ما أشبه اليوم بالبارحة. تفاجىء العراقيون، بالسناتور بوب دول ووفد كبير من أعضاء مجلس الشيوخ والكونغرس الأمريكيين، يزور العراق، بعد إنتهاء الحرب العراقية الإيرانية. الوفد يحمل بجعبته مشروع كبير وطموح لإعادة إعمار العراق. ويحمل رؤى وتصورات للمنطقة بعد حرب الثمانية سنوات بين الجارين العنودبن. حرب دمرت كل شيء، وأقسى ما في ذلك هي تدمير النفسية العراقية. أي الإنتقال غير المتوقع من الروحية المدنية للمجتمع العراقي المسالم، الى الروحية العسكراتية المتوثبة، المتوترة. فقد كان من يتولى أمر العراق في حينه، مزهواً برؤيا مخادعة، غير حقيقية، لأن الحرب في فلسفتها، الرابح فيها خاسر، كما يقال. وكانت فرصة زيارة هذا الوفد بارقة أمل لوضع أستراتيجية رصينة لأمن العراق والمنطقة، ولإزدهار العراق، من خلال دعم أمريكي، وإستثمارات غربية، وعالمية، كبيرتين. وكان لو قدر لزيارة الوفد أن تحقق ما جاء لأجلها، أن تضع معادلات لقوى الإقليم، تمنع تجاوزات بعضه البعض، وتؤسس لإستقرار قد يطول لفترة ليست بالقصيرة. فمالذي جرى؟ تقدمت العنجهية والغطرسة على العقل، وضاعت الحكمة والنظرة السياسية الثاقبة لمجريات الأمور. ومن جراء ذلك، إنحدر العراق بشكل مريع، نتيجة تداعيات، مقصودة، ما بعد زيارة الوفد، وإنجرفت الأحداث بالعراق، وبشكل دراماتيكي، وبترتيب محكم، الى ما آل إليه وضع العراق والمنطقة، الى ما نشاهده، الآن. لقد ضاعت الفرصة؟ ولم تقتنص !!
بعد ما يقارب ثلاثة عقود، يتفاجأ العراقيون، بزيارة عادل الجبير، وزير خارجية المملكة العربية السعودية. طرح الجبير على العراق مواضيع إستراتيجية كبيرة، بشكل حاسم، هي؛ مكافحة الإرهاب، قضايا تخص المنطقة، والعلاقة بين البلدين العراق والسعودية، وإعادة بناء العراق. أقرأ هذه الزيارة بشكل مغاير لتصريحات جوقات السياسيين الذين يطلقونها أما بغير معرفة وعلم بمجريات ما يحدث في العالم والمنطقة، وأما بجهل مطبق لأبجديات علم السياسة، وتفرعاتها، وتخرصاتها. وهم في الحالتين مصابون بعمى تمييز الأشياء، وليس بعمى تمييز الألوان. إن زيارة الجبير، رغم أهمية ما طرحه على وسائل الإعلام، وهي ما يطلق عليه البنود العلنية، لمباحثات عالية المستوى، تختلف قطعاً عن البنود السرية، ما يطلق عليه محادثات ما تحت الطاولة. وعليه، فإن على العراق أن يلتقط الفرصة، فقد جاءت الزيارة على ما يشبه إنتهاء الحرب على داعش في العراق، بعد نهاية معركة الموصل، التي باتت وشيكة، وفيها إشارة بالغة الوضوح. وزيارة الجبير، قد تكون، شبيهة بزيارة دول. وإن أية مراهنة تبتعد عن معطيات هذه الزيارة، هي مراهنة على حصان خاسر. العالم بعد دونالد ترامب ليس العالم كقبله. والقبضة الحديدية لثلاثي الدفاع والأمن القومي والخارجية، في الإدارة الجديدة، ليست كمثيلاتها في ظل إدارة الرئيسين السابقين بوش وأوباما. وعلى العراق هذه المرة أن يلتقط الفرصة، في وقتها المناسب تماماً. وليس أن يلتقطها بعد فوات الأوان.