17 نوفمبر، 2024 10:28 م
Search
Close this search box.

هكذا كانت بغداد قبل اكثر من خمسين عاما .. فاين هي الان

هكذا كانت بغداد قبل اكثر من خمسين عاما .. فاين هي الان

لم تعد بغداد ايام زمان مثلما هي الان .. بغداد ايام  زمان كانت فيها العائلة العراقية تعيش حالة الاطمئنان والالفة والمحبة داخل المحلة الواحدة .. كان سكان بغداد يتحلون بالبساطة والطيبة وحب الخير .. كانت المرأة البغدادية تعيش  حياتها في كنف عائلتها بطمأنينة واحترام .. كانت المرأة اكثر جمالية واكثر رقة بملابسها المحتشمة .. كانت رائحة الطعام الطيب المذاق تنبعث من شبابيك الدار تعطي سكان المحلة اشارة الى نوع الطعام  الذي تم اعداده ..كانت العائلة البغدادية تستمتع بالنوم فوق سطوح المنازل بعيدا عن بهرجة اجهزة التبريد الحالية .. كان الجو في بغداد ايام زمان يختلف عن الجو الحالي حيث تحس ببرودة تلسع جسمك اثناء الليل كانت اجواء الحياة في بغداد اكثر رومانسية رغم بساطتها فلم يشعر البغدادي بمضايقة  اثناء تجواله وعمله .. كان البغدادي يستيقض صباحا مع افراد اسرته على صوت بلبل يغرد ينطلق من جهاز الراديو .. كان الاطفال يشعرون بالفرح عند مشاهدتهم  عربة بائع  المرطبات حيث يتجمع الاطفال حول عربته لشراء وتناول هذه المواد وهم فرحين واكثر سعادة من اطفال اليوم الذين نخرت بطونهم وسوست اسنانهم الحلويات المطعمة بالمواد الكيمياوية الضارة ..
زمان كانت الطرقات منظمة واقل ازدحاما وكان ” الربل ” وهي عربة نقل يجرها الحصان اكثر انتشارا  واقبالا في نقل السكان داخل العاصمة بغداد وكانت  العائلة العراقية عندما ترغب في قضاء اوقات الراحة وخاصة في الاعياد تلجأ الى منطقة بارك السعدون حيث تجد متعة الاستمتاع باجواء اكثر رومانسية في الحدائق وهي تجلب معها مالذ وطاب من الاطعمة وخاصة اكلة ” الدولمة ” المحببة لدى سكان بغداد.
زمان كانت سيارة الباص الحمراء والتي يطلق عليها البغادة اسم ” الامانة ” اكثر انتشارا في شوارع بغداد وباسعار زهيدة . .زمان كان حمام السوق اكثر اقبالا من قبل المواطنين حيث يؤمه المواطن وهو يستمتع بالجلوس على ” دكة ” الحمام  التي غالبا ماتكون شديدة الحرارة وهو يحتسي  الشاي او الحامض او الدارسين  في جلسة لاتخلوا من براءة .. زمان كانت العائلة البغدادية تعيش يومها فلا يوجد اهتمام بخزن المواد الغذائية في ثلاجة او مجمدة كما يحصل حاليا حيث كانت العائلة تكتفي بشراء مستلزماتها الغذائية اليومية   .. زمان كانت ثلاجة الخشب تحتل موقع الصدارة في المنزل حيث خزان المياه المحاط بقالب الثلج والذي يجعل الماء اكثر برودة  من ماء الحنفية ..زمان كانت  ربة البيت تفضل عمل الشاي ب ” السماور ” الذي يعطي الشاي نكهة خاصة .. زمان كان البغدادي لايجهد نفسه في الحصول على الحليب والصمون صباحا حيث يأتية جاهزا الى البيت عن طريق شخص يقوم بتوزيعه  داخل المحلة وهو يقود عجلتة الهوائية .. زمان كان جهاز الراديو اهم وسيلة لسماع الاخبار والتمتع بالاغاني حيث تحتل الصدارة فيه اغاني مطربي المقام وكان ابرزهم المطرب محمد القبنجي ويوسف عمر  وناظم الغزالي اضافة الى مطربات الاغاني الخفيفة مثل اغاني المطربة سليمة مراد وعفيفة اسكندر واحلام وهبي ولميعة توفيق وسعدي الحلي وغيرهم من المطربيين .
زمان كانت عملية ختان الاطفال تتم وفق تقاليد ومراسم خاصة حيث يأتي  ” المطهرجي ” وهو ممسك بحقيبته التي غالبا ماتكون منتفخة وهي تحوي عدته ليجري عملية الختان وسط زغاريد النسوة ورمي الحلويات ” الملبس ” ..زمان كان الحلاق لايتخذ محلا لمزاولة عمله الا ماندر حيث تجد الحلاق ممسكا بعدته وهو يقوم باجراء عملية الحلاقة للزبون الذي غالبا ما يكون جالسا على كرسي او ” تنكة ” وضعت في ركن من اركان المحلة وغالبا ما يكون موقعها قرب مقهى او سوق شعبي ..زمان كان الحلاق هو سيد الموقف بلا منازع داخل المحلة في معالجة الجروح والعمليات البسيطة .. وكان ” المجبرجي ” اكثر شهرة من الطبيب المعالج للكسور وكان من ابرز” المجبرجية ” ابن حويش .. زمان كانت مستشفى المجيدية التي تقع في منطقة الشيخ عمر هي ارقى مستشفيات بغداد حيث كانت تستقبل الحالات الطارئة التي تستوجب معالجات جراحية عاجلة .. زمان كانت عمليات الولادة  لاتتم الا من قبل امرأة متخصصة في اجراء عمليات الولادة يسميها البغادة ” الجدة ” وهي ممرضة غير مأذونة رسميا اتخذت هذه المهنة للكسب والاسترزاق ..زمان كانت الاكلة المفضلة لدى البغادة ”  االباجة  والباقلاء بالدهن الحر ” زمان كان شارع ابي نوآس من الشوارع الاكثر ازدحاما خاصة اثناء الليل حيث تنتشر على ضفاف نهر دجلة المطل عليه الشارع مطاعم تقديم السمك المسكوف بالطريقة البغدادية المشهورة والتي كانت تجذب  السواح الاجانب .. كانت السينمات تحتل موقع الصدارة في توفير المتعة والسعادة للمواطنين فاينما تجولت في بغداد تجد موقع لسينما وغالبا ماتسمع وانت جالس لمشاهدت عرض الفيلم  الباعة المتجولين وهم ينادون على بضاعتهم بصوت عال وسط الظلام.. زمان كانت المنطقة او الحي مؤمنة ليلا من قبل حراس تنتدبهم السلطة لتأمين الامن للحي فتسمع العائلة ليلا صفارته  وهو يتجول داخل ازقة الحي .. زمان كان المواطن البغدادي يستمتع  بالجلوس في  المقاهي الشعبية للعب ” الدومنه ” او شرب ” النرجيلة ” .. زمان كان للشرطي مهابة خاصة عند سكان الحي وكان الجندي المتطوع  وخاصة من يحمل رتبة عربف ينظر اليه نظرة  احترام وتقدير اكثر من نظرتهم للضابط .. زمان كانت الحقائب المفضلة الاستخدام للعائلة  العراقية هي ” البقجة ” وهي عبارة عن قطعة كبيرة من القماش تلف بها الحاجيات .. زمان كان رب الاسرة هو سيد الموقف داخل العائلة وهو الامر الناهي فلا يمكن مواجهته ولايوجد خيار امام افراد العائلة الا طاعته وتنفيذ اوامره ومن شق عصا الطاعة من اولاده  فهو ولد عاق يكون محل ازدراء  وتأنيب من قبل افراد العائلة وحتى سكان المحلة .. كان اغلب سكان بغداد ناس بسطاء محدودي الدخل وكانت العوائل الميسورة محدودة ويعتبرهم عامة الناس علية القوم لهم عالمهم الخاص .. كان اغلب المواطنين لايتدخلون بالسياسة الا ماندر فكانت السياسة محصورة بالسياسيين من اصحاب السلطة والنفوذ  وان انتمى شاب من سكان المحلة  الى احد الاحزاب المعارضة للسلطة الحاكمة كان محل حذر وخوف سكان المحلة يتحاشون الاختلاط  به ويحذرون ابنائهم من الانجرار وراء افكاره ..زمان كان النظام الحاكم نظام ملكي وافراده محصنين لهم قدسيتهم ولهم عالمهم الخاص وكان اغلب السياسيين ضمن تشكيلة الحكومة هم ادوات منفذة  لارادة واوامر الملك والعائلة الحاكمة .. وكان الشعب والجيش العراقي وخلال فترة عقد الخمسينيات من القرن الماضي اكثر سخونة وتنافر مع النظام الحاكم ..وازدادت هذه السخونة اثر قيام ثورة يوليو في مصر عام 1952 التي اججت المشاعر الوطنية وتوجت هذه المشاعر بقيام عدد من العسكرين بتنفيذ انقلاب عسكري اسقط النظام الملكي واقام نظام جمهوري  عام 1958 في عملية لاتخلوا من وحشية بعد قيام  منفذي الانقلاب بفسح المجال لبعض الافاكين بالتمثيل بجثث افراد العائلة الملكية  كان هذا التحول البداية لدخول  العراقيين في صراعات حزبية متنافرة المباديء والمنهج اوصلت العراق الى الفوضى التي مازالت اثارها ماثلة حتى يومنا هذا تؤشر وجود خلل في تركيبة وبنية المجتمع العراقي والانظمة المتعاقبة على حكم العراق بعد سقوط النظام الملكي الذي كان زعماءه يتحلون بصفات وقيم نبيلة مازال الموطن العراقي الذي عاصر تلك الفترة   يتذكرها  بشيء من الفخر والاعتزاز برموزها حيث كانوا يشكلون في تصرفاتهم وعلاقاتهم الاجتماعية مع افراد الشعب تمازج جميل يدلل على بساطتهمهكذاكانت بغداد  قبل اكثر من خمسين عاما  مزيجا من التجانس والتمازج الاجتماعي الذي لايخلوا من العفوية والبساطة بعيدا عن مغريات السلطة والسياسة التي غالبا ماتكون باتجاهات متعرجة ينفر منها السكان .. فاين هي بغداد اليوم 

أحدث المقالات