لو كنا منصفين في كتاباتنا لاستعرضنا جانبا من صفة الامانة والحرص على المال العام لقادة ومسؤولين حكموا العراق وتاريخنا حافل باسماءهم صحيح ان هؤلاء الاشخاص كانوا يحملون فكر ايديولوجي ومنهج في ادارة الدولة لايتناسب والفكر والمنهج الحالي لكن افعالهم وممارساتهم في الحفاظ على المال العام كانت محل اشادة وتقدير فبقيت اسماء لامعة يتداولها عامة الناس بتقدير ممن عاشوا تلك الفترة او سمعوا اطراف حديث عنهم فمن منا لم يسمع بالنزاهة التي كان يتصف بها الزعيم عبد الكريم قاسم حيث مات هذا الزعيم الخالد الذي حكم العراق لمدة اربع سنوات ولم يمتلك غير سبعة عشر دينارا وبيتا صغيرا يقع في منطقة شعبية هو من ممتلكات الدولة واعقبه في حكم العراق عبد السلام عارف الذي قُتِل بحادث طائرة مدبر لكن كل المؤشرات تؤكد له نزاهته في الحفاظ على المال العام اما شقيقه عبد الرحمن عارف الذي تولى الحكم من بعده فحدث ولا حرج فقد ترك الحكم عام 1968 منفيا الى تركيا وعاش هناك حياة الفاقة والحرمان حتى عاد الى بغداد بعفو رئاسي من صدام ومات منسيا في الاردن وهو لم يملك الاطيان ولم يدخل موسوعة ” غينز ” للارقام القياسية في ما يمتلكه من اموال ..
اما الحديث عن رئيس الوزراء طاهر يحيى فهو حكاية ليست ككل الحكايات فهذا المسؤول العراقي الذي لقب ” ابو فرهود ” من قبل مناوئيه وبُثًت حوله اشاعات ما قدًر الله لها من سلطان حتى اتهم بامتلاكه مدينة الملاهي ” مدينة الالعاب ” ويقال ان طاهر يحيى كان يشتري الكثير من اسهم الشركات العراقية الاهلية ومن ضمنها شراءه 500 سهم في شركة العاب بغدا وسجل الاسهم باسماء ابنائه للتخلص من مصادرتها اذا ماتغيرت الاحوال ويقال ان ثروته بلغت 30 مليون دولار امريكي جمعها من عمولات الصفقات البترولية لكن هذه الاتهامات كانت باطلةحيث فاجأ هبئة التحقيق بعداعتقاله فقد طلب ورقة بيضاء كتب فيها اقرارا وتعهدا بالتنازل عن جميع العقارات والممتلكات المسجلة باسمه وباسم ابنائه وافراد اسرته الى الحكومة في حال اثبات سرقته للمال العام وما ان تحرت وتقصت هيئة التحقيق فتبين لها انه لايملك شيئا غير منزل في حي دراغ بالمنصور تسكنه عائلته وبضعة اسهم في مدينة الالعاب لاقيمة لها باسم اولاده زهير وجمال وغسان الذي اغتيل بعد الاحتلال الامريكي للعراق بحادث مازال غامضا ..
ومن الحكايات التي تدلل على نزاهة طاهر يحيى ماحدث عام 1964 حينما كان رئيسا للوزراء حيث اصدر امرا تحريريا بصرف مبلغ خمسون دينارا عن قيمة نثرية لمكتبه لتدارك نفقات شراء القهوة والشاي لضيوف مكتبه ولكن حين رفع الامر الى وزارة المالية لصرف المبلغ من الخزينة المركزية للدولة رُفِض الطلب من قِبَل موظف التدقيق الحسابي وهو موظف من الدرجة السابعة يحمل شهادة الدراسة المتوسطة وكتب على المذكرة ” ان مكتب رئيس الوزراء دائرة حكومية وليست مقهى ومن اراد ان يضيف الاخرين عليه ان يضيفهم من جيبه الخاص وليس من اموال الخزينة العامة التي هي مال الشعب .. وبعد يومين من تلقي رئيس الوزراء جواب وزارة المالية وتهميشة ذلك الموظف قدم رئيس الوزراء طاهر يحيى اعتذار للموظف وطلب من وزير المالية منحه قدما لمدة ستة اشهر تقديرا لنزاهته وحرصه على المال العام وتم تعميم الكتاب وصورة مطالعة الموظف على جميع دوائر الدولة في العراق .. هذه هي صفات واخلاق الساسة العراقيين قبل اكثر من خمسين عاما فارشدوني بالله عليكم عن صفات واخلاق قادتنا السياسيين المتربعين على كراسي القيادة ممن مرتباتهم ومخصصات مكاتبهم بمثابة الغاز ليس من السهل معرفة حجمها ولا وزنها في بلد يعيش فيه ملايين الفقراء