من قال إن الأنبياء والرسل: إنما بعثوا لإنهاء المشكلة؟ في الواقع إنهم جاءوا بإشارات، ورسائل محددة تتعلق بالتوحيد والإصلاح والتغيير، ولكنهم لم يجبروا أحدا على إتباعهم ( من شاء فليكفر.ومن شاء فليؤمن).
قد يتوهم متوهم إن عصور الأنبياء هي العصور المثالية، ولكن الوقائع تشير الى غير ذلك. فمعظمهم عاشوا في ظروف غاية في التعقيد، وكانت نسبة الفقر والحرمان عالية، بينما ظواهر النفاق مستشرية، والظلم يشتد، ويستهدف المستضعفين الذين كانوا يلقون من الأنبياء المواساة، ولم يتغير حالهم تماما فالعدالة الإجتماعية، وتوزيع الثروات، وتحسين ظروف المعيشة، ونظام الحكم تحتاج الى مدى أوسع من المخصص للنبي والرسول، فهناك إمتداد زماني ومكاني قد لايتلائم والتعقيدات المحيطة بمسيرة كل واحد منهم، ولذلك كانت الحوادث والوقائع تشير الى إنهم بعثوا للتنبيه الى وجود الخالق، أما انظمة الحكم فهي شأن بشري يرتبط بثقافات الشعوب، وحاجاتها، ونوع القادة فيها المسؤولين عن وضع آليات الحكم الرشيد الذي يستلهم الأحكام الدينية، أو يضع القوانين وفقا لمعادلات يعتمدها العقلاء، والدليل: إن ثلاثة ارباع البشر عبر تاريخ الإنسانية الطويل يعيشون ويحكمون دون أن يؤمنوا بماجاء به أنبياء بعينهم. مايريده الرب يتميز بالوحدة الموضوعية: وهي أن البشر جميعهم في النهاية يعودون الى ذات القوة ويستسلمون لجبروتها، وهم يميزون بين الحق والباطل، وعليهم أن يتمسكوا بنظم العدالة.
في بلدان عدة هناك مئات ملايين البشر لايعترفون بوجود الإله الواحد، ومنهم من يتوسل بالأبقار والأشجار، ويقدس الأفعى والقرد والنار، ولكنهم يعيشون ويبحثون عن ذات الملاذات والطموحات التي يبحث عنها من يعيش بترف مادي، ويدعي انه مؤمن بالإله الواحد، ويمارس أشكال الملذات، بينما الفقراء الذين لايملكون قوت يومهم يهتمون ببعضهم، ويعملون بصدق دون أن يتنبهوا الى ماتبحث فيه الأديان الكبرى.
عظمة الإله الواحد تقتضي طي الأشياء وتفاهتها في مقابل تلك العظمة، ولعل اصدق وصف لذلك ماقاله الشاعر:
ألا كل شيء ماخلا الله باطل
وكل نعيم لامحالة زائل