18 ديسمبر، 2024 7:20 م

هكذا أنتخب … الجزء الثالث: سلوك المرشّحين للمجلس النيابي

هكذا أنتخب … الجزء الثالث: سلوك المرشّحين للمجلس النيابي

إستكمالاً للجزئين الأول و الثاني من “هكذا أنتخب” نتناول في الجزء الثالث سلوك المرشحّين قبل و أثناء الدعاية (الحملة) الإنتخابية.

في لجّة الضجيج الإعلامي كيف يمكنك أن تميّز المرشّح الوطني، الكفوء، النزيه، الصادق، المثقف من المرشّح العميل، الكسول، الفاسد، الكاذب، المتخلف؟ لا توجد إجابة بسيطة و مباشرة و إنما يمكن التوصّل إليها من خلال معايير أساسية موضوعية متوازنة و ضوابط واضحة عادلة.

مفارقات عجيبة غريبة

من المفارقات الغريبة في بداية الغزو و الإحتلال الأمريكي ـ البريطاني عام 2003 أن الجنرال المتقاعد جَي غارنر (Jay Garner)، مبعوث الرئيس الأمريكي جورج بوش، أراد تكوين مجلسٍ تأسيسيٍ يتألف معظمه من العراقيين الوطنيين الذين قضوا حياتهم في العراق، و قسم منه يتألف من عملاء مؤتمر لندن (عام 2002). و كان يرى أن يترك العراق للعراقيين يحكمونه بأنفسهم. لكنْ بعد صراع مرير بين الأعضاء الصهاينة المتطرّفين و بين الأعضاء الأقل تطرّفاً في حكومة بوش، إستطاعت الفئة المتطرّفة إستمالته ليرسل إلى العراق مبعوثه الجديد، باول بريمر (Paul Bremer)، و هو صهيوني متعصّب من الحزب الجمهوري الحاكم آنذاك. من بين الأمور التي تعمّد بريمر مسخها هي أنه أسّس مجلس النوّاب في العراق بحيث تكون نسبة 75% فيه من أعضاء مؤتمر لندن، و سمح لبعض العناصر العراقية الوطنية غير الموالية للرئيس الطاغية المخلوع صدام حسين. لقد درّبتْ الحكومتان الأمريكية و البريطانية أعضاء مؤتمر لندن طويلاً على التعامل مع وسائل الإعلام و الظهور و الكلام بطريقة مضلِّلة مقنِعة للجمهور لسدّ العجز الذي يعانونه في مجال الوطنية و الخبرة الإدارية و السياسية الفعلية في العراق.

كانت النتيجة أن هذه المجموعة هي التي تحكم العراق منذ بداية الإحتلال حتى الآن، و هي التي وضعت الدستور الطائفي و القوانين الطائفية، و أنشأت قوات أمنية طائفية، و وزّعت الوزارات و الوظائف الحكومية والعقود التجارية السخية على أسس طائفية بحتة. كما إستطاعت هذه المجموعة تجنيد عدد من الأشخاص الموالين للإحتلال الأمريكي ـ البريطاني من داخل العراق و خارجه ليكونوا نوّاباً و موظّفين في شبه الدولة الجديدة.

و بعد أحد عشر عاماً من بداية الإحتلال الأمريكي ـ البريطاني، ما زال الرأي السائد بين المفكرين السياسيين في الدول الغربية أن جورج بوش خلق من العراق دولة فاشلة مثل سابقتيها في الصومال و أفغانستان. ستبرز جماعة مؤتمر لندن و أتباعهم الجدد خلال الأيام القادمة كفئة متظاهرة بالإعتدال و المدنية (اللادينية/العلمانية)، و داعية إلى الوحدة الوطنية و العدالة الإجتماعية و الأمن و النظام و القانون و البناء و الإعمار. لكنّ أهم شئٍ لهذه الفئة هو أن تحتفظ بالأمر الواقع لصالحها المتمثل بالوظائف الممتازة و الإثراء السريع و التقاعد المضمون و النهب المنظم لثروات الشعب العراقي لاسيما في مجالات النفط و الغاز و المعادن و الإنشاءات الضخمة.

لقد نجحت هذه العصابة في إيصال الشعب العراقي عموماً و الناخبين خصوصاً إلى حالة اليأس و القنوط من إمكانية أي تغيير إيجابي، و جعلت الكثيرين منهم ينظرون إلى الواقع الراهن على أنه قضاء و قدر محتوم.

إنّ هذا الواقع المعقد يجعل الأمر عسيراً على الناخبين أن يميّزوا بين الوطنيين و بين العملاء، بين الصادقين و بين الكاذبين، بين البُناة و بين المخرّبين، بين الإتّحاديين و بين الإنفصاليين. و هذا التعقيد المصطنع و خلط الأوراق المتعمَّد يُبرِز في نفس الوقت الأهمية القصوى لوضع الشروط و الضوابط لإختيار المرشح الوطني العامل لخدمة الشعب العراقي.

لذا فإنّ من حقّ الناخب العراقي إحراج المرشّح بالأسئلة العامة و الخاصة بطريقة مهذبة، و مِن واجب المرشّح أن يقدّم إجابة واضحة صريحة و بطريقة مهذبة أيضاً. و من هذه الأسئلة و الشروط ما يلي:

ـ راجع الشروط من رقم 1 إلى 21 في المقال الأول، الرابط: http://www.kitabat.com/ar/page/16/12/2013/20642/%D9%87%D9%83%D8%B0%D8%A7-%D8%A3%D9%86%D8%AA%D8%AE%D8%A8.html

ـ أُطلُب من المرشح برنامجه الإنتخابي المطبوع و المنشور ورقياً و على الموقع الرسمي في الشبكة الدولية (الإنترنت) في أول يومٍ من الدعاية الإنتخابية ـ أو كما تسمى الحملة الإنتخابية.
ـ راجع برنامجه الإنتخابي و تأكّد بنفسك أن فيه “الحدّ الأدنى” من المواصفات و الشروط الأساسية (راجع مواصفات البرنامج الإنتخابي في المقال الثاني، الرابط: http://www.kitabat.com/ar/page/25/01/2014/22204/%D9%87%D9%83%D8%B0%D8%A7-%D8%A3%D9%86%D8%AA%D8%AE%D8%A8–2.html

ـ إذا وردت في البرنامج الإنتخابي مشاريع عمرانية و إنتاجية و خدمية مستقبلية فيجب طرح الأسئلة التالية: أ. الجدوى الإقتصادية من المشروع، و تشمل الكلفة و مصادر التمويل و المدة اللازمة للإنجاز. ب. من الذي وضع الأرقام و كيف توصل إليها؟

بالإضافة إلى ذلك، يمكن توجيه الأسئلة التالية إلى المرشّح:

ـ هل المرشّح مِمّن أيّد الغزو و الإحتلال الأمريكي ـ البريطاني و إعتبره “تحريراً؟”
ـ هل المرشّح من الموالين أو المتعاطفين مع النظام البائد للطاغية صدام حسين؟
ـ هل المرشّح من المؤيدين لمشروع “ولاية الفقيه” الإيراني أو مشروع “الخلافة الإسلامية” التابع للحركة الإرهابية الوهّابية؟
ـ هل يعتقد المرشّح أن طائفته مظلومة و يجب أن تحصل على حقوقها الكاملة الآن و بكل الطرق التي يراها مناسبة؟
ـ هل يؤمن المرشّح بأن من حقّ طائفته الإنفصال عن العراق و الإستقلال في الوقت المناسب لها إذا لم تحصل على حقوقها و إمتيازاتها الكاملة حسبما يراه؟
ـ هل للمرشّح خطة أمنية مفصلة لفرض الأمن و النظام و القانون في كل أنحاء العراق؟
ـ هل المرشّح مستعدّ أن ينظّم حملةً وطنيةً و دوليةً عن جرائم الإبادة البشرية ضد العراقيين منذ عام 2003 حتى الآن؟
ـ هل المرشّح مستعدّ لتنظيم حملة مماثلة عن أسلحة الدمار الشامل التي إستخدمتها القوات الأمريكية و البريطانية ضد العراقيين و سبّبت ضحايا كثيرة لا سيما من الأجنة و الأطفال؟
ـ هل المرشّح يؤيد ضرورة الحصول على إمتيازات وظيفية تقاعدية سريعة بمجرد فوزه بالوظيفة النيابية؟
ـ هل يقيم المرشّح و عائلته بصورة دائمية أو مؤقتة داخل أو خارج العراق؟
ـ ما عناوين الدوائر الحكومية و الأهلية التي عمل المرشّح بها، و الجامعات و المدارس التي درس فيها و تخرّج بنجاح، و نوع الخدمة العسكرية التي أدّاها؟ و كيف يمكن التحقق من ذلك بسهولة؟
ـ هل للمرشّح مستشار أجنبي، أمريكي أو بريطاني أو إسرائيلي، في مجال الإعلام و العلاقات العامة؟
ـ لماذا يريد المرشّح أن يكون نائباً أو موظفاً في منصبٍ وزاري متميّز؟
ـ ما موقف المرشّح سياسياً من العلاقات الدولية مع دول الجوار، الدول العربية و الإسلامية، أمريكا، بريطانيا، إسرائيل و فلسطين؟
ـ هل يعاني المرشّح من الإدمان على التدخين، الكحول، المخدّرات، المنشّطات، الأدوية الطبية الحاوية على مواد مخدّرة أو منشّطة؟
ـ هل للمرشّح حالياً علاقات جنسية بدون زواج أو خارج إطار الزوجية بمعناها القانوني و الشرعي؟
ـ هل يفضّل المرشّح إيداع أمواله لدى المصارف العراقية أو الأجنبية قبل الفوز و أثناء النيابة و بعدها؟

إذا إستطاع الناخب العراقي أن يحصل على أجوبة واضحة عن الأمور آنفة الذكر فإنه سيحصل على صورة متكاملة عن المرشّح المستقل و الحزبي، و يستطيع على ضوئها أن يتخذ قراراً سليماً بإنتخاب المرشّح أو إسقاطه من الحساب. بهذه الطريقة يمكن الإجابة على السؤال الوارد في بداية المقال عن إمكانية التمييز بين المرشّح الجيّد من المرشّح الردئ.

من الملاحظ و المستهجن أن كثيراً من المرشّحين بدؤوا دعايتهم الإنتخابية قبل أن تأذن لهم المفوضية العليا للإنتخابات بذلك مما حدا بها إلى إصدار بيان تطلب منهم إزالة كل مظاهر الدعاية و الإعلان خلال يومين. لكن الغرامات من القِلّة بحيث لا تؤثر على الأحزاب الحاكمة و النواب الحاكمين.