22 ديسمبر، 2024 2:35 م

هكذا حاربوا الفلاسفة والمتصوفة

هكذا حاربوا الفلاسفة والمتصوفة

مَنْ المعروف عن المتصوفة والفلاسفة العرب والمسلمين في عصري الخلافة الأموية والعباسية وما بعدهما ميولهم الإصلاحية ونزعتهم الخُلقية وتَفَرُّدهم بالتَّوَجُّه الروحي من شأنه لو طبق أن ينعكس على المجتمع بالإيجاب وبالخير كله، ومَنْ ذَا الذي يسلبهم طِباعهم السمحة المستقيمة، أو شجاعتهم النادرة في الحق، ووقوفهم دوماً ضد الظلمة والمفسدين وفي وجه الأمراء والحكام المارقين ، وعلى مدى تاريخهم الروحي الطويل؟!
رجال ومواقف :
وَقَفَ عالم الشريعة الإسلامية ( أبو الفيض ثوبان بن إبراهيم ) الملقب ذو النون المصري (179-245هـ) في وجه الخليفة العباسي أبو الفضل جعفر المتوكل أبن المعتصم بن الرشيد (205-247هـ) ، وحملوه من مصر إلى بغداد مغلولاً مقيداً ,وكانت للخليفة العباسي هَارُوُنِ الرشيد بن محمد المهدي( 149-193هـ) مَقابلات خَاصَّة مع متصوفة عصره يندى لسَماعها جبين الصادقين ,وكانت لابن قِسيِّ الأندلسي ( أحمد بن الحسين بن قسي ) المتوفى سنة 546هـ وزملائه من أولياء المغرب دعوات إصلاحية، تبحث في كل ما مِنْ شأنه أن يرضي الله من خدمة المجموع فتفعله,كما قتلوا المتصوف (أبو الحكم عبد السلام بن عبد الرحمن) الملقب ابن برَّجان الأندلسي المتوفى سنة 1141م , والخوالي والمرجاني مع كونهم أئمة يقتاد بهم,كما أمَرَ الخليفة بضرب عُنق المتصوف (أبا الحسن سمنون بن حمزة البصري المُحِبِّ ) سنة 298هـ بعد أن أدَّعت عليه امرأة كانت تهواه، راوَدَتُه عن نفسها وهو يأبى أن يأتيها في الحرام , ونفوا (طيفور بن عيسى البسطامي الخراساني) الملقب أبا يزيد (188- 261هـ) من بلدته سبع مرات لأنه كان يتكلم على الكشف بعلوم لا عهد لأهل بلده بها من مقامات الأنبياء والأولياء, ورموا (أبا سعيد أحمد بن عيسى الخراز ) من أهل بغداد المتوفى سنة 277هـ بالعظائم وأفتى العلماء بتكفيره لألفاظ وجدوها في كتبه , وشهدوا على ( ذي النون المصري ) بالكفر بعد أن تَعَصَّبَ عليه فقهاء إخميم في صعيد مصر, وأخرجوا ( أبو محمد سَهْل بن عبد الله بن يونس ) الملقب بالتستري (200-283هـ) من بلده إلى البصرة، وَنَسَبُوه إلى قبائح موبقات وكفروه مع علمه ومعرفته واجتهاده، ولم يزل بالبصرة حتى مات فيها , وشهدوا على (أبو القاسم الجنيد بن محمد الخراز البغدادي 221-297هـ) مع فضله وعلمه وجلالته ورقي أحواله وريادته في الطريق واتهموه بالكفر, واخرجوا (أبو عبد الله محمد بن فضيل البلخي ) من أعلام التصوف في القرن الرابع الهجري المولود في سمرقند والمتوفى سنة 319هـ, لأن مذهبه كان مذهب أصحاب الحديث، و الحكيم (أبو عيسى محمد الترمذي 824-892هـ) عالم الدين والحديث , المولود في ترمذ / جنوب أوزبكستان أخرجوه من مدينة بَلْخ حين صَنَّفَ كتاب “علل الشريعة”، وكتاب “ختم الأولياء”، وأنكروا عليه بسبب هذين الكتابين، وأغلظوا الإنكار، وكانت التهمة إذ ذاك جاهزة بطبيعة الحال، إذْ قالوا: فضَّلت الأولياء عَلَىَ الأنبياء, وَرَمُوا (أبو يعقوب يوسف بن الحسين الرازي ) المولود في الري بإيران والمتوفى سنة 304هـ بالعَظَائم وتكلموا في حقه بالكلام الخارج، وَشَهَدَ عليه زهاد الرَّاز وصوفيتها بالإنكار فلم يعبأ بهم ولم يبال, واخرجوا الإمام (محمد بن أحمد بن سهل ) الملقب أبا بكر النابلسي المغربي المتوفى سنة 363هـ في القاهرة مع فضله وعلمه وزهده واستقامة طريقه، وتَصَدُّره للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فحملوه من المغرب مقيداً إلى مصر، وشهدوا عليه عند السلطان، وَلمْ يَرجِعْ عن قوله، فأخذوه وسلخوه وهو حي فصار يقرأ القرآن وهو مَنْكُوس مَسْلُوخ، فكاد أن يفتن به الناس فرفع الأمر إلى السلطان فقال: أقتلوه ثم أسلخوه!, واخرجوا (علي بن أحمد بن سهل ) الملقب أبا الحسن البو شنجي ، وأنكروا عليه، وطردوه إلى نيسابور فلم يزل بها حتى مَات سنة 348هـ ,واخرجوا ( سعيد بن سلام ) الملقب أبا عثمان المغربي من مكة مع مجاهداته وتمام علمه وحاله ، وطاف به العلويّة على جمل في أسواق مكة بعد ضربه على رأسه ومنكبيه، فأقام ببغداد، ولم يزل بها حتى مات سنة 373هـ , وَشَهَدُوا على (تقي الدين السِّبْكي 683- 756هـ) من مصر بالكفر مراراً مع تمام علمه وكثرة مجاهداته وإتباعه السُّنَّة إلى حين وفاته، وأدخلوه المستشفى , وأفتوا في بلاد المغرب بتكفير (محمد الغزالي الطوسي النيسابوري الشافعي الصوفي 450-505هـ ) المتوفى في مدينة مشهد , وأحرقوا كتابه “الإحياء”… واخرجوا ( أبا الحسن الشاذلي ) من بلاد المغرب، وفي صحبته أبي العباس المرسي وجماعته وشهدوا عليهم بالزندقة, ورموا الشيخ ( أحمد بن علي الرفاعي الشافعي الأشعري512- 578هـ) بالزندقة وهو من أهل العراق يرجع نسبه إلى أل البيت الأطهار , كذلك اتهموه بالزور والكذب والبهتان وتحليل المحرمات, وعقدوا للشيخ العالم والقاضي (أبو محمد عز الدين بن عبد السلام الشافعي الدمشقي 577 -660هـ) مجلساً في كلمة قالها في العقائد، وحرَّضوا السلطان عليه، إلى أن تداركته ألطاف الله, وأنكروا على العالم الروحاني (محي الدين ابن عربي الأندلسي 1165-1240م) والشاعر المتصوف أبن الفارض ( أبو حفص شرف الدين المصري 1181- 1234م) وجماعتهما إنكاراً عظيماً، وتطاولوا في الإنكار، وشهدوا عليهم بالكفر، وذبحوا الشاعر والمتصوف العباسي (الحسين بن منصور الحلاج 858 – 922م) وَالفيلسوف والعالم والكاتب ( شهاب الدين السهروردي 1155- 1191م) المولود في زنجان / شمال غرب إيران والمقتول على يد صلاح الدين الأيوبي في حلب بعد الحكم عليهما بالتكفير والمروق عن الدين .
ثـــم مـــاذا ؟
إنْ لم يكن أهل الصوفية أهل إصلاح لنفوس معوجة، وأهل تغيير لواقع فاسد، وأهل جهاد في سبيل حياة كريمة من أجل الله، لمَا تَعَرَّض لهم جهلة الناس وحكامهم وتصدُّوا لهم بالوقيعة والتعذيب والتنكيل والطرد والتكفير، وبكل دسائس الشر ووسائل الاضطهاد التي تصطدم مع أبسط حقوق المرء في التعبير عن فكره.

التاريخ يعيد نفسه :
اليوم يعيد التاريخ نفسه من جديد في عصر العولمة والانترنت والفضائيات التي قُتل بسببها الكثير من فلاسفة العصر الحديث وإعلاميين شرفاء ورجالات دين بارزين قالوا للباطل كفى تمدداُ.
فبعد انهيار الاتحاد السوفييتي ومعه الكتلة الشيوعية عام 1991، ضلت الرأسمالية طريقها، يوم أصبح كل شيء مبرراً لتحقيق الربح , واستنزاف الموارد الطبيعية، وتدمير البيئة، وفقدان الوظائف.
لقد أصبحنا مدينين للكاتب والاقتصادي والفيلسوف الألماني كارل ماركس (1818- 1883) باعتذار، ما تحدث عنه هو دور الدولة الذي لا يمكن الاستغناء عنه لتحقيق العدالة الاجتماعية، وحينما فشلت الشعوب في تطبيق تلك العدالة، جاءت عدالة وباء كورونا لتقول لنا إننا على خطأ … عذراً ماركس، بينما تفرغت أنت للدفاع عن الضعفاء، الذين لم ينالوا فرصتهم للعيش بكرامة، قسونا نحن عليهم، واتهمك رجال دين لا دين لهم ولا مذهب ,وكَتاب لا كتاب لهم , ومفكرين لا فكر لهم بالتقصير والكسل والكفر والإلحاد, والعكس صحيح لان كل ما قلته في حينه فعلاُ أنه أفيون الشعوب .
أما نحن سوف يشهد التاريخ لنا أننا عشنا أصعب فترة زمنية في حياتنا ,اجتمع فيها علينا لصوص الله والمؤتفكة وأصحاب الأيكة وقوم تبع وثمود وأصحاب الرق وعبدت الشيطان وقتلة المتظاهرين السلميين وسارقو قوت الشعب ,ومجادلة كتاب الله.