تبدأ الماركسية مسلماتها من جدلية صراع الإنسان مع الطبيعة من أجل تأمين حاجاته وفي مقدمتها ما يديم الحياة ، وهكذا قال ماركس كلمته المدوية ،، تاريخ البشرية هو تاريخ البحث عن الطعام ،، وما الفقر إلا الافتقار إليه ، وان هذا الفقر سببه انسان آخر يغتصب مصادر صنع الخيرات ويسخر الملايين لتنمية ممتلكاته على حساب قوة عمل تلك الملايين ،، ويمضي شارحا للعالم نظريته المادية التأريخية والصراع الطبقي على أنها محور ذلك الفقر المشؤوم ، ولم يعالج ظاهرة الفقر بالبكاء والعويل كما كان يفعل مفكرونا ابان تلك الحقبة من عصر الثورة الصناعية ، بل عبر نظرية علمية ابتدأت باستغلال الإنسان الرأسمالي للإنسان العامل عن طريق استغلال قوة عمله ، يقول بعض من المفكرين الرأسماليين أن الفقر يعيش بيننا ، وهو ظاهرة صحية توفر الأيدي العاملة الرخيصة والتي هي بدورها توفر لهم الحاجات الرخيصة الثمن. وفي رده على برودون وكتاب الرأسمالية الاخرين في كتابه المشهور بؤس الفلسفة ( ص 211 ) يقول ماركس وبما أن الوسائل موجودة لإيجاد العمل القائم على طعام ارخص منحط ، فإن أقل نسبة للأجور تهبط إلى الدرك الاسفل باستمرار ، وإذا كانت هذه الأجور تجعل الشخص ان يعمل ليعيش ، فإنها ستجعله يعيش حياة الآلة ، ويصبح وجوده لا قيمة له . ويستنتج أن الاجر هو مصدر الفقر ، وان الغنى هو مصدر تسلط ملاك رأس المال على فائض قيمة قوة عمل الشغيلة. ، وفي البيان الشيوعي يستدرك قائلا ،، أن كلفة انتاج العمل هي ذلك القدر من المعاش الضروري لمواصلة العامل لعمله لإبقاء الطبقة العاملة على قيد الحياة ، بالتالي ديمومة اجر الكفاف المؤدي إلى الفقر ،
أن اهتمام النظرية الماركسية بموضوعة العمل على أنها أساس القيمة تنجر كقواعد عامة يمكن تلقفها في بلداننا ( لو خلصت النوايا ) لتكون واحدة من وسائل تحويل السواد الأعظم من مجتمعاتنا الشرقية من مجتمعات زراعية رعوية كسولة تعتمد الإغاثة والمساعدات المحلية والدولية إلى مجتمعات منتجة تنفض عنها غبار الفقر والأنين من وطأته ، جراء تخاذل كل الحكومات دون استثناء أمام هذه الآفة ، وربما أرادوا لها كل هذه الديمومة لتظل كل تلك الشعوب تحت وصايتها الثقيلة وتحت ترهات أنظمتها ،
ألعراق وديمومة الفقر .
أن انحياز الفقراء في العراق في اعقاب تشكيل الدولة عام 1921 سييما السواد الأعظم من الفلاحين ، ومن بعدهم العمال بعد اكتشاف النفط وتسويقه عام 1932 ، واستغلال الشركات النفطية البريطانية الشغيلة العراقية ، وانشاء بعض المعامل ومصانع النسيج ، أن الانحياز هذا إلى الحزب الشيوعي العراقي لم يكن انحيازا عاطفيا ، بل كان جراء ما حمله الحزب من أفكار تعمل على إنقاذهم من الفقر ، بالإضافة إلى كونه تنظيما ضم الفقراء من أعلى قمة الهرم فيه إلى المؤيد الغض ، وقد ملأت دفاعاته المستمرة عن كل تلك الحقوق وتقدمه صفوفهم في معارك الإضرابات العمالية والتمردات الشعبية حتى لحظة صعود قياداته الفقيرة اعالى المشانق في ساحة الطيران وبستان حسون اغا . وكنا نلاحظ كالاخرين توسع قاعدته لتشمل الملايين لا لبطر بل لصواب
في الطرح ونجاعة الحل ، فلقد أكد الماركسيون على الدوام أن تراكم الثروة في جانب واحد من المجتمع العراقي هو في نفس الوقت تراكم الفقر والبؤس في القطب الآخر ، وهذا هو تحصيل حاصل ما حصل في العراق طيلة قرن ، فمنذ اصدار الحاكم البريطاني قانون دعاوى العشائر عام 1918 ومنذ الاعتراف بملكية الشيوخ للاراضي الأميرية بموجب قانون التسجيل العقاري رقم 50 لسنة 1932 ولغاية تاريخه لم يغادر الفقر العراق ولا حتى تراجع ملموس ، بل على العكس كلما تقدم الزمن وزاد دخل البلد زاد معه الفقر. ، والسبب هو نمو الرأسمال الاقطاعي في تلك الحقبة ليتحول بمرور الزمن ( ونتيجة لامتلاك السلطة والجاه ) إلى رأسمال صناعي وتجاري ليعمل تدريجيا على تهميش الصناعات اليدوية وتحويل العمال إلى إجراء بأجر الكفاف أثمر عنه فقر عمالي مدقع انضم إليه فقر فلاحي مقرف جراء هجر العائلات الفلاحية ريفها لتبني الصرائف في المدن العراقية وبين محلات بغداد حتى قيام ثورة 14 تموز عام .1958 ، واستمر الإهمال الحكومي للفقر وتحول إلى ظاهرة ولم تمسه بالجد اي من لحكومات المتعاقبة على أنه حالة ليست باستثنائية ، وانجر الإهمال ليزداد أكثر وطأة بعد الاحتلال الامريكي ليلتقي الاحتلالان في صناعته وصناعة مسببيه ، ومن تبعهما في طريق واحد إلا وهو افقار الشعب وسرقة ممتلكاته ، ولكن هذه المرة في العلن ، بعدما كانت في الظل .
أن الفقر يولد الجوع ، والجوع يولد التمرد والانفجار ، والعراق اليوم يقف عند هذه الحالة السحيقة ، وان الفقر فيه كما يقول ماركس لا يصنع الثورة دائما وانما وعي الفقر هو الذي يصنع الثورة ،
أن ما تقدمنا به حقائق ثابتة ، ولا يمكن الي مخلوق تجاوز مسلماتها وان ما شهده العراق من أحداث منذ عام 2011 وما تلاه ، وما أسفرت عنها مظاهرات 2019 ، إلا مقدمات توحي بالقادم السئ ، فحذار من انفجار غضبة الفقراء التي قد تشهدها قادم الأيام والحليم منكم تكفيه إشارة الإبهام ..،،