18 ديسمبر، 2024 9:43 م

هكذا نتبع السئ فيصبح مألوفا

هكذا نتبع السئ فيصبح مألوفا

الكثير منا يحمل المحتل ما أصاب مجتمعنا من تدني في الكثير من مناحي الحياة ، نعم أن الاحتلال فتح فضاءات كانت مغلقة بوجه العابثين ، ولكن لو من نكن نحن مستعدين للقبول بالخلل لما حدث خرق لهذه العادة أو ذلك التقليد ، أو لم يكن أحدنا يتجرأ لمخالفة القانون.
سادتي ما كان عيبا صار مقبولا ، فبعد أن كانت الرشوة عارا يؤشر فيه إلى المنحى اجتماعيا صارت اليوم سلوكا مألوفا يمارسه الراشي والمرتشي ، وان الراشي يطيل الحديث عنها والمرتشي وضع لها إجراءات رسمية في تمشية معاملات الغير ، وان الاختلاس بات هو الاخر عملا مألوفا له امتدادات سياسية واجتماعية ، وله أساليبه في الفعل ورد الفعل وباتت منظومته تخيف الدولة ويهابها القضاء ، ولم يعد الاختلاس لكثرته وانتشاره الواسع. ، وتنوع أساليبه عملا مخلا بالشرف ، وكثيرا ممن حكم عليهم القضاء لاختلاسه المال العام عاد لهم اعتبارهم وعادوا للعمل العام . أو أن الأغلبية يبرئها القضاء بحجة عدم ثبوت الأدلة ويعود ليكون سياسيا من جديد ، والكثير منهم عاد ليفسد في الأرض من جديد . وبمرور الايام تتراجع كوابحنا بسبب الحرية المطلقة ، أو لسؤ فهمنا لتلك الحرية التي تفهمها الشعوب على أنها الفسحة المتاحة للإنسان ليقول ما بداخلة ويعمل ما يريد عند حدود القانون ، والكلام طويل ومتشعب تشعب وتلون عشائرنا التي صارت تصطرع فيما بينها لأتفه الأسباب وصار شيخ العشيرة قائدا عاما لقوات عشيرته المسلحة بسلاح الجيش السابق ونجله رئيسا لأركان جيوشها في حروب عبثية يتم فيها تبادل إطلاق النار بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة ، أو صارت بعض تلك العشائر تتاجر بالنفط المنهوب الذي تمر انابيبه المحملة بالخام في أراضيها ، أو أنها تحمي من هو من أبنائها ويتاجر بالمخدرات ، وبعض العوائل الأصيلة فينا لم تعد تردع ابنها المختلس أو تلقنه أن المال الحرام نار في البطون ، وان اللقمة الحلال وان كانت بسيطة هي الأكثر لذة ومضاءا في الدماء الزكية. واليوم لا يقف رجل الدين ليذكر النشء بأن الرجل هو المسؤول عن المرأة وفقا للشريعة وصار الرجال عبئا ثقيلا على النساء وصارت عوامل التفرقة أكثر مما هي عوامل الالفة وصار النت والنركيلة والمخدرات هي عشق ذلك النشء الذي لم تنتشله الدولة من البطالة والفقر ، بل صارت الدولة دون أن تعلم عاملا في انحدار القييم ووسيلة في سؤ السلوك ، إذ أضحت المدارس طاردة للشباب والفقر طريقا للتسرب ، وصار للتسول جراء كل ذلك شركات يرعاها المسؤول أو على الأقل يخفي آثارها على الأجيال ،
أن السلوك المشين إذا سار طليقا دون كوابح وتقادم عليه الزمن صار عملا مقبولا لا يثير الإنتباه كالسير عكس الاتجاه إذ لم يعد مرورا خاطئا وبتنا نتقبله دون عناء ، وتعودنا بمرور الأيام على تقبل كذب الحكومات ونصدق كل ما تعلنه من أرقام ، وهكذا صار السئ أمرا متبعا وأصبح ما كان عيبا امرا مقبولا….