7 أبريل، 2024 6:59 ص
Search
Close this search box.

هكذا كان العراق

Facebook
Twitter
LinkedIn

انهمرت دموعي أكثر من مرة.. وأنا أعيد قراءة وتدقيق مشروع كتابي الجديد الموسوعي الضخم لدفعه للنشر وهو: (رجالات العراق الجمهوري.. من عبد الكريم قاسم.. الى صدام حسين) لنزاهة الكثير من رجالات العراق في العهد الملكي.. والعهود الجمهورية.. قامات عراقية مخلصة أفنت حياتها للعراق.. ولم يجنوا فلساً واحداً.. بعضهم لا يملك حتى داراً لسكنه وعائلته.. وبعضهم لديه داراً ورثه من أبيه.. أو بناه بكده قبل أن يصبح وزيراً.. أو قبل أن يتسلم منصباً أعلى.
ـ استوقفني أحد قادة الجيش الكبار في العهد الملكي فنزاهته لا توصف.. حتى عندما كان يزوره احد أقرباؤه في نهاية الدوام ويخرجون سويةً.. فلا يركب سيارته الحكومية.. بل يؤجر تكسي.. (عيب أن يستغل سيارة الحكومة) !!.
ـ وزير إذا طلب إجازة اعتيادية له من رئيس الوزراء فورق مكتبه حكومي.. وحرام أن يستعمله في طلب الإجازة.. فالإجازة قضية خاصة.. فكان يشتري ورق من المكتبات من ماله الخاص.
ـ قاضي.. وكان رئيس محاكم استئناف العراق.. ثم وزيراً للعدل.. وله خدمة أكثر من أربعين سنة.. مات ولا يملك غير الدار التي ورثها من أبيه في مدينة الأعظمية.. وراتبه التقاعدي فقط.. وأثاث بيته قديم ومتهالك.. منذ زمن العصملي.. كما يقولون.
ـ وزير مالية لثمانية مرات لم يجني لا بيتاً ولا سيارةً.. وعندما سؤل مرة.. ردً وهو يضحك (يمكن راتبي ما بي بركة).. والحقيقة هي أن زوجته كانت رئيسة جمعية للرفق بالفقراء.. وكانت توزع نصف راتبه كل شهر إلى الفقراء بمعرفته وموافقته.
ـ وزير بعد وفاته باعوا داره لعدم قدرته.. وعدم قدرة عائلته على تسديد أقساط القرض العقاري.
ـ وزير تربية كان يمنح نصف راتبه للطلبة الفقراء.. كي يظهروا أمام زملائهم الآخرين بمظهر يليق بهم.. مات وهو لا يملك داراً لعائلته.
ملاحظة: (هؤلاء الطلبة الفقراء ليسوا أقرباءه.. ولا من أبناء عشيرته.. بل كانوا عراقيين فقراء حقاً وحقيقة).
ـ وزير وأستاذ جامعي وعالم.. في العهد الجمهوري.. كان يشتري أثاث للسفارة من راتبه عندما كان سفيراً في إحدى سفاراتنا في الخارج.. مات ولا يملك غير مبادئه الجليلة وحبه للعراق وعائلته الراقية.. المؤلم لم تقيم جامعة بغداد التي كان بدرجة أستاذية فيها.. ولا الدولة مجلس عزاء له.
ـ رئيس وزراء لا يملك داراً.. وأخيراً بنا داراً (على قد الحال) كما يقول المثل.. بمبلغ القرض العقاري فقط حتى يستطيع تسديد أقساطه الشهرية.. لعدم إمكانياته المادية.. فعائلته كبيرة وراتبه لا يزيد منه فلساً واحداً.
ـ رئيس وزراء آخر لا يملك داراً للسكن.. لم يسجل اسمه لاستلام قطعة ارض حكومية للسكن.. لأنه خارج الضوابط.. المضحك انه هو الذي كان يوزع قطع الأراضي على المواطنين.
ـ عضو مجلس السيادة (يعني نائب رئيس جمهورية العراق) قدم استقالته معللاً ذلك بالقول (بأنه لا يعمل شيئاً في منصبه هذا).. لم تقبل استقالته ولم ترفض.. لكنه لازمً بيته.. بعد أشهر أرسلوا له رواتبه إلى بيته.. وكان بحاجة ماسة لتلك الرواتب.. فلم يكن له أي مورد آخر.. لكنه رفضً استلامها.. وأعادها إلى رئيس الوزراء قائلاً: (حرام أستلم راتب بدون عمل !).. الله أكبر.
ـ رئيس محكمة الشعب.. وهو من كبار الضباط.. كان يقيم هو وعائلته وعائلة أخيه سويةً في بيت أبيه.. وله خدمة أكثر من أربعين سنة.. مات ولم يستطع شراء أو بناء بيت لعائلته.. فراتبه بالكاد يكفي عائلته الكبيرة.
ـ رئيس أركان جيش العراق.. وهو قائد فرقة عسكرية بنفس الوقت.. وكان أعلى رتبةً عسكرية في الجيش العراقي (أمير لواء ركن).. باعوا بيته الوحيد.. الذي ورثه من أبيه.. لعدم قدرته تسديد أقساط القرض العقاري الذي كان قد حصل عليه لتجديد وتوسيع هذا البيت.. فراتبه لا يزيد منه شيئاً.. لأن عائلته كبيرة.
ـ رئيس وزراء في العهد الجمهوري.. كان يذهب بنفسه وبسيارته الخاصة بعد الدوام الرسمي الى مكتب الجباية بالدوام المسائي.. لدفع قائمة أجور كهرباء منزله.. بلا حمايات.. ولا قطع شوارع.. ولا مزيقة.. (أنا كاتب هذه المقالة شاهدته.. وهو في السرة لدفع قائمة اجور كهرباء بيته).
ـ وزير لأكثر من وزارة في آن واحد يسكن هو وعائلته مع أبيه لعدم قدرته شراء دار.. لان عائلته كبيرة.. والراتب لا يزيد منه شيئاً.
ـ وزير داخلية وخارجية إضافة إلى انه ضابط برتبة عالية.. وله خدمة أكثر من أربعين سنة.. لا يستطيع تغيير أثاث بيته المتهالك.. زرته (أنا كاتب هذه المقالة) العام 1987 لإجراء حوار معه.. استغربتُ.. بل خجلتُ فأثاث بيتي حديث وجديد.. مات هذا الرجل.. ولا يملك غير داره.. التي شيدها على قطعة ارض استلمها كبقية الضباط في مدينة اليرموك.
ـ الأنكى من ذلك رئيس جمهورية لا يملك داراً سوى ما ورثه من أبيه جزءً من دار.. وليس له رصيد في بنك.
ـ رئيس جمهورية آخر لا يملك سوى دار بناه على قطعة الأرض الحكومية في مدينة اليرموك.. التي وزعت للضباط.. وبسلفه العقاري.. نفيً من العراق.. ليعمل في الخارج كأي إنسان آخر قنوع بما يرزقه الله.
ـ رئيس جمهورية.. وهو عسكري ذو رتبة عالية.. كان أبناءه يذهبون الى المستشفى الحكومي للعلاج.. لأن عائلته كبيرة.. كما انه كان لا يملك غير بيته.. فلم يستلم أرضاً أو عقاراً.. فقد سجل انه يملك داراً.. فلا يستحق قطعة الأرض التي وزعت لكبار الضباط.. لم يؤشر عليه استغلال منصبه لأغراض شخصية.. وعندما أحيل على التقاعد أخذ يزرع في حديقة مسكنه الصغيرة الخضروات والطماطم والباميا وغيرها لاستخدامها في طعام البيت.. فالراتب التقاعدي لا يكفي.
ـ رئيس جمهورية آخر.. قاموا بانقلاب ضده.. لم يقاوم فقد خانوه من ائتمنهم.. اشترط للتنازل ومغادرة العراق.. أن تمنحه الدولة 3000 دينار سلفه شرط أن تستقطع بأقساط من راتبه.. لأن زوجته تعالج في الخارج.. ولا يملك مالاً.. فتم له ما أراد.
ـ رئيس وزراء.. وخدمته أكثر من 40 سنة.. يسكن داراً حكومية مؤجرة من قبله.. بعد وفاته لم يجدوا شيئاً يملكه.. كان في قمة النزاهة.
ـ نوري السعيد (رئيس 14 وزارة في العهد الملكي) كان يشترط إن يكون وزيراً للدفاع وكالة إضافة الى رئاسة الوزارة.. لأنها الوزارة الوحيدة التي لها تخصيصات نثرية.. حتى عندما تزوره بعض الشخصيات الأجنبية يستطيع أن يدعوها لحفل أو دعوة خاصة.. رداً على دعوات هذه الشخصيات للسعيد خلال زياراته بلدانهم.. وبالتالي يصرف من نثرية وزارة الدفاع دعواتهم.. فراتب رئيس الوزراء لا يكفي لمثل هذه الدعوات.
ـ وعشرات المسؤولين الكبار واصلوا الليل بالنهار في خدمة العراق.. ماتوا ولم يجنوا غير العمل الصالح لبلدهم.. أكنُ لجميعهم التقدير والاحترام.. وأقف إجلالاً لأسمائهم اليوم.
ـ هكذا كان العراق.. عراق العزة والفخر.. وهكذا كان زمننا الجميل.. وزمنُ آبائنا كان أجمل.
ـ إذن هؤلاء هم قامات العراق.. الذين يفخر بهم العراقيون الشرفاء.. ويسجل لهم التاريخ صفحات من نور.. ويلاقون ربهم بقلب سليم.. ووجوههم مبيضة.. وكتبهم بيمينهم.. والملائكة تنحني احتراماً لأعمالهم.. ويرددون لهم : (ادخلوها بسلام).
ـ إذن أين أنتم يا مسؤولي عراق اليوم من هذه القمم ؟؟.
ـ ماذا نسمي سياسيي عراق اليوم ؟؟.. والله لم أجد اسماً أو عنواناً يليق بسلوكهم المدان والمرفوض بكل قوانين الأرض والسماء.
ـ وا أسفاه على عراقنا اليوم.. وهو ينهب من قبل مسؤوليه.. كذلك ينهب من قبل من يسمون أنفسهم ممثلي الشعب.. وأيضاً ينهب من قبل قضائه وقضاته.. ويسرقوه ليس بالخفاء بل جهاراً وبلا حياء.. وبلا حساب.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب