8 أبريل، 2024 8:11 م
Search
Close this search box.

هكذا مر النصف الأول من يوم ١٤ تموز الخالد

Facebook
Twitter
LinkedIn

وصلنا مقر عملنا الساعة السادسة صباحا من يوم تموزي بداياته ساخنة حيث ينص قانون العمل أن دوام العمال ثمانية ساعات ، وأثناء النزول من على ظهر الشاحنة التي كانت تقلنا سمعنا صوتا غريبا من إذاعة بغداد أثناء الفترة الدينية تلاها صوت بيان موجه إلى الشعب العراقي العظيم ، وبعد قليل جاء المستر بيل المهندس إلى موقع شركة بلفور بيتي البريطانية وأخذ يسأل عما يقول البيان ، وكان امين المستودعات والورش المستر اوديشو وهو رجل اشوري محبا للإنكليز ، فأخذ يشرح له مضمون البيان ، فأسرع إلى سيارته البيك. نوع ماركوري موديل ١٩٥٨ هاربا من العمل دون توجيه للمنتسبين ، فتم الصعود ثانية إلى الحافلة التي تقل العمال إلى أماكن سكناهم وهي تمر بشارع مطار بغداد (المثنى حاليا) علاوي الحلة الصالحية ساحة الملك فيصل الاول عند تقاطع جسر الجنرال مود (قائد الحملة البريطانية على العراق عام 1917) مع شارع الشواكة كرادة مريم مرورا بالإذاعة إلى الباب الشرقي كمب الكيلاني آنذاك ، فترجلت أنا عند الساحة ومنعت الحافلة من المرور أمام الإذاعة ، وعبرت بدورها جسر مود الاحرار حاليا . إلى الرصافة ، وشاهدت دبابة مدفعها موجها نحو الغرب باتجاه المحطة العالمية، وفوهة أخرى باتجاه جسر الاحرار ، وشاهدت عددا من الضباط والجنود يتحركون أمام باب الإذاعة وشاهدت أيضا المقدم مهدي علي الصالحي وهو يتحدث بصوت مسموع مع ضابط برتبة نقيب، وانا اعرف هذا الرجل لانه من جيراننا المقربين في منطقة الدوريين وصهره معلمي ويدعى معلم امجد ، وعندها رجعت صوب الساحة حيث بدأت الناس تتجمهر أمام تمثال الملك(،وفيهم من يقول تم قتل صباح ابن نوري السعيد) وهم يحاولون قلعه فقال أحد العسكريين اتركوه حتى يصلنا الامر، ، وجاءت بالصدفة سيارة الشركة التي أعمل فيها وهي نوع ماركوري من أمام مقر الشركة مقابل شركة نفط العراق I.P.C قرب بناية البرلمان الذي كان قيد الانشاء آنذاك في منطقة العباسية حيث كانت دار شقيق الزعيم عبد الكريم قاسم ، فاستقليت السيارة وكانت متجهة صوب الشواكة وفي الطريق شاهدنا الجماهير لاهية بتكسير تمثال الجنرال مود المثبت أمام دار السفارة البريطانية ، فنزل السائق جبار وأخرج حبلا ، واستلمه شاب لانعرفه كان يهتف الموت للعملاء ، وبعدها عرفت أنه من الصابئة المندائيين يسكن في أحد أزقة منطقة الكريمات ، وبعد جهد كبير جراء قوة التمثال تم سحبهة بواسطة السيارة ، وكان المارة والمشاركون يصفقون لذلك الخرق العجيب لقوة نظام دولة نوري السعيد ، وبعدها تيقنت أن ما يحدث هو انقلاب عسكري أخذت تغلفه دون تنسيق مسبق حركة شعبية تلقائية مادتها الأساسية شبيبة الحزب الشيوعي العراقي المعروف انتشارها في منطقة الكريمات والشواكة ومنطقة بستان حسون اغا (قبل إقامة المتحف العراقي ) التي تم فيها اعدام زعيم الحزب الخالد يوسف سلمان يوسف .(فهد) وبعدها توجهت وانا اقضم ( ما نسميه لفة الافطار) التي عادة ما نتناولها في الاستراحة ، ووصلت شارع النصر الرابط بين سوق الدجاج آنذاك وجسر الشهداء ، وشاهدت الكثير من التجمعات البشرية وكان البعض يتساءل عما يجري وكان الآخر يفسر وثالث يفرح ورابع مندهش ، وهكذا تمر الساعات ، وصوت المذياع عاليا وهو يصدر من محل صاحب تصليح للساعات باثا الاناشيد والمانشيتات العسكرية ،وبيانات الثورة المتوالية ، وقد لاحظت قيام أحد المواطنين يوزع الجكليت قرب مطعم الشمس المشهور انذاك واخر يسير بسطل يوزع منه الماء ، ولكن بخوف من عين العميل السري على ما كان يعتقد وهو يقول (هاك ليشوفونة) وعند عبورها جسر الشهداء كان الكثير من المحلات التجارية مغلقة ، وفي حوالي الساعة الحادية عشر والنصف ق، ظ ، جاءت موجة بشرية من العلاوي باتجاه جسر الشهداء وهي تحمل جثة رجل وسمعنا العديد من الشباب يصيح هذه جثة الخائن عبد الإله وعلمنا أنها انزلت من سيارة قتلى العائلة المالكة عند ساحة المتحف وتم سحلها إلى ساحة الشهداء وتم تعليقه عند وزارة الدفاع والتي كانت محاطة من كل الجوانب بمئات من الشباب وخاصة من الرجال ، وكانت ساحة الميدان بشكلها القديم مسرحا لحركة شعبية غامضة ، وجاء أحد زملائي في ثانوية الكرخ المسائية وأخبرني أن البلاط الملكي دخلته جماهير الكسرة والاعظمية ، وقد لاحظت اختفاء الشرطة من أمام سجن باب المعظم المركزي وخلو القشلة من المارة . وشرطة بغداد ذات نصف البنطلون السعيدي . وللتاريخ أنا لم اسمع برقية الراحل سلام عادل لتهنئة الثورة وقيادتها ، لكن انخمش قلبي كما يقولون بالعامية عندما سمعت أحد زملائي في المدرسة المسائية واسمه احمد من سوق الجديد كان على ما اعتقد من القوميين ، فكنت اقف إلى جانبه برهة فسمعته يقول لزميله ( هم دخلوا نفسهم الشيوعيون يهنئون بالثورة:).وكان يحمل صورة عبد الناصر ، وهكذا استهل القوميون والبعثبون عهد الثورة غير مرحبين بالحزب الشيوعي العراقي ، والحق اقول كانوا متخلفين جدا عن قدرته في تحريك الشارع باتجاه مقاصدهم الوطنية ،
وعدت مرة ثانية إلى ساحة الأمين فسمعت من كان يقول وصل قائد الثورة إلى وزارة الدفاع ، وفي طريق عودتي بعد اعلان منع التجول إلى الدار جاء من يقول لقد انهار تمثال الملك فيصل الاول ، هذا ما علق بذهني من مشاهد كان أهمها التلقف الالي لمواطن يخاف( من الشرطي السري) لبيان عسكري ليحوله إلى فعل ماض هدفه تهديم اركان النظام وليحوله إلى ثورة شعبية عارمة ، كانت لذكرى قيامها على مدى ثلاثة سنوات أثرها في وحدة شعب تجلت باعلى أشكالها روح المواطنة والولاء للثورة التي تحولت بدورها إلى قاعدة لبناء عراق جديد . أنها مناسبة لا منازع لها ، وهي من يحلو لها أن تكون يومنا الوطني…

 

 

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب