تحدثتُ في مقالات سابقة بعنوان “هكذا أنتخبُ” (أنظر الحاشية أدناه رجاءً) عن الشروط و المواصفات اللازم توفرها في المرشّح لعضوية مجلس النوّاب العراقي لإنتخابات 30 نيسان 2014. تجدر الإشارة إلى أن الشروط التي وضعتْها المفوّضية العليا المستقلة للإنتخابات في العراق، حسب إرادة الأعضاء المتنفذين في مجلس النوّاب العراقي، بدائية و بسيطة جداً، و تنسجم مع سياستهم الطائفية. بالمقابل، وضعتُ لنفسي ثلاثة ضوابط أساسية أبحث عنها في كل مرشّح و كيان سياسي، و هي بطاقة تعريف بالمرشّح، السيرة الذاتية للمرشّح، و البرنامج الإنتخابي للمرشّح سواءً كان مستقلاً أو حزبياً. ذكرتُ هذه العناصر بشئ من التفصيل في المقالات السابقة. و الآن و قد إنفضّتْ الإنتخابات و ستظهر النتائج النهائية الرسمية قريباً، فهل إستطعتُ تنفيذ ما اقترحتُهُ شخصياً و رأيتُهُ مناسباً؟ هل وجدْتُ في أحد المرشّحين و الكيانات السياسية حوالي 80% من المواصفات المطلوبة، و هو الحد الأدنى المعروف عالمياً؟ هل بذلتُ جهداً شخصياً ينسجم مع مسؤوليتي الوطنية في البحث عن المرشّح المناسب؟ للإجابة القصيرة المباشرة أقول: نعم و لا.
فقد بذلتُ جهداً كبيراً للتحرّي عن برامج الكيانات السياسية و التحالفات و الإئتلافات السياسية المسجلة رسمياً في المفوّضية العليا المستقلة للإنتخابات في العراق. بالإضافة إلى جهدٍ آخر للتحري عن المرشّحين. و أعترف لكم بأنها مهمة صعبة لأني كنتُ كمن يبحث عن إبرة في كوم القش، و لا يستطيع التصدّي لمثل هذه المهمة كثير من الناخبين المؤهلين. و مما يزيد الإرباك و الحيرة أن الأشخاص المتنفذين الفاشلين في الحكومة و مجلس النوّاب، الموغلين في الفساد و الجريمة أرادوا إعادة تأهيل أنفسهم بأوصاف و أقنعة جديدة. لكنّ إستخدام ضوابط الإختيار التي أشرتُ إليها آنفاً أعانتْني كثيراً في الوصول إلى قرارٍ واقعي معقول.
فإن أي حزب قديم أو حديث مخصّص لطائفة واحدة (عنصرية، قومية، عشائرية، إقليمية، دينية، مذهبية) و يدعو إلى “حقوق و إمتيازات” طائفته على حساب العراق و العراقيين كان مصيره إلى سلة المهملات. و كل حزب وعدَ و كذب و ضلّل الناس كان مصيره إلى سلة المهملات. و كل مرشّح تعاطف أو تعاون مع قوات الغزو و الإحتلال الأمريكي ـ البريطاني و أعتبرهم “محرِّرين” كان مصيره إلى سلة المهملات. و كل مرشّح من المتعاطفين مع النظام السابق و مع العنف كان مصيره إلى سلة المهملات. و كل مرشّح و حزب ملأ الجدران و الشوارع بأزبال المنشورات و حوّل المدينة إلى منظر قبيح يثير الإشمئزاز في نفوس الناس كان مصيره إلى سلة المهملات أيضاً.
و نظراً لغياب الضوابط المُلزِمة للمرشّحين بإعلان البرنامج الإنتخابي فقد حاول بعضهم الظهور في وسائل الإعلام كما لو كان عنده برنامجاً، لكنه في الواقع مجرد خطاب إنشائي يخلو من الإجراءات التنفيذية. لذلك وجدنا أكثر الطائفيين تعصّباً و تطرّفاً يشجب الطائفية أيضاً و يدعو إلى القضاء عليها. و هي مهزلة و سخرية بالعقل العراقي بلا شك. و مع أن التحالفات المدنية اللاطائفية، مثل التحالف المدني الديمقراطي (القائمة 232)، تضم بعض العناصر البغيضة لكنّّها بمجملها أقربُ شيئاً إلى مصلحة العراق و العراقيين، و أهون شرّا، و أبعدُ ما تكون عن الفساد و الجريمة و التقسيم و الإنفصال من غيرها. لذلك فهي تستحق من الناخبين فرصة الوصول إلى مجلس النوّاب و ربما إلى الحكومة.
و لاحظنا أن البعض لجأ إلى أسلوب اللعن و الطعن بكل ناخب يمتنع عن التصويت و إعتبره خائناً عميلاً آثماً و غير ذلك من النعوت الإنتقاصية. كما قالوا بأن الناخب الذي لا يقترع لا يحق له الإنتقاد و الشكوى و التذمر مستقبلاً إذا رآى إزدياد الفساد و تصاعد حدة الحرب الأهلية (الطائفية) في العراق. للأسف، فإن إلقاء اللوم على الناخب هو إجحاف و تجاوز عليه، لأن عزوف الناخبين عن صناديق الإقتراع هي مشكلة معقدة أسبابها تعود إلى عيوب كثيرة في الدستور و القوانين و النظم و مجلس النوّاب و الأجهزة التنفيذية.
من المفجع أن يُشِيعَ بعض الناس و يدافع بإستماتة عن المنطق التالي: ما العيبُ في أن أنتخبَ مرشّحاً من طائفتي يعمل من أجل حقوقها المشروعة لاسيما أن طائفتي عانت كثيراً و طويلاً من الحرمان و التمييز و الظلم و الإضطهاد؟ و الجواب على ذلك بسيط: لا عيبَ مطلقاً في ذلك إذا كان الناخبُ يُحبُّ الطائفية و العنصرية و الإقليمية، و تمزيق العراق، و القتل على الهوية، و الإرهاب النفسي و الفكري و الجسدي، و نقاط التفتيش بين الأحياء السكنية، و الحواجز و الجدران العالية الإسمنتية بين الأحياء السكنية، و التهجير القسري، و الفساد الإداري بكل أنواعه و درجاته، و النهب المنظم لثروات البلاد، و تعزيز الأحقاد بين الناس، و إضاعة الوقت، و الفوضى، و تخريب البيئة، و نشر الأمراض بين البشر و الحيوان و النبات، و التخلف المدني و الحضاري، و التبعية للإحتلال الأجنبي، و غيرها كثير مما يُديم الحرب الأهلية (الطائفية) و الفساد و الظلم في العراق.
في المجتمع المدني و ضمن الظروف الراهنة في العراق فإنّ أوّل خطوة يتّخذها الناخب الواعي المسؤول لمعالجة الطائفية هي إختيار المرشّح الوطني المخلص المعادي للطائفية على أمل أنه بعد فوزه سيزيح النائب الطائفي الذي يسلك إلى جانب أقرانه المتعصبين مثل سلوك أسلحة الدمار الشامل ضد الشعب و الممتلكات العامة في العراق. أما من يريد الإبقاء على الأمر الواقع الراهن و الإنتحار الجماعي بطريقة مؤكدة فلا بأس أن يختار المرشّح الطائفي المتعصب.