23 ديسمبر، 2024 12:11 م

مرَّ بنا في الجزء الأول، المنشور في هذا الموقع الكريم (بعنوان: هكذا أنتخب، كتابات، 16 كانون الأول 2013، أنظر الرابط أسفل المقال رجاءً)، الشروط و المقاييس التي وضعتُها لنفسي كناخب عراقي مسؤول، و التي يجب أن تتوفّر “بكل شخصٍ يُريدُ أن يكونَ نائباً أو حاكماً في العراق.”

إذا إستثنينا في هذا المقال الجوانب الإجرائية المهمة المتعلقة بالناخبين و المرشّحين فإن العملية الإنتخابية بأكملها تعتمد على ثلاثة أركان رئيسة هي أولاً: شروط الوطنية والمواطن الصالح التي ذكرناها في الجزء الأول و التي بدونها يصبح كل عمل عبثياً و هدّاماً للوطن و إثراءً فاحشاً للمخرّبين. ثانياً: البرنامج الإنتخابي للمرشّح المستقل أو الحزبي، و هو ما نتحدث عنه في هذا المقال. ثالثاً: سلوك المرشحين لمجلس النواب، و هو مدار الحديث في الجزء الثالث القادم.

لو سألتُ شخصاً من المتحذلقين الطائفيين من جماعة مؤتمر لندن لعام 2002 و أتباعهم عن برنامجه الإنتخابي فإن جوابه الجاهز سيكون على الأرجح كما يلي: “نحن سنبني الطرق و الجسور و المدارس و المستشفيات، و نزيد إنتاج النفط و الغاز، و نهتم بالزراعة و الصناعة، و نعزّز الوحدة الوطنية، و نُقيم علاقات حسن الجوار، إلخ.” كلام إنشائي جميل، و لا فائدة منه! و إذا طرحتُ عليه سؤالاً محرجاً فإنه سرعان ما يقول بطريقة زئبقية، “كلّ إنسان يستطيع الآن أن يعبّر عن رأيه في زمن الحرية و الديمقراطية و حقوق الإنسان.” بالنتيجة فإنه لا يجيبك على السؤال.

مِن المؤسف جداً أن قانون إنتخابات مجلس النواب العراقي رقم 45 المعّدل في 4 تشرين الثاني 2013 يخلو تماماً من كلمة “برنامج” أو “برنامج إنتخابي”. إستخدمتُ ماكنة البحث في موقع المفوضية العليا المستقلة للإنتخابات بحثاً عن مفردة “برنامج إنتخابي”، فلم أحصل على نتيجة. لِذا توجّهتُ بسؤال إلى المفوضية فيما إذا كانت تشترط على المرشح أن يُقدّم برنامجاً إنتخابياً بمواصفات و ضوابط محددة. ورَدَتْني منهم الإجابة الكريمة التالية، و أنا أشكر لهم ذلك جداً: “هناك نظام يسمى نظام الحملات الانتخابية في الموقع الالكتروني للمفوضية يرجى الاطلاع عليه بخصوص الحملة الخاصة بالحزب او المرشح وسيتم تحديد موعد انطلاق الحملات وفق الجداول الزمنية.” و بعد الإطلاع على نظام الحملات الإنتخابية و الأنظمة الأخرى الصادرة من المفوضية وجدتُها تخلو أيضاً من أية إشارة إلى البرنامج الإنتخابي.

من ناحية أخرى لاحظتُ أن بعض الفئات السياسية بادرتْ في الماضي القريب من تلقاء نفسها بإعلان برامجها الإنتخابية في مناسبات متفرقة. و هذه البرامج هي أقرب إلى النصوص الإنشائية الخطابية و العناوين العريضة، و لا تتبع صيغة ناضجة محدّدة. يبدو أن الجهات التي وضعت الدستور والقوانين الإنتخابية في مجلس النوّاب تعمّدت إهمال شرط البرنامج الإنتخابي على كل مرشح مستقل أو حزبي لتنجو من الرقابة الشعبية، و لا تخضع للمسائلة و المحاسبة الدستورية. إذاً فالأمر متروك للأشخاص و التكتلات السياسية أن يقولوا ما يشاؤون أثناء الدعاية الإنتخابية.

إن أيّة دعاية إنتخابية (أو حملة إنتخابية كما تسميها المفوضية العليا) تخلو من برنامجٍ إنتخابي منظّم هي دعوة صريحة موجهة للمرشّحين لممارسة الكذب المتقن الذي يُقنِع الناخبين بأنّه منتهى الصدق.

لِذا يكتسٍبُ البرنامجُ الإنتخابيُّ أهميةً محورية قصوى في أية عملية جادة للإنتخابات. و توجد ضوابط لهذا البرنامج تختلف بإختلاف المجتمعات. على هذا الأساس، و لِكَي أُسهّل الأمر على نفسي وضعتُ نموذجاً مبسّطاً مختصراً بالحدّ الأدنى من مواد البرنامج الإنتخابي المقبول للعراق.

مثال:
– عنوان البرنامج الإنتخابي: وطن واحد آمن مستقر لجميع العراقيين
– إسم رئيس الحزب، إسم الحزب، شعار الحزب
– كلمة رئيس الحزب و تاريخها

مواصفات البرنامج الإنتخابي

ذكرنا في الفقرة (21) من الجزء الأول أيضاً أن المرشح المستقل أو الحزبي يجب أن يكون “لديه برنامج انتخابي شامل مطبوع على الورق ومنشور في الشبكة الدولية (الإنترنت)، و يقع في 50 إلى 70 صفحة، يذكر فيه تفاصيل خطته السياسية خلال مدة الحكم القادمة، و يُبيّن طرق التنفيذ و مصادر التمويل و مقدارها و الجداول الزمنية لتنفيذها.”

فمثلاً: إذا ذَكر البرنامجُ مشروعَ إنشاء قطار فائق السرعة (قطار صاروخي  ـ كما يُسمّى) يختزل الزمن من الفاو إلى زاخو بأربع ساعات فقط بضمنها بعض التوقفات القصيرة، فإن الأسئلة التي ينبغي على البرنامج أن يجيب عليها بوضوح هي: الجدوى الإقتصادية، تحديد تاريخ الإبتداء و الإنتهاء، الكلفة الإجمالية، مصدر التمويل، تأثيره على السكان و على البيئة.

كما يجب أن يتضمن البرنامج الإنتخابي، قبل و أثناء الإنتخابات، وعوداً يستطيع المرشّح المستقل أو الحزبي تنفيذها خلال مدة الحكم. إن أيّ وعدٍ بدون خطة يعتبر باطلاً و لا يجوز الحديث عنه مطلقاً أثناء الفترة الإنتخابية.

مضمون البرنامج الإنتخابي

يجب أن يوضح البرنامج الإنتخابي، في كل نقطة، الآليات و الطرق العملية التي سوف يستخدمها لتحقيق الأمور التالية:

جدول المحتويات:

النموذج القيادي: نحو حكومة منفتحة نزيهة و مشاركة شعبية واسعة

— تعديل الدستور و القوانين المنبثقة عنه لتحقيق العدالة و المساواة و التوازن و التحضّر
— خطّ نهج جديد في مجلس النواب للعمل الجاد و منع التغيّب و اللامبالاة و تأجيل الأعمال
— إلغاء الإمتيازات الوظيفية و المادية المُسرِفة لنواب المجالس و أعضاء الحكومة
— زيادة صلاحية مجلس النواب لمسائلة و محاسبة رئيس الوزراء و الوزراء و بقية المسؤولين عند عجزهم عن الإيفاء بإلتزاماتهم في البرنامج الإنتخابي، أو إذا أصدروا قرارات و مسودات قوانين تتنافى مع الوعود الإنتخابية
— إلغاء منصب رئيس الجمهورية لإنتفاء الحاجة إليه
— موازنة الميزانية العامة (الإتحادية)
— دعم الرقابة المالية و الإدارية على كل المؤسسات
— تحقيق السيادة الوطنية و الإستقلال التام و الوحدة الوطنية و فرض النظام و القانون و الأمن
— القضاء على الحرب الأهلية (الطائفية) و نظام المحاصصة الطائفية
— تعزيز أمن الحدود بالأفراد و التقنيات الحديثة لمنع المجرمين و الإرهابيين من دخول البلاد
— إتّخاذ نهج وطني جديد في الدفاع العسكري عن العراق
— التعاون مع الدول المجاورة و مع المنظمات الدولية في كل المجالات على أساس الفرص المتكافئة و الإحترام المتبادل و تعزيز الأمن و محاربة الإرهاب
— التفاوض الجاد مع دول إيران و تركيا و سوريا بشأن الحصص المائية و مدى الأضرار التي يعانيها العراق من كثرة السدود التي أقامتها تلك الدول على روافد و أنهار دجلة و الفرات
— تجريد العصابات المسلحة التابعة للأحزاب من أسلحتها و عتادها، و إصدار عفوٍ شاملٍ لكل المواطنين مقابل تسليم الأسلحة
— ضمان إستقلال القضاء و سيادة القوانين و الأنظمة

دعم الأسرة و تقوية الروابط الإجتماعية

— توفير الخدمات الإجتماعية و التعليمية و الصحية المجانية لكل أفراد العائلة العراقية
— دعم التقاعد و الضمان الإجتماعي للعاجزين عن العمل، و الحصول على الضمان المهني عند الحاجة
— تحسين إمتيازات العائلة لاسيّما المرأة و إجازة الأمومة
— إعفاءات ضريبية فورية للعوائل
— دعم رعاية الأطفال و الأرامل و الأيتام و إنتشالهم من الفقر و التشرد
— تسهيل عودة المغتربين إلى الوطن، و حصولهم على حقوقهم و إمتيازاتهم، و إندماجهم في مجتمعهم الأصلي
— مكافحة الأمراض الوافدة و الأمية و الجريمة و الفساد الإداري و البطالة
— توظيف المزيد من أفراد الشرطة و الجيش حسب الكفاءة لحماية المجتمع
— توفير السكن المناسب للمواطنين
— تخفيف أعباء الأسرة بخصوص المحروقات و الكهرباء و الماء و أعمال الصيانة و الترميم
— تعيين الحد الأدنى من الأجور للعمال
— زيادة فرص العمل و الحماية للعاملين
— تحسين الخدمات الإجتماعية للمسنين و المُعاقين (ذوي الإحتياجات الخاصة) و حمايتهم من سوء المعاملة
— الإلتزام بمساعدة المحاربين القدماء و أُسَر الشهداء
— تأهيل السجناء مهنياً و إجتماعياً في السجون و بعد إنقضاء محكوميتهم
— بناء علاقة جديدة مع الأقليات الثقافية و إستثمار التراث الثقافي المشترك
— بناء الإنتاج السينمائي و التلفزيوني و المسرحي
— تأمين سلامة الأغذية و الأدوية و حماية المستهلكين
— حماية الحقول الزراعية العائلية من الزحف العمراني
— تسليط الأضواء على أبطال المجتمع
— توخّي العدل بين المحافظات بخصوص توزيع الثروة الطبيعية العراقية
— تأمين الموجات العريضة (Broadband) للإتصالات اللاسلكية في كل أنحاء العراق
— زيادة الوعي الصحي و التطوير و حقوق الإنسان
— منع التهجير القسري و ضمان عودة المهجَّرين و المشرَّدين
— إطلاق سراح المعتقلين بدون تهم قضائية و بدون محاكمات، و حماية السجناء من الأذى و الإضطهاد
— إعادة المفصولين إلى وظائفهم أو تعيينهم في وظائف جديدة
— تعويض المتضررين من عنف الإحتلال الأمريكي ـ البريطاني و العصابات المسلحة
— تمكين النقابات المهنية من ممارسة أعمالها لخدمة المجتمع بدون التورط في الإنحياز الطائفي
— إنشاء مؤسسة لتنظيم التطوّع في كل مجالات الحياة

تحسين الخدمات الصحية

— زيادة عدد الأطباء و الممرضات
— زيادة عدد المستشفيات و عدد الأسِرَّة و العيادات العامة و المتخصصة
— توسيع الخدمات الصحية للمسنّين و المُعاقين (ذوي الإحتياجات الخاصة) و المدمنين
— تخفيض أجور الأدوية و اللقاحات و الأجهزة و المعدات الطبية و الصحية
— توفير الرعاية الصحية للحوامل و الأطفال
— تقليص مدة الإنتظار بالنسبة للمرضى عموماً و مرضى السرطان خصوصاً
— خطة جديدة لتغطية نفقات علاج الأمراض السرطانية و العقلية و السكّري و المفاصل و مَنْ يرعاهم منزلياً

الإستثمار و فرص العمل للمستقبل

— إنشاء و تحفيز و توسيع الصناعات و الحرف المحلية و الشعبية
— تحقيق مبدأ الإكتفاء الذاتي وفق خطة واقعية للإنتاج الزراعي و الصناعي و الخدمات
— تسهيل عملية تسويق المنتجات الزراعية و الحيوانية المحلية
— إعفاء الشركات الصغيرة من الضرائب
— تخفيض نسبة الضرائب على الشركات الكبيرة
— الإهتمام بالريف المنتِج
— الإستثمار الواسع في البنى التحتية الأساسية
— منع خصخصة الموارد الطبيعية
— إيقاف بيع الخدمات العامة
— إتّباع خطة الطاقة المستدامة، و تقليص الإعتماد على النفط و الغاز
— تشجيع العلماء و الفنانين و الأدباء و أصحاب المهارات المتميزة لخدمة المجتمع
— تحفيز قطّاع الآثار و السياحة

معالجة تغيّر البيئة

— دراسة أنواع التلوّث من جرّاء الإحتلال الأمريكي ـ البريطاني و المصانع المنفلتة
— مكافحة التلوُّث البيئي بكافة الوسائل المتاحة و حماية الأرض و الهواء و المياه من الملوّثات الكيمياوية و الفيزياوية و العضوية
— إستحداث قانون المحاسبة لتغيّر البيئة و التشدد على التلوُّث و الملوِّثين
— حماية الحيوانات الوحشية من الصيد الجائر و التهريب
— حماية الثروة الحيوانية و النباتية من الأمراض الوافدة، و توسيع الخدمات البيطرية و الزراعية
— كري الأنهار و الجداول و المبازل، و إعادة تأهيل الأهوار
— إنشاء بحيرات صناعية موسمية أو دائمية من مياه المبازل و الأمطار و السيول
— حماية الثروة السمكية و الطيور المائية
— الريادة في إستخدام الطاقة المتجددة النظيفة
— إنشاء السندات الخضراء لتمويل البحث و التطوير في التقنيات الخضراء
— تعزيز وسائط النقل العام في المدن و بين المدن
— إنشاء المحميات الطبيعية الواسعة
— مكافحة التصحر و قطع الأشجار
— إتّباع سياسة النفايات الصفرية (Zero Wastes)، أي التدوير التام

إنّ الحد الأدنى المقبول من التوافق بين الناخب و المرشَّح النيابي هو 80% و ما زاد على ذلك فهو أفضل. أما ما حصل في العراق حتى الآن فهو أن الناخبين أُرغِموا على إختيار المرشحين حسب طوائفهم، و أصبحت “البرامج الإنتخابية” عبارة عن خطب حماسية و وعود سخية و مساومات سرية بين الطائفيين و توزيع الغنائم بينهم.

يمكن أن تبادر المفوضية العليا بتسهيل عملية المقارنة بين البرامج الإنتخابية المعلنة رسمياً على الناخبين بطرقٍ متعددة، منها النشر في الصحف اليومية الورقية و على موقعها الرسمي في الشبكة الدولية (الإنترنت) و في التلفزيون بشكل إعلانات رسمية محايدة. فالناخب العراقي، حتى لو كان مثقفاً مسؤولاً و حريصاً على المساهمة في الإنتخابات، لا يستطيع القيام بهذه العملية لوحده.

أودُّ التأكيد هنا مرة أخرى على أن البرنامج الإنتخابي آنف الذكر هو مجرّد إقتراح بسيط للتفكير بالموضوع بصورة جادة بسبب أهميته القصوى لوحدة العراق و العراقيين.