23 ديسمبر، 2024 2:00 م

هزيمة الرجل الرابح لمحمد قاسم الياسري انطباعية التجربة وهامشية تقنية التاليف

هزيمة الرجل الرابح لمحمد قاسم الياسري انطباعية التجربة وهامشية تقنية التاليف

هل الكتابة الروائية عند مفاهيم ومؤشرات تحصيلية البعض من الكتاب، مجرد عبئ حياتي معاش، يستخلصة الكاتب في نهاية كل اختبار حياتي الى عمل روائي فاخر وجاد؟ ام ان الكتابة الروائية عند البعض مجرد انبجاس عن حمل معاش او رهان ثقافي يتعرض له بعض الكتاب في منتصفات نهايات تجاربهم الكتابية. وهذا لربما المعنى الاوحد الذي يجعل من الكتابة الروائية المعاصرة، تجري على ان تكون مجموعة(تجارب انطباعية) او مجرد ايهامات خالية تماما من مدروسية وموهبة وجدية الكتابة الروائية، فالكتابة الروائية تبقى لنا دائما هي المكان الذي نخشى الوصول اليه، حيث تبقى تشكل(مكان الغياب) ونهاية ميتافيزيقيا الحضور. من هنا قد يحق لنا مطالعة عوالم رواية(هزيمة الرجل الرابح) للكاتب الاستاذ محمد قاسم الياسري، حيث نلاحظ ومن الوهلة الاولى بان الياسري يوحي بعكس ماهو عليه(عنوان الرواية) من قصد ماهوي وتوظيفي، فهو يبني صيغة شديدة الابهام لعلاقة المشار اليه، فالزمن الكتابي لديه غائم ومتداخل احيانا في خطابية السرد المباشر، حيث يلاحظ القارئ بان النص الروائي(شبه عائم) لايحتكم الى سياق محطات وحدوية مقصدية ثابتة، أي ان ليس هناك اية علاقات زمنية متواشجة في جسد النص المكتوب، والى جانب هذا، فهناك تتواجد علامات شبه هامشية تقترب احيانا من كتابة نصوص المذكرات، تتعلق بزمن شخوص الواقع، لابزمن الرواية الحسي من الواقع، غير ان رواية الياسري في الوقت نفسه، قد تتفادى احيانا مرحلة الوقوع في(حلمية التسجيل) الروائي للتجربة المعاشة،ان هذا التفادي المحكم والذي يطبق نزوعا تاليفيا محسوبا يضع الرواية زمنيا على اعتاب سلم الكتابة الجادة، نحن اذن هنا حيال بنية اولية للكتابة الروائية، تعمد الى تثبيت الزمان الواقعي المعاش بربطه في مساحة مكانية تحت وسقف سردي ذات نكهة حكائية، ومع ان الزمن يمر في الرواية بوضوح، ويؤدي الى تغيرات ملموسة في الشخصيات والمواقف والمصائر، بما يخفف من درجة غنائيتها التسجيلية، الا ان نسبة التعارض تبقى شاخصة بين الماضي والحاضر والمستقبل، لاتبدو فيها بالقدر الملائم لايقاع التجربة العلمية المعاشة، انها تكاد تدخل في روعنا ان عجلة الزمن لاتدور، والسبب في ذلك – بطبيعة الحال- هو الموقف العيني للكاتب، فهو يستعجل الاحداث ببعد توصيفي وقبل ان تنضج على نار(المتخيل التقني). ان الياسري لربما كان يتمنى لعمله هذا ان يكون

بمثابة اضواء صوت الحرية الروائية التي تفتح كل دروب الاذهان والذائقات المستوعبة، ولا شك في ان كل عمل روائي لا بد ان يستجيب لمطاليب الاذهان والحريات القرائية الشاخصة، شريطة ان يمتلك كل مقومات وخصائص استراتيجية تكشف العمل المكتوب بكل وسائل الابداع التقني. تبقى هناك جهة هامة ولافتة في رواية الياسري، وهي امانة الايقاع الروائي لطبيعة الموضوعة التي راح الياسري يديرها بامانة كبيرة، وهي لربما ناجمة عن مدى اخلاص الكاتب في طرح قضية معاناة الفرد العراقي امام ظروف عصيبة قد عاشها ذلك الفرد :(بعد اغفاءة ربما كانت اطول من العمر، استيقظت عيناي تجوسان في ظلام الغرفة تتجنبان ضوء الفانوس النفطي المرتعش سهمت عند سماعي اصوات الريح المثقلة بحسرات عميقة صوت تأرجح المباخر النحاسية في مقام السيد مبروك قلبي ينبض ببطء متناغما مع الاصوات البعيدة.. ص41 ) تبقى عناصر الزمن في رواية الياسري تقدم اشكالية واضحة، لانها تتراوح بين المنظور التسجيلي للواقع المتخيل وما بين شرائط السرد البانورامي الذي يفترض السرد احاطة بازمنة مختلفة من الحاضر والماضي. اما في ما يتعلق بمنظور الرواية الداخلي , فيتم من خلاله طرح الزمن الحاضر واستحضاره وتجسيده داخل ثنايا السرد المغاير للاحداث الموصوفة، الامر الذي يسفر عن تباين خللا ما في نوعية منظور المتلقي الذي قد يصاب اخيرا بشئ ما من التوتر المبهم والاحساس بعدم التجانس وفي الاخير لا بد من القول الحق الى الاستاذ الكاتب محمد قاسم الياسري، بان عالم الكتابة الروائية ليست حكما للاستنطاق المنطقي، ولا مجالا لممارسة الشروح واستخدام المسميات الاصطلاحية التي لا تتعلق بحيثيات مفرده القاموس الروائي لامن بعيد ولامن قريب،كذلك ليست هي بالمجال التنظيري لعكس ثقافة الكاتب على لسان الشخصيات ،فكل هذا من شانه افساد لغة وتركيبة موقعية(القول السردي) كما من شانه من جهة تقديم مادة دخيلة وطارئة لاتذب ولا تتفاعل مع لسان وحال الحياة الروائية الجادة والجديدة .