( مقتدى الصدر .. والدولة المدنية )
إن اعتقاد مذهب أهل البيت (عليهم السلام) الرسمي في مسألة الحكم هو أن الحاكمية المطلقة هي لله سبحانه وتعالى ، وأن الله تعالى استخلف في الأرض من ينوبه في الحكم وهم المعصومون ( من الأنبياء والأوصياء – عليهم الصلاة والسلام – ) فقد بدأ هؤلاء الخلفاء يمارسون مهمتهم كخلفاء لله تعالى منذ النبي آدم (عليه السلام ) وحتى استشهاد الإمام الحسن الزكي (عليه السلام) – الإمام الحادي عشر عند الشيعة – فمنهم من حكم الحكم السياسي ومنهم من لم تسنح له الفرصة ولم تسعفه الظروف . وهو بحث لا يسعه المقام .
ويعتقد المذهب أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) هو الحاكم الأعلى بإسم الله سبحانه وتعالى ، ومن بعده الأئمة (عليهم السلام) باعتبارهم الحكام المعينين من الله سبحانه وتعالى .
المهم .. هو أنه بعد استشهاد الإمام الحسن الزكي ( عليه السلام ) وغيبة ابنه الإمام المهدي (عليه السلام) وانقطاع الإتصال بالإمامة المعينة ( الحاكم المُعيَّن ) ، ظهر أسلوب جديد من الحاكمية بإسم الله تعالى ، وهو أسلوب (ولاية الفقيه) باعتبارهم نواباً عن الإمام المهدي (عليه السلام) لأنه الحاكم بإسم الله سبحانه وتعالى ، من دون الإعتقاد بتعيينهم من الله سبحانه وتعالى كالنبي والأئمة ( صلوات الله عليهم ) ، وهو أسلوب أعتقد بصحته 100 % ، ولعل من أبرز من تبنى هذا الأسلوب من الحكم من علمائنا في العصر الحاضر هم ( السيد الخميني والسيد الشهيد محمد الصدر (رضوان الله عليهم ) والسيد كاظم الحائري ( حفظه الله ) .
ولكن الملفت – وبحسب ما تناهى إلى أسماعنا ، فإن السيد مقتدى الصدر ( أعزه الله ) لا يعتقد بهذا الأسلوب من الحكم ( كحكم إسلامي وفق رؤية المذهب وفكر أبيه الشهيد – رضوان الله عليه – ) بالنسبة للعراق ، فهو يسعى إلى إقامة حكم ( إسلامي مدني ) ، وهي فكرة لم يسبقه إليها أحد ، بل ولا يوجد لهذا الأسلوب جانب تنظيري ( فقهي و عقائدي ) ، نعم .. طرح هذه الفكرة بعض المعممين ( العلمانيين !! ) الذين يحاولون الجمع بين الدين والعلمانية ، وهما مبدآن متناقضان 99 % !! ، ومن المعروف بشكل مؤكد .. أن السيد مقتدى الصدر ( أعزه الله ) من الكافرين بالعلمانية ، فكيف سيجمع بين الدين والمدنية ( نظرياً وتطبيقياً ) ؟؟.
قال لي أحد الأخوة ( المدنيين ) : [ إن الأستاذ جاسم الحلفي دعا النساء ( المدنيات ) إلى ارتداء الحجاب عند مجيئهن إلى الإعتصام احتراماً للسيد مقتدى الصدر وبعض المعممين الموجودين في الإعتصام ، ولأنه الخط الإسلامي الداعي للإعتصام !! ] فأجبته : [ هذه أول خطوة ( لأسلمتكم ) !! ] .
لذا أظن ، والله العالم ؛ أن السيد مقتدى الصدر ( أعزه الله ) بعد أن يحكم العراق ، سيحظى باحترام ( المدنيين أو اللا دينيين ) ، مما يجعلهم يشعرون بالحياء من مظاهر ( اللا دين ) ، إحتراماً وتقديراً لشخصه وجهاده وجهوده في تخليص العراق وشعبه من الفساد والفاسدين . – هذا أولاً – .
وثانياً : بما أن المجتمع العراقي مجتمع ظاهره الميل إلى الدين ( مع اختلاف مستويات التدين والنوايا من التدين ) ، فإن المجتمع – بـعد أن يحكمه السيد مقتدى الصدر ( أعزه الله ) – سيكون في غالبه ذا مظهر ديني ، ولأن الناس على دين ملوكهم !! ، فسيشعر معه ( العلمانيون والمدنيون ) بحالة من الحياء من الخروج عن الظاهرة العامة للمجتمع ( الظاهرة الدينية ) ، وبالتالي الإنخراط في ( الظاهرة العامة ) للمجتمع ، ولعل قسماً كبيراً منهم يغير واقعه ( اللا ديني ) إلى واقع ديني حباً واقتناعاً ، بعد أن كان الدين في عينه مشوهاً بسبب من تقمص ثوب الدين ، فرأى أن الدين الذي مثله السيد مقتدى الصدر ( أعزه الله ) هو الدين الحق الذي يرفض كل باطل وانحراف مهما كان الباطل المنحرف ، ويقيم كل حق وإنصاف .
وهكذا .. إلى أن ينشأ جيل جديد ، قد فتح عينيه على مجتمع إسلامي متكامل ، قد اقتنع بالإسلام عن طوع وقناعة .
وهكذا أيضاً .. يقدم السيد مقتدى الصدر ( أعزه الله ) هذا المجتمع إلى الإمام المهدي ( عليه السلام ) على طبق من ذهب ، لينطلق الإمام ( عليه السلام ) من العراق إلى العالم .
وهنا شاهدان – على الأقل – على ما زعمته ..
الشاهد الأول : عند غلبة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله ) على المجتمع المكي ، فإن غير المقتنعين بالإسلام ، قد سايروه لا رغبة ولا اقتناعاً ، وإنما الظاهرة العامة أصبحت هي ( الدين الجديد ) .
الشاهد الثاني : عند ظهور السيد الشهيد محمد الصدر ( أعلى الله شأنه ) ؛ فقد أصبحت ( ظاهرة الدين ) هي السـمـة العامة في المجـتـمع ، ولقد رأيـنا ( اللا دينيين ) يـحاولون الــتـماشي مـع الـظـاهـرة الديـنـية الـجديدة ، إما بالتفاعل مع حركة السيد الشهيد ( رضوان الله عليه ) أو بالـتـخفي و الحياء عند ممارسة نـشـاطـهم ( اللا ديني ) !! .
هكذا سيحكم مقتدى الصدر العراق .
والله تعالى أعلى وأعلم .