23 ديسمبر، 2024 10:28 ص

هكذا نجح الأكراد … وهكذا استُهدف الإقليم …؟

هكذا نجح الأكراد … وهكذا استُهدف الإقليم …؟

ما أن تفتحت عيناي على الدُنيا وبدأت اُدركُ ما حولي في سنٍ مُبكرٍ من سبعينات القرن العشرين وأنا أرى قوافلُ الشهداء بشكلٍ يكادُ يكون شبه يومي بحكم الموقع الجغرافي لدارنا الواقع قُبالة َ الشارع الدولي الذي يربط كركوك بالموصل ليُثير هذا المنظر الكثير من التساؤلات التي كُنت أطرحها هنا وهناك :
مامعنى كلمة الشهيد ومن هم الشهداء ؟
لماذا قُتلوا وفي أي معركة ؟
من القاتل ولماذا الإقتتال ؟
كانت الإجابات تأتي تبعاً لإهواء المُجيب على السؤال ، لكن القاسم المُشترك في كُل الإجابات أنهم قُتلوا في حرب الشمال التي كانت تدور رُحاها بين القطعات العسكرية من طرف وفي الطرف الآخر تعددت المُسميات ( البيشمركة ، العُصاة ، المتمردون ، الإنفصاليون ، الأكراد …)  لكن الحقيقة الساطعة إنه إقتتالٌ بين أبناء الشعب العراقي رغم إختلاف المُسميات ليستمر نزيفُ الدماء وإزهاق الأرواح ليتجاوز تعداد القتلى خمسة ٌ وستون ألف ، نعم (65000) شهيد وما كان لهذا الرقم أو فاتورة الأرواح أن تتوقف لو لا وساطة الرئيس الجزائري الأسبق الهواري بو مدين بين العراق وإيران لإيقاف الدعم والكف عن تزويد السلاح والعتاد الى شمال العراق وتجفيف منابعه مُقابل أن يتخلى العراق عن أجزاء من شط العرب بما يُعرف ( بخط التالويك ) لصالح الجانب الإيراني وتحديداً في العام 1975 م ليُعم الهدوء المشوب بالحذر فثمة قتل هنا وهناك وثمة استهداف هنا وهناك والخلل في المعادلة أن العراق تعامل مع الأمر بإعتبار القضية الكردية مُشكلة أمنية وليست مشكلة ٌ سياسية مما جعل النار تخبو في الهشيم وتحت الرماد فما من نسمة هواء تمر أو ريح هوجاء تعصف حتى تعود لتستعر مرةً تلو أخرى ، ليتم اللجوء بعدها الى استهداف الأكراد ببني جلدتهم وأبناء جنسهم بتشكيل وحدات تدعى الأفواج الخفيفة ( الفرسان ) الذين أطلق عليهم الأكراد في حينها مصطلح ( الجحوش ) وهذه التجربة يعاد تكرارها في العراق مع اختلاف المُسميات في محاولة لمعالجة النتائج دون أن تتم دراسة الأسباب ومعالجتها والإتعاضُ بالتأريخ سيما القريب منه …؟؟؟
ليستمر الحال كما هو عليه آنذاك حتى إحتلال العراق عام 2003 م على يد أميركا ومن تحالف معها ، كم كنا نأمل أن يتم التعامل مع القضية الكردية على أنها مسألة سياسية وليست أمنية ، وكم كنا نأمل على أن يتم التودد الى الشعب لا الى اللجوء الى أطرافٍ أجنبية لن تعطيك أكثر مما تأخذ بالآف الأضعاف …؟؟؟
مايعنينا فقد آل حالُ الأكراد الى ما وصل اليه من إقليمٍ كل العيون ترنو اليه والقلوب تهفو صوبه علماً أن الأمر لم يكن وليد الصدفة حيث كانت أولى بوادر عمق الإدراك والوعي السياسي لقادة الكورد انتهاجهم لمبدأ ( عفا الله عما سلف ) خاصة بما يتعلق بمنتسبي الأفواج الخفيفة خصوم الأمس القريب ليعود اقليم كردستان الى إحتضانهم مُغلباً بذلك الطابع القومي ليجعله يسمو فوق كل الإعتبارات والنزعات ، ليشهد الإقليم استقطاباً للعقول العراقية والشهادات والدرجات العلمية من كل القوميات والأديان والمذاهب والأجناس بعد توفير كُل مستلزمات الحياة الرغيدة ، لعل أهمها الجانب الأمني والجانبُ المادي مما جعل الوافد العربي ينصهر في بوتقة المجتمع الكردي مقدماً كُل تراكم خبراته وعصارة أفكاره ومقومات إبداعه كردٍ جميل لإقليم كردستان ولو تدبرنا قول الله سبحانه وتعالى (…فليعبدوا ربَ هذا البيت الذي أطعمهم من جوعٍ وآمنهم من خوف) فالمولى الجليل يأمر بعبادته جل في علاه لتوفيره الأمن والأمان والإطعام وهذا ما نفقتده في العراق نسأل الله أن يُغير حالنا والمسلمين إلى أحسنِ حال .
وهكذا شهد إقليم كردستان استقطاب موجة عارمة في الهجرة اليه لما يشهده في كل الميادين العلمية ، النهضوية والفنية … والى كُل ما يُمِتُ الى الإبداع بصلة بحيث أصبح الإقليم الملاذ ُ الآمن لكُل من ضاقت عليه الأرض بما رحُبت .
نقولها للتأريخ أن السبب الرئيس الذي نجح فيه إخوتنا الأكراد هو إتفاقهم على القاسم المُشترك الذي يوحدهم والعمل عليه وتنميته وتغذيته والنأي بالنفس والإبتعادُ عن كُلِ ما يفرق وحدة الشعب الكردي ويثلمها ، ولا يخفى عليكم أن العامل القومي (الكردي) هو القاسم المُشترك لكل الأكراد وهو الشاهول الذي تنتظم به كُل خرزات المسبحة أو السبحة .
ليشهد إقليم كردستان حالة تضاهي الدول المتقدمة ويطمح للمزيد وهذا الطموح ليس إعتباطاً أو ضربٌ من الخيال بل عمدت القيادة الكردية وحكومة إقليم كردستان الى تعزيز الشعور بالإنتماء للإقليم من خلال توفير كل ما يصبو اليه المواطن الكردي من خدمات بكل ماتعنيه هذه المُفردة حتى وصل الأمر الى إنشاء مُدن ألعاب للقرى النائية المؤلفة من أربعة بيوت وتوزيع الألعاب الى أطفال تلك البيوت وبالمجان ناهيك عن المتنزهات والباركات الممتدة لكيلومترات قد تربو على عشرة كم متضمنة كلُ ما من شأنه أن يغمر المواطن الكبير قبل الصغير بالفرحة والبهجة والسرور علماً أنها كلها مجاناً للشعب الكردي الذي يستحق الحياة كما هم كل أهل العراق  .
يقيناً أن النجاح الذي حققه إقليم كردستان له خصومه وحُساده وله أعداؤه والمترصدين له والمتصيدين في الماء العكر من الذين لن يألو جهداً ولن يدخروا وسعاً بغية إفشاله وجره عنوة الى ما يشهده الشارع العراقي من إنعطافات كارثية ، لعل هناك الكثير من الأوراق التي سيلعب بها أعداء النجاح وعلى عدة محاور منها محاولة خلق شرخ في تلاحم الشعب الكردي على قضيته الكردية بتغذيتهم للنزعة المذهبية وبث الطائفية التي نجحوا في زرعها وقطفوا ثمارها ولا زالوا يسعون للمزيد من بحور الدماء ، ويتأتى هذا بالترويج وابراز مظلومية الكورد الفيلية للعزف على أوتار الطائفية المقيتة ودق أسفين الفرقة بين الأكراد  …؟؟؟
محاولة شراء ضعفاء النفوس من الأكراد وشراء بعض الذمم لزعزعة استتباب الأمن في الإقليم من خلال الدعم المادي والمعنوي اللامحدود من داخل وخارج العراق كما هو الأمر عندنا في العراق الذي تُرفع فيه شعارات (الولاء للعراق) وواقع الحال يُترجم غير ذلك فـ(الولاء لمن يدفع) حيث أثبتت الأيام أن الكثير من التفجيرات والإغتيالات يقف خلفها متنفذون في الجهات الأمنية والشواهد أكثر من أن تُحصى …؟؟؟
محاولة تأجيج الرأي العام الكردي إثر موجة التفجيرات التي عصفت بأربيل للضغط على حكومتهم بُغية طرد العرب الوافدين حيث الملاذ الآمن
بإعتبار أن العرب من أهل العراق وسوريا عوامل عدم الإستقرار في اقليم كردستان ويقيناً ما أن يعود العرب الى ديارهم حتى تتم تصفيتهم الجسدية فالموت بإنتظارهم إن عادوا الى المُدن التي هُجروا منها فراراً بدينهم ودنياهم …؟؟؟
إن كان ما حصل من تفجيرات شهدتها أربيل هذا اليوم المصادف 29 أيلول يأتي ردة فعلٍ لنتائج الإنتخابات التي شهدها الإقليم لإختيار ممثلي الشعب في برلمان كردستان ، نقول قد انتقل الصراع السياسي الى مشهدٍ يُدمي القلب وسيأتي على الأخضر قبل اليابس وقد انتقلت العدوى من العراق الى الأقليم ، الله الله في أنفسكم قبل أن يضيع كُل ما وصلتم إليه ولا تأتوا على بُنيانكم من القواعد  فما هكذا تُورد الإبل …
نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يجعل إقليم كردستان دار أمن وأمان لكل أبناء العراق .
نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن تكون كُل قرى ومُدن العراق من أقصاه الى أقصاه ديار أمن وأمان لأهل العراق .
[email protected]