16 سبتمبر، 2024 10:00 م
Search
Close this search box.

هكذا كانت بغداد ايام زمان .. فكيف هي الان

هكذا كانت بغداد ايام زمان .. فكيف هي الان

زمان كانت بغداد اجمل .. كانت رائحة الفاصوليا اليابسة والباميا تتسرب من شبابيك البيوت .. كان مذاق الشمس في وجوهنا اطيب  والطرقات اقل ازدحاما كان الحليب والصمون يأتيك للبيت في الصباح .. كانت المناديل ” الجفافي ” توزع  مع دعوات العرس ومعها جكليت ” ملبس ” ملفوف بسليفون .. والجارة تمد يدها من خلف الباب بقوري جاي سنكين وحار للزبال فيمسح عرقه ويستظل بالجدار .. كان الكمون يوصف علاجا للمغص والاولاد يقبلون ايادي الجيران صباح العيد .. زمان كنا نصحوا على صوت المطربة فيروز .. ونستمع لبرنامج ابو رزوقي يعطي نصائحه المرورية للسائقين .. مع كل مساء كنا نترقب خيرية حبيب او كامل الدباغ او مؤيد البدري .. كانت جامعة بغداد والمستنصرية كعبة الطلبة العرب .. كانت رسائل الغرام تكتب على اوراق تبيعها المكتبات مطرزة ومزينة بالفراشات والورود الملونة .. كان السفر لسوريا او تركيا بالقطار المتري  وفيزة اوربا تأخذها وانت تشرب الشاي امام مبنى السفارة ..
 اليوم لم تعد للاكل رائحة ولا لون ولا طعم  حتى تحس بان طعمه مرا بسبب مرارة الوضع وقلق المواطن من الوضع الامني المتدهور .. باتت الشمس اليوم اكثر حرارة  وقساوتها ترفع الصداع .. باتت شوارعنا اكثر ازدحاما  واينما تجولت بسيارتك تلاحقك معاكسات سواق الاجره المنفلتين .. بات الصمون اصغر حجما  والحليب ملوث .. باتت الاعراس تقليدية  لامتعة فيها  وتغلب على مواكبها الفوضى وازعاج  المواطنين .. بات الزبال محل احتقار السكان .. بات العلاج بالادوية والعقاقير الكيمياوية يرهق المواطنين لارتفاع اسعارها .. لم نعد نسمع صوت فيروز بعد ان غلب صوت الانفجارات صوتها …فبتنا ننام ونصحو  ونحن اكثر خوفا من  غد مجهول .. اختفى صوت كامل الدباغ وخيرية حبيب ومؤيد البدري عبر برامجهم التي كانت تشد الجمهور ولم نعد نشاهد الا  البرامج الاباحية  التي يروج لها اصحاب الرذيلة  .. ولم نعد  نرى الطلبة العرب في ساحات واروقة الجامعات العراقية  بعد ان اصبحت الجامعات مؤسسات علمية متدنية  لاترتقي الى مستوى الجامعات العالمية  .. في زمن العهر والرذيلة  انتهى عصر الغرام البريء الطاهر وحل محلة  غرام الرذيلة والفجور .. في زمن الفوضى بات الحصول على تاشيرة السفر الى خارج العراق  ” الفيزا ”  حلم  من احلام اليقضة  وباتت الدول لاتأتمن دخول العراقيين الى اراضيها .. زمان كانت بغداد  ام الدنيا  ومنهل الشعر والشعراء .. كانت بغداد السباقة من بين الدول العربية التي  انيرت شوارعها بالكهرباء وهي  اول مدينة انطلقت منها اذاعة في المنطقة عام 1930 واول تلفاز في الشرق الاوسط عام 1950  وهي اول مدينة استخدمت فيها الباص ذو الطابقين بعد لندن  كانت بغداد مدينة صغيرة  لاتعرف من وسائل اللهو والتسلية والترفيه الا المقاهي واعتاد روادها الذين يجلسون على تخوتها المغطاة  بالحصران المعروفة باسم ” البارية ” يلعبون الطاولي والدومنه .. 
كما كانت بعض المقاهي تتحول الى اماكن طرب اذ يغني فيها قراء المقامات العراقية بمصاحبة الجالغي البغدادي وكانت تلك المقاهي هي  المدارس التي تعلم فيها اشهر قراء المقام في القرن العشرين اصول الغناء من المطربين القدامى .. كانت اوقات الفراغ عند البغداديين كثيرة لان الاعمال كانت  محدودة النطاق فعامل البناء كثيرا ما كان يجد نفسه بلا عمل وقد يؤدي بعض الاعمال التي لاتأخذ من ساعات نهاره الا بضع ساعات عندما يكلف باداء بعض  اعمال الترميم وينطبق هذا على اصحاب المهن الحرة الاخرى وكانت عندهم هوايات بعضها مازالت موجودة كتربية الطيور والبلابل والاكباش والديوك الهراتية كانت هواية تربية الطيور مرفوضة..  كان المطيرجي الذي يتصرف تصرفات غير اخلاقية اثناء ممارسته هوايته فوق السطوح غير محترم وكان الانسان اذا اراد شتم شخص قال له “مطيرجي ” وكان بعض الاشخاص يربون الاكباش  من اجل الدخول في مراهنات حولها عندما يتناطح كبشان كما كانوا يقومون بالمراهنة على ديكين هراتيين يتصارعان بالنقر وباشهار المخالب بعضها على البعض الاخر فيتطاير منها الريش ويسيل الدم من راسيهما وكان لاصحاب تلك الهوايات المقاهي الخاصة التي يرتادوها ويتحدثون تحت سقوفها بكل ماله علاقة بهواياتهم واشهرها كانت في منطقة الفضل وباب الشيخ .. 
كان سكان بغداد يعيشون في ظروف اقتصادية متردية  لكن هذه الظروف لم تمنعهم من  التمتع بمباهج الدنيا على طريقتهم الخاصة التي لاتخلوا من بساطة وطيبة  ووسط هذه الظروف برز اشخاص كانت لهم مكانتهم الاجتماعية بسبب مايملكونه من مال او جاه او ثقافة جعلتهم يحتلون مواقع مهمة في ادارة الدولة  العراقية  التي انبثقت بعد احتلال القوات البريطانية  للعراق  ووسط هذه الظروف  برزت شخصيات من  اصول عربية او عراقية لقيادة البلاد كانت لها صولات وجولات في صراعها مع المحتل لكن هذا الصراع لم يخلو من مواقف انسانية  اتسمت اغلبها في مناصرة الضعيف ضد  القوي المتجبر دللت على اصالة هذه الشخصيات التي مازالت افعالها ماثلة امام المواطن العراقي ممن عاش او سمع اطراف حديث عنها .. هكذا كانت بغداد وهكذا كانت اخلاق شخوصها فدلوني بربكم عن مدينة كانت اجمل من بغداد وعن شعب اطيب من شعبها .

أحدث المقالات