأ الشعب باليأس والقنوط وفقدان الثقة بالوطن ونسيان المواطنة والوصول الى حالة اللامبالاة والتي تنتج كل من حكومة مريضة وشعب فقير ويستمر تبادل التهم بين المواطن والمسؤول فيقول المسؤول ان المواطن هو السبب في الخلل ويقول المواطن ان المسؤول هو السبب في الخلل ولسان حالهم يقول:
مسألة الدور جرت بيني وبين من احب
لولا مشيبي ما جفا لولا جفاه لم اشب!
ولا يكلف اي منا نفسه بالتفكير ساعة في كيفية اصلاح نفسه ومحيطه الضيق (عائلته وجيرانه واقربائه) والتنبيه بضرورة التوقف عن بعض الممارسات الخاطئة التي تكلفنا كشعب المليارات سنوياً ولا يفوتني ان اذكر ان التبذير في الماء والكهرباء والموارد الاخرى كلها تدخل في نفس السياق وهو امر تحاسب عليه كل الدول وجاءنا من الاخبار ما يقول ان اثنين من العراقيين في المانيا عزم احدهما الاخر على وجبة غداء في مطعم فقام صاحبنا (بطبعه العربي الكريم!) بطلب اربع او خمس انواع من الطعام بما امتلأت به المائدة واخذ يأكل بنهم وشره معرف لدينا ولكن الاخوة الالمانيين استغربوا هذا الامر فما كان من احدهم الا ان بلغ (الشرطة الاقتصادية) عن وجود حالة اهدار للثروة العامة وفعلاً جاءت الشرطة الاقتصادية وغرمت صاحبنا مبلغاً من المال لتجاوزه على الحق العام تحت شعار (المال مالك ولكن الموارد للجميع) فلم لا نقوم بالمثل ونحن لدينا ما يدعونا لذلك في قوله تعالى (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ).