< طهران , واشنطن , تل ابيب >
هذه الحرب الدامية ” او نحوها ” والتي يصعب تسميتها بحرب طالما لم يتقابلا الجيشان المتصارعان , وبقوا عساكر كلا الطرفين في ثكناتهم ومنهمكين في الأمور الدنيوية الأخرى .! , ويصعب ايجاد تسميةٍ جديدة تستغني عن كلمة حرب , التي لا دَور فيها للدبابات والمدفعية وصنف المشاة وغيرها من الصنوف .
كان لافتاً توقّف اطلاق النار دونما هدنة مؤقتة تسبقه , كما حدث في نهاية الحرب العراقية – الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي , ولا حتى مفاوضات بين ممثّلي الجيشين المصري والأسرائيلي لتثبيت أسس وقف اطلاق النار , كما في مفاوضات الكيلو 101 التي اعقبت حرب تشرين \ اكتوبر في عام 1973 , ولعلّ ما لافتٌ اكثر انعدام ايّ اتصال اوتواصل عبر الأثير او الأنترنيت وحتى عبر اجهزة الموبايل ! بين الأيرانيين والأسرائيليين , وكان الفضل للضربة الأمريكية على المفاعلات الأيرانية ” اذا ما جاز تسمية ذلك بالفضل او مرادفاته الأخرى ” .
من الأسباب < الفرعية > التي قادت الى سرعة او التسرّع في وقف اطلاق النار ( التي مهّد له نتنياهو قبل يومين من القرار , حيث تحدثت ميديا عبريّة عن استعداد اسرائيل لوقف الحرب في اليوم الثاني اذا ما وافق خامنئي على ذلك ) وحقيقة ذلك تعكس الإرهاق الذي اصاب كلتا الدولتين من شدّة القصف الصاروخي والمُسيّرات وما تسببت به من خسائرٍ لكلا الجانبين < بل حتى القائمين على منصات الصواريخ واطلاق وتوجيه وتسديد المُسيّرات , بالإضافة الى جهد الطيارين الأسرائيليين , كانوا جميعاً بحاجة الى قسطٍ من الراحة بما يفوق استراحة المحارب التقليدية .
في الحديث او التطرّق لهذه الهشاشة , فلا يعني أنّ وقف اطلاق النار هذا سيكون قصيراً او اطول قليلاً , بل يتجاوز حتى لمرحلة التقاط الأنفاس مهما كانت الأنفاس عميقة … في اصل مبررات او مسوغات الهجوم او الضربة الأسرائيلية الأولى وما جرّته بعدها , فلا يتجاوز خطراً افتراضياً اومحتمل لإنتاج ايران لقنبلةٍ نووية مفترضة , حيث حكومات تل ابيب تنظر الى المدى البعيد بما يتعلّق بأمنها القومي , ومن الطبيعي او ما يفوقه هو انعدامٌ كلّي لأيّ خطرٍ من جانب طهران تجاه اسرائيل في لحظة اوساعة الهجوم الأسرائيلي ( بغضّ النظر عن انّ نتنياهو يستغل ويستثمر وحتى يبتكر ايّ حدثٍ لإطالة عمره السياسي في السلطة ) .
الخطر الستراتيجي الملموس اسرائيلياً اضحى وامسى يتمثّل بالقُدُرات الصاروخية الإيرانية التي كانت تطلق صواريخها من انحاءٍ جغرافيّةٍ من الخارطة الإيرانية ” ولا نشير هنا الى اعداد وانواع الدرونز ” , والتي باتت وما انفكّ ذلك يؤرّق رؤى تل ابيب الى اقصى الحدود , ويشكّل تهديداً فعلياً لأمنها القومي , ولا تتحمّل اسرائيل بقاء هذا السلاح في ايدي ايران < قد تكفي الإشارة هنا أنّ العراق اطلق 39 صاروخاً على اسرائيل في حرب عام 1991 , وافرز ذلك على الفور بأنطلاق وشن غارات جوية امريكية – بريطانية على العراق ومنشآته على مدى 13 عاماً حتى جرى ايجاد الأرضية السياسية لإحتلال العراق في سنة 2003 وتفكيك الدولة العراقية برمّتها كيما لا تشكّل ايّ خطرٍ مستقبلي على اسرائيل , وهذا كان السبب الفعلي للإحتلال وليس مسألة الكويت التي انتهت في فترةٍ وجيزةٍ خلال ذلك العام .
الصواريخ البالستية الإيرانية ” والتي لابدّ لأيران من تحديثها وتطويرها ” الى جانب مساندة موسكو وبكّين الى ما هواقرب الى تحالفاتٍ سياسية – عسكرية ” وربما انضمام كوريا الشمالية بما هو أبعد واوسع وحتى باكستان ” كذلك في المدى المنظور وما بعده , فهو ما سيشكّل زرع البذور ” السريعة النموّ ” لحربٍ اخرى اكثرشراسةً وعنفاً لهذه الحرب , والتي سيكون فيها وقف اطلاق النار الحالي وكأنه لم يكن , وليس هشّاً فحسب .
الحديث هذا قد يغدو سابقا لأوانه مهما طال واستطال , لكنّ هذا هو صلب الموضوع , واوضاع المِنطقة معلّقة الى إشعارٍ آخر , والمتغيّرات الداخلية في تل ابيب وطهران ” الى حدٍ ما ” فهي تدخل او يجري ايلاجها في قائمة الحساب , وللمسألة تشعّبات اخرى على صعيد العلاقات الدولية ومتغيراتها .