23 ديسمبر، 2024 3:00 ص

هـــدم البنايات ردم للذاكرة

هـــدم البنايات ردم للذاكرة

هل أرادت إرادة السماسرة والمنعشين العقاريين، ردم الذاكرة الجمعوية ؛ من خلال الهدم والإزالة لأسباب واهية لا مبرر لها، تجاه العديد من البنايات والدور التي تمثل ذاكرة الأمة؛ ضد إرادة الجماعة من تلقاء نفسها؛ إما بإيعاز من جهات[ما]؟ لأنه في كثير من اللحظات؛ يتساءل المرء هل حقيقة هنالك ضوابط وميثاق عهد اجتماعي يحكم أفراد الشعب بمن ينوب عنهم في مؤسسات التدبير للشأن المحلي أو الوطني؛ وهل هناك حقيقة مساطر قانونية ؛ ضابطة لكل انحراف عن العقد الاجتماعي؟ فهل يحق للأشخاص[ النافذين] في الدولة؛ ممارسة ما يناسب أهواءهم ومسلكياتهم ولايحق لأي كان معارضتهم أو تنبيههم؟ مدعاة هاته التساؤلات؛ ترتبط بعدة مظاهر وحالات ومـمارسات؛ تمارس ضد إرادة الجماعة والطبيعة والطبوغرافيا والتاريخ والبشر؛ والأدهى من ذلك؛ عدم اللجوء إلى الرأي العام، لمعرفة وجهة نظره؛ وما موقفه وتصوره من إجراء (ما) ولنحصر الموضوع في هدم القاعات السينمائية والمسرحية؛ ولكن رب قائل: سيقول بأن السينما تعرضت للآفلاس ولم يعد لها رواد؛ إنه منطقهم؛ ولما ومن باب الفكاهة؛ نشير بأن من لهم مصلحة في ردم ذاكرتنا اعتمدوا على فتاوى من أهل الفتاوى الذين لديهم فراسة خارقة، وإلهامات صادقة فأشاعوا حكم التحريم :حول ارتياد دور السينما والمسرح؛ والآمر هنا لم يعد تفكها مادامت هناك فتوى تقول[ ارتياد السينما حرام؛ لأن أغلب ما يعرض فيها من الملاهي المحرمة التي تثير الفتنة، ولأنها مضيعة للوقت، وشغل للفراغ بلا فائدة شرعية في حال أن المسلم في أشد الحاجة إلى شغله بما يعود عليه وعلى أسرته وأمته بالنفع العظيم، ولأنها تصد عن ذكر الله وأداء الواجب، ولما فيها من اختلاط الرجال بالنساء… إلى غير ذلك من المفاسد. ]( الفتوى رقم (4120) اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة: عبد العزيز بن عبد الله بن باز)فربما من هاته الزاوية أمست الدور التثقيفية والتنشيطية والترفيهية؛ يقل روادها سنة بعد أخرى؛ مما تحول بعضها إلى خراب(مقصود)وبعضها أغلق في انتظار تصدعه النهائي؛ وأخرى أصدر في حقها قرار الإزالة؛ في غفلة الجميع؛ ولأسباب واهية؛ تلك معالم وفضاءات لها مواصفات معمارية ؛ عجيبة ومذهلة ؛كالمسرح البلدي (البيضاء) والذي (كان) في فضاء رحب بشارع باريس؛ وأمامه بنك المغرب المذهل بهياكله وسواريه؛ أو المسرح البلدي بجنان الحارثي(مراكش)وقاعة باريس (وجدة) والمسرح الاسباني/ السينما الكبير(الحسيمة) وسينما ريالطو والصحراء( اكادير) تلك الأخيرة كانت على شكل راديو/ مذياع ؛ تعبيرا عن قمة الإبداع المعماري ، كما هو شأن قاعة سيرفانتس(طنجة) تلك التحفة التي تآكلت؛ كسينما الكازار(طنجة) الذي كان مسرحا في 1914ونفس الرونق والهندسة الخلابة لقاعة ريجان في ( مكناس) والتي كانت في البداية مسرحا بلديا يسمى[ مسرح لاكانا] وأعظم تأسف ما وقع في (تطوان) للمسرح الوطني بالمصلى القديمة، وسينما فيكتوريا و المنصور، ومسرح مونومينطال؛ ولا يقل عنه أسفا قاعة السلام(أكادير) المعلمة الوحيدة التي صمدت ضد زلزال1960وهذا مايحز في النفس؛ لآن أصعب شيء فقدان الذاكرة ومحوها؛

وعليه فالعديد من المدن كانت تزخر بعدة معالم شامخة ؛ معالم للترفيه والتثقيف؛ تبهر بجمالية معمارها وزخرفتها وتناسق ألوانها؛ والموضوع ليس فيه صراع سياسي؛ كولونيالي بل مرتبط بالتحولات غير الممنهجة والمنضبطة للنسق التاريخي؛ فمباشرة دخلنا في مرحلة العقار؛ فاستسلمت المـد ن وشبهها وبعض القرى لزحف الأسمنت المسلح و غيره؛ فانهارت دور ومبان على يد اللوبيات العقارية ؛ علما أن هنالك قوانين ضابطة أن أي معلمة لها تاريخها؛ يعاد بناؤها بالمواصفات التي كانت عليه؛ولكن ربما عملا واقتناعا؛ من لدن المستثمرين بالفتوى رقم (3501) التي يبدو لها تأثيرها ووقعها عليهم والتي تقول: [لا يجوز لمسلم أن يبني سينما، ولا أن يدير أعمال سينما له أو لغيره؛ لما فيها من اللهو المحرم، ولأن السينماءات المعروف عنها في العالم اليوم أنها تعرض صورا خليعة، ومناظر فتانة، تثير الغرائز الجنسية، وتدعو للمجون وفساد الأخلاق، وكثيرا ما تجمع بين نساء ورجال غير محارم لهن](نفس الهيئة)ولكن مادام موضوع عدم البناء أو ترميم البناء

من طرف أصحاب تلك القاعات والفضاءات (لا يجــوز) هناك تخرجة مقبولة؛ تتمثل في (وزارة الثقافة) باعتبارها شخص معنوي؛ ومؤسسة تقوم بتدبير الشأن العام؛ بإمكانها تسجيل عدة قاعات وبنايات ضمن المآثر المصانة بقوة القانون. فكيف يعقل قاعة[ الكازار/طنجة] عمرت قرنا من الزمن؛ ولازالت صامدة ؛ لولا انهيار سقفها بفعل عدم الصيانة؛ وقاعة[ أبي الجنود/ فاس] التي عمرت تسعون (90سنة) أو [ أسطور] في نفس المدينة عمرت ثمانون(80 سنة) ولم نفكر في حمايتهم؛ كإجراء احترازي من عملية الهدم المحدق بها؛ من طرف {اللوبيات الإسمنتية}لتتحول إلى عمارة سكنية أو مركب تجاري؛ تنمو فيه المضاربات التجارية؛ وواقع الحال يمظهر ذلك؛ ويظهر غياب البنيات والفضاءات الأساسية للفعل الثقافي؛ مما نستنتج عدم خضوع الثقافة للمأسسة ؛ وهذا أمر مخجل في إطار التحولات؛

ومن عجائب الأمور؛ التي تجعلك مشدوها ولربما تصاب بانهيار عصبي؛ وجود تقرير صادم من لدن[ المركز السينمائي المغربي] في غياب تقرير لوزارة الثقافة والمجالس المحلية عن حال القاعات وهدم المسارح؛ لكن المركز السينمائي لم يتهرب من تشخيص الوضع ؛ففي إحدى فقراته يقول: [مجموعة من المدن و على رأسها الجديدة وأسفي و سطات والقنيطرة بالإضافة إلى ورزازات مدينة الاستوديوهات السينمائية، لا تحتوي على أي قاعة سينمائية] ولكن التقرير أغفل الحسيمة وتاوريرت والحاجب ووووو؛ وهذا ليس المقصد؛ فالمقصد يتجلى في المفارقات :قاعات تهدم وتنمحي ذاكرتها من ذاكرة الأفراد والجماعات؛ وأفلام تنتج ومهرجانات تقام ولدينا مركز سينمائي يدعم الإنتاج ومدينة سينمائية عامرة؛ ولدينا فرق وجمعيات مسرحية؛ ودعم وترويج من وزارة الثقافة هل من باب البذخ والترف الفكري والثقافي ؛أومحاولة لتبديد المال العام؟ الكل جائز وما لايجوزعمران يزداد ويزداد؛ في غياب روح الفن والثقافة والفرجة التي مكانها القاعات التي تجعل من الفرد الحضور والتفاعل معها ومنتجوها الآبداعي؛ بدل الانزواء والتخفي؛ بعيدا عن الجماعة والحميمة، وبالتالي ففي حالة ازدياد الهدم ورد م الذاكرة بشكل كلي؛ هل يحق لنا أن نوصف بالمدنيين جوانية مفهوم المدينة؛ التي أمست تغيب عنها مواصفات المفهوم؛ على يد المنعشين وصمت المواطنين ؟؟؟؟؟؟