18 ديسمبر، 2024 8:42 م

الموقف الواضح وضوح الشمس في رابعة النهار، الذي تجلى اليوم في خطاب المرجعية هو الموقف الوطني الدائم لدعاة الإصلاح والتغيير، وهو موقف وطني خالص لا يمت لأحد بصلة سوى الى العقل والوطن.

الموقف الوطني يجب أن يكون ضد الفساد بكل أشكاله وأنواعه، وضد جميع الفاسدين من كل المكونات. ويجب أن يطالب بسلطة حقيقية تمثل الشعب كله بلا بواعث مناطقية ولا دوافع مذهبية أو قومية. إنما وللأسف الشديد، هذا هو ما كان عليه حال جميع الأنظمة السابقة منذ تأسيس الدولة العراقية، وكذلك في عهد النظام الحالي السائر على المنهج نفسه. كل هذه الأنظمة ولسوء الحظ، لم تكن سوى مجموعة عصابات تعمل بنفس ضيق لصالحها الخاص ولصالح أتباعها وخدمها، ولا تعبأ بالآخر المختلف عنها، بل تسعى لإذلاله وسحقه .
الموقف الوطني يجب أن لا يقبل بأن يكون العراق ساحة صراع لتصفية حسابات مع إيران من قبل أمريكا وإسرائيل، أو من السعودية أو أنظمة أخرى عميلة لأمريكا أو متحالفة معها، ويجب أن لا يقبل أن تفعل ايران كذلك، وتحاول أن تصفي حساباتها مع هذه الدول في العراق.

إنما ما يجدر الانتباه له وملاحظته هو، أن أنظمة عربية دكتاتورية صارت لا تخجل ولا تستحي من التعامل والترويج علنا للصهاينة، وتتغافل عن أمر واضح لكل ذي بصيرة، أن كل مصائب العرب جاءت من هذا الكيان الغاصب، وحصلت قبل أن يأتي ما يسمى بحكم الملالي إلى سدة الحكم في طهران بوقت طويل. إن جرائم العصابات الصهيونية في جنين ودير ياسين وتل الزعتر، أو عند اجتياح بيروت في ١٩٨٢، حصلت جميعا قبل أن يكون لإيران الجديدة ما بعد الشاه ناب ولا مخلب، ينشب في جسدنا المثخن بجراح الاستعمار والصهيونية فقط منذ قيام الدول العربية واستقلالها منذ بداية القرن العشرين. وهل لاحد أن ينسى حزيران 1967 أو العدوان الثلاثي في 1956 ومن كان وراءهما؟ إن من يدفع باتجاه الحرب ضد تدخلات إيران فقط في الشأن العراقي المحلي – وهو تدخل موجود بالفعل -، أو ضد فساد الأحزاب الشيعية وحدها – وهو فساد حقيقي وكبير -، فهو بين أحوال ثلاث

1- أما أنه مغفل لا يدري ماذا يفعل، مع الإقرار بسلامة نواياه التي لا تكفي، ولا يدري هذا النوع من الناس ما يفعل به، حينما يجعل جسرا لتحقيق مآرب خاصة لجماعات معروفة، إن واجب أصحاب الموقف الوطني هو تنبيه المغفل ليصحو من غفلته، لا أن يأخذ بقوله، ولا يضر ولا يمنع أن يكون عدد هؤلاء المغفلين كبيرا حتى لو بلغ مئات الآلاف. وقد يرد أحد ما على هذا الكلام بالقول بأن صوت الناس في النظام الديمقراطي له السيادة ويجب العمل به، لكن الواقع هو غير هذا في كل بقعة من الأرض وفي أعرق الديمقراطيات، بدليل واضح وجلي أن في كل هذه الأمم المتحضرة والمتمدنة يظهر قائد فرد وهو في أغلب الأحيان إما أن يكون شخصا واحدا أو مجموعة رأي، وصوتهم أو صوته يصبح هو الرائد والدليل وهومن يتم السير خلفه، لأنه صوت رشد وعقل وحكمة، وتنبذ كل الأصوات إن لم تنتظم في كتلة لها قيادة واضحة. وهكذا كان عبر التاريخ صوت الأنبياء والمصلحين رغم انهم فرادى، لكنهم أخذوا الناس والبشرية الى الخلاص، لإخلاصهم لهم وليس حباً بالتسلط كما يفعل الطغاة والدكتاتوريين. وصوت المخلصين على قلتهم في كل زمان وأي مكان كان سببا للخلاص مقابل صوت الأغلبية. أما صوت الآخرين ممن يحركهم العقل الجمعي بلا رائد ولا دليل قائد وعلى الرغم من وفرة عددهم، فهم ليسوا زبد بحر يذهب جفاء.

2- نوع يتوجه بالنقد وبالعداوة تجاه إيران والأحزاب الشيعية فقط، فهو نوع وبكل صراحة يمثله طائفيون وجدوها فرصة سانحة لإفراغ سمومهم الطائفية بحجة الدفاع عن مصالح الناس، والدليل على ذلك أن هذا النوع لم ولا ولن يجرؤ ولا حتى لمرة واحدة من ذكر واستهجان الأفعال الشائنة للفكر التكفيري الذي انطلق من السعودية وجعل من العراق ساحة لتطبيقاته المرعبة. هذا النوع لا يتذكر بل انه يتغافل عن آلاف الانتحاريين وعن كل الفتاوى التي خرجت من اعلى المنابر وعلى لسان أكبر المشايخ، ولو سأل عنها لدار والتف ألف مرة قبل الجواب الذي سوف يكون مبررا ومتهربا ويستعمل كل فنون التقية أضعاف مضاعفة ما يرتكبها خصمه الطائفي، وهو الذي يعيره بها ليل نهار.

3- النوع الثالث هو الذي يعمل خادما لأمريكا وإسرائيل وحلفاؤهما من الأنظمة العميلة الخائنة، التي صارت مطية رخيصة للصهاينة يسوقونهم حيث شاءوا. وصارت هذه الممالك بدلا من الترويج لعقيدة التشدد الديني كما كانت تفعل لعقود، تحولت اليوم لعقيدة جديدة تروج بها لكل الأفعال المضادة لمزاعم التدين التي صكت أسماعنا بها لعقود متواصلة. انقلاب سمج صار موضع تندر واستهزاء بل استسخاف، وقيل فيه إن كل شيء بات حلالا عندها من رقص وغناء وخمر وحتى مصارعة النساء، ولم يتبق سوى أن يعلنوا قريبا عن الشرك الحلال. وصارت هذه الأنظمة وعبر مرتزقتها الإعلاميين تعلن علنا جهارا، أن إسرائيل حليف وصديق، وان كل معاد لها يوضع في خانة الإرهاب، ولا يضر هذا الإرهابي أن كان شيعيا كحزب الله أو اخوانيا سلفيا كحماس أو سنيا كالجهاد الإسلامي، فكلهم ارتكبوا اكبر جرما بات يعد من اكبر الموبقات وهو الإشراك بالرب الصهيوني وتحديه، ولذا وجب تكفيرهم والدعوة الى ذبحهم قربان له. هذا النوع من عملاء الصهاينة يحاربون إيران ليس حبا بالعراقيين ولا بغيرهم، ولا هم يريدون أن يخلصوا أحدا من التدخلات الإيرانية، بل إنهم يريدون أن يقاتلوا إيران بدمائنا، كما فعلوا بنا ذلك من قبل، ثم بعد يلتفتوا لنا وينهبوا ثرواتنا ويحطموا بلدنا. التاريخ القريب شاهد على فعلهم الخسيس، حين قاتل العراق بشبابه وجيشه إيران لثمان سنوات متتالية دفاعا عن البوابة الشرقية للامة العربية، وما أن خرج من الحرب وظن أنه قد بلغ النصر، وإذا بهم يهجمون عليه ويفعلون بالعراق وفي شهر واحد ما عجزت عن فعله إيران لسنوات، ولا كانت تقدر على فعله حتى لو استمرت في حربها معه عشرين سنة أخرى وليست ثمانية فقط.

الموقف الوطني يكون كما ضد التدخل الإيراني فهو ضد التدخل الأمريكي والسعودي والقطري والتركي والإسرائيلي على حد سواء. وعليهم جميعا أن يكفوا عن التحريض والتحريض المضاد عبر أفرادهم ومنظماتهم أو وسائلهم الإعلامية، فلم نر أحداً تدخل في شأن غيره وجلب له خيرا ولو فعل فأنه فعل ذلك طلبا لمنفعته لا لمنفعة غيره.
الأحزاب الدينية بفكرها الطائفي الضيق بغض النظر إن كانت شيعية أو سنية لا محل لها في العراق. الأحزاب الدينية في العراق الآن هي أحزاب طائفية وأفعالها يندى لها جبين الإنسانية فهذه فاسدة والأخرى ارتكبت ابشع الجرائم بحق مسيحيي الوطن وايزيديهم، وهل يقدر أحد أن لا ينعت ما ارتكبوه بالعار الذي ما بعده من عار.

الحالمون بعودة الفاشية من أتباع الجزار المقبور الذي لم يسلم من بطشه احد، حتى لو كان من عائلته الخاصة، هؤلاء هم اعدى أعداء الوطن، لأنهم حجر الأساس لكل مصيبة حلت به من جراء رعونة ودموية أفعالهم وأفعال فكر حزبهم وقائده المقبور.

الموقف الوطني يجب أن يكون ضد الفساد أينما كان ومهما كانت هوية صاحبه، وضد كل الأتباع والذيول لا فرق بين يمجد على حساب وطنه بفقيه إيراني أو سلطان عثماني أو ملك سعودي أو حتى أن يكون تابعا ذليلا لمخبول متهتك صار رئيسا لأمريكيا، لا يكف عن إهانة حلفائه على رؤوس الأشهاد.
الشعب خرج يريد وطنا، وطنا خاليا من كل هؤلاء، لأنهم جميعا توافقوا على حربه وسلب خيراته، وكانوا وما يزالون سببا حاضرا للخراب وعلة دائمة لضياع الوطن.