يعلم الجميع بيقين ثابت ان الأنتخابات في العراق ومن ضمنها القادمة لن تكون نموذج يقتدى به ضمن دول التحوّل العربي والأقليمي التي تشاركنا مآسي وويلات المتغيرات المتسارعة والخطط الأممية التي ضربت دول الأقليم بزلازل مدمرة وبدرجات متفاوتة قد تصل في بعض الحالات الى تسع درجات على مقياس ريختر .. ويأتي اليقين من ان الأنتخابات ستبنى وفق اهواء من يريدها بهذا الشكل المشوّه لأسباب بسيطة واضحة قد يكون الأكثر وضوحا فيها هو عدم وجود استقرار أمني وسياسي يهيء الأجواء الصحيحة لتلك الممارسة ، وغياب التعداد السكاني وعدم وجود قانون ينظم عمل الأحزاب ومصادر تمويلها ، ثم المهم هو عدم اقرار قانون انتخابي ثابت لكي تجري باجواء شفافة يعرف فيها الناخب رأسه من رجليه .
لكن ذلك لن يمنعنا نحن خلق الله من التمني وفق اضعف الأيمان ببعض من الأيجابيات ، وصعود شخوص كرام ، أو على شاكلتهم ، كنا قد رسمنا لهم صورة وفق القراءة البسيطة لنماذج تميزت عن الآخرين بمواقف كانت قريبة من نواميسنا وضمائرنا .. فعلى سبيل المثال لا الحصر ، من منا كان قد نسي موقف السيد جعفر الصدر بانسحابه المشرف من اغراءات المنصب والسلطة بعد أن تدرّع بنقاء أصله ووطنيته الأصيلة التي تربى عليها ، ومن منا نسي موقف النائب المستقل الشيخ صباح الساعدي الذي وقف (سجّينة خاصرة) لكل فاسد سارق لأموال الشعب وقوت أجياله ، وهو من أول الكاشفين لملفات الفساد وجرائم سرقات العصر في العراق رغم مخاطر التصفية وحلاوات الترغيب التي مرّت عليه .. ومن منا كان قد نسي الموقف المشرف للنائب سالم دلي الذي ما زالت كلماته ترن في مسامعنا عند انسحابه من الترشيح لمنصب وزير الدفاع بعد كثير من المساومات والمزايدات ، حين اكد انه لا يشرفه ان يشترك في حكومة تستعمل مواردها ضد ابناء شعبها .. من المؤكد أن ذلك هو نوع السياسيين الذين يريدهم الناخب العراقي الأصيل والذين يتميزون عن سواهم بـ (الغيرة) على وطنهم و (الحياء) من ناخبيهم .
وربما قراءة منصفة وبدون دعاية انتخابية لتوجهات الدكتور علاوي خلال الأنتخابات السابقة ، كانت تشير الى أنه قد كان أول السباقين بموقف يسجل له بعد ان اتخذ قرارا في الركون الى المعارضة السياسية البرلمانية وعدم المشاركة في الحكومة ، خصوصا بعد فتوى مؤسسة القضاء العراقي المشلولة وبدعة الكتلة الأكبر ، وبتواطيء ايراني امريكي ( محسوب ) ومسخ الفوز الكبير له ولكتلته في تلك الأنتخابات .. لكن خيار الأصوات الأكثر لنواب العراقية كان ضرورة الأشتراك في الحكومة وبأي شكل ، قد حد من طموحاته وفق مبدأ الأكثرية داخل تلك الكتلة .. لكنه حتما لن يلدغ من جحر مرتين .. لذلك نشعر أن ( الوطنية ) وهو الأسم الجديد للقائمة العراقية ، قد تجاوزت كل تنازلاتها السابقة ، وخصوصا من جهة التحالف مع من انبطحوا تحت نفوذ الحكومة رغبة أو رهبة ، وتناسوا انهم الكتلة الفائزة الأكبر ، أو من اصطبغت يده بدماء العراقيين أو استفاد من الفساد وتلوث به .. أو اولائك الذين يعملون بالسر والعلن وينسقون مع قوى اقليمية من أجل الأساءة الى العراق تاريخا وحاضرا ومستقبلا .. أو من يشرعنوا لمهزلة لطائفية السياسية وكأنها أصبحت واقع حال يجب القبول به شاء من شاء أو أبى من أبى .. مع ملاحظة أن كل خطابات علاوي كان قاسمها المشترك تلك الطائفية السياسية البغيضة التي كانت وما زالت غطاء سياسيا مشبوها لكل ملفات الفساد المالي والأداري والسياسي وانعدام الأمن وتردي الخدمات وتدهور التعليم .. ووفقا لتلك المهزلة فأن من يريد استجواب وزير (سني) مفسد سيكون عدوا للسنة لا محالة ، ومن يريد أن يحاسب مسؤولا شيعيا فاسدا فأنه سيكون عدوا للمذهب وشيطان رجيم .. وهكذا أصاب الدولة العراقية وباء ذلك الفايروس الأنكلوأمريكي وجعلها من أسوء بلاد الأرض .
ذلك المشروع الوطني الذي تمسك به علاوي هو الهدف الأقرب لنا من أجل السعي لتحقيقه وتجاوز كل أخطاء الماضي ، وشخوصه هم من سيكونون على شاكلة تلك الأمثلة القليلة التي ذكرناها .. وحينها لن يكون مهما لنا الوان تلك الشخوص أو أسماء كتلهم او تسلسلاتهم الأنتخابية أو مرجعياتهم السياسية أو مذاهبهم الدينية وانتمائاتهم العرقية .. يكفينا أنهم لن يبيعوا العراق بمنصب زائل أو مقابل مناقصة بناء وتجهيز يحصلوا عليها خلال جلسة حمراء في ناد ليلي من نواد دول جوار العراق .