23 ديسمبر، 2024 1:25 ص

هذه هي أمريكا بالحقيقة ومفهوم القوة والمذلة والمهانة للشعوب وزيف ديمقراطيتها البالية

هذه هي أمريكا بالحقيقة ومفهوم القوة والمذلة والمهانة للشعوب وزيف ديمقراطيتها البالية

تواجه الولايات المتحدة مصاعب أمام تحسين صورتها في العالم، حتى بعدما أشاعت تبنيها شعار الديمقراطية وحقوق الإنسان، حيث استمرت المشاعر المناهضة للسياسات الأميركية في مناطق مختلفة من العالم.

وقد أثارت استقالة كارين هيوز أكبر موظفة في الخارجية الأميركية مسؤولة عن تحسين صورة بلادها، تساؤلات عن فرص نجاح واشنطن في مساعيها الدعائية، لاسيما مع استمرار الأزمات في العراق وأفغانستان، وفشل جهود السلام في الشرق الأوسط، وتداعيات الحرب على ما يسمى الإرهاب، إلى جانب قضايا أخرى مثل أزمة المناخ والفقر في العالم.

منذ تأسيس الولايات المتحدة الأمريكية كدولة وكيّان بعد إبادة دمويّة مطلقة للهنود الحمر السكان الأصليين في أمريكا و مفهوم القوّة هو أبرز رقم في معادلة السياسة و تركيبة القرار الأمريكي , وفي مفردات الثقافة الأمريكية أنّ هذه القوة ضرورة ومشروعة لبسط سلطة العدل و محاربة الأشرار طبعا العدل على المقاس الأمريكي والأشرار الذين يصنفهّم العقل الأمريكي في خانة الأشرار , وجذر هذه التركيبة الفكرية يعود إلى شعور الإنسان الأمريكي المحتل والمستعمر لأمريكا بعقدة الذنب تجاه إبادة مطلقة للهنود رجالا ونساءا وشيوخا وشبابا , وتكفيرا عن الجرائم الفظيعة في حق الهنود الحمر أوجد الأمريكان الجدد منطلقا فكريا لإجرامهم وأعتبروا بذلك الخير شرا والشر خيرا , وهذا ما يفسّر إعتبار أمريكا نفسها على حق دائما وتعتبر إرسال جحافلها العسكرية إلى القارات الخمس في آسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية وكوبا وأوروبا من باب الإنتصار لما تراه خيرا و خدمة للإنسان , ولعلّ أفضل من وصف الشخصية الأمريكية الإستعماريّة هو سيمون بوليفار أحد أبطال محاولات الإستقلال في أمريكا اللاتينية في أواسط القرن التاسع عشر والذي قال : يبدو أنّه كتب على الولايات المتحدة أن تقوم بتعذيب وإذلال القارة بإسم الحريّة

وفي كتابه الشهير الديموقراطية في أمريكا والذي ألفّه في سنة 1840 قال توكفيل : إنّي لا أعرف شعبا يحتّل فيه حبّ المال حيزا كبيرا في قلوب الناس أكثر من هذا الشعب الأمريكي شعب يشكّل تجمعا من المغامرين والمضاربين . وتوكفيل الذي ولد في سنة 1805 وتوفيّ سنة 1859 هو كاتب وسياسي فرنسي , درس في الولايات المتحدة الأمريكية وعاد إلى فرنسا بكتاب الديموقراطية في أمريكا حيث عينّ في فرنسا وزيرا لخارجية فرنسا

هذه الشهادات وغيرها كثير و التي واكبت إنطلاقة أمريكا تؤكّد أنّ القوة هي السمة البارزة في السياسة الأمريكية ولم تتغيّر هذه السياسة بتاتا وتكفي قراءة متأنيّة لما كتبه نعوم شومسكي وروجي غارودي وجاك تني وبول فندلي عن أمريكا اليوم لإكتشاف أنّ أمريكا اليوم هي إمتداد لأمريكا القديمة التي قامت على أنقاض جماجم الهنود و غيرهم

وقد لا يكون من باب الصدفة ولع كل الرؤساء الأمريكيين الذين توالوا على الحكم في أمريكا على مشاهدة أفلام الغرب الأمريكي وأفلام رعاة البقر الذين يلاحقون الهنود الحمر ويشنقونهم ويتلذذّون بشنقهم , و في كتابه إيديولوجيا وإقتصاد قال نعوم شومسكي أنّ بنيامين فرانكلين أبو الأمة الأمريكية وبإسم التنوير طرد السكان الأصليين كي يفسح المكان لأمته

وعلى إمتداد مسلكيتها السياسيّة تحالفت أمريكا مع محاور الشر والقوة وتعذيب الآخرين تحالفت مع الفاشيّة الإيطاليّة وقد وصف السفير الأمريكي في روما بإيطاليا عام 1922 الفاشية بأنّها الثورة الشابة والجميلة ومسحت مدينة هيروشيما اليابانيّة يوم 02 أوت – أغسطس 1945 بفعل قنبلة نووية أمريكية من الخارطة اليابانيّة , وفي الداخل الأمريكي قامت منظمة كولكس كلان الأمريكية بالدفاع عن سيادة الإنسان الأبيض وألحقوا أفظع الأضرار بالإنسان الأسود والذي كان الأمريكان يقومون بسرقته من براري إفريقيا ويبيعونه في أسواق النخاسة في الولايات المتحدة الأمريكية , وما زال السود محرومون من العديد من الإمتيازات السياسيّة وعلى رأسها رئاسة أمريكا نفسها. لقد أدى إعتماد أمريكا على مبدأ القوة وبالمناسبة فهذا عنوان لكتاب وهو أمريكا ومبدأ القوة وضعه مستشار الأمن القومي الأسبق زبغينو برجنسكي , إلى تكريس هذا المبدأ في السياسة الأمريكية , حيث كلما كانت الإدارة الأمريكية تخيّر بين حلّ سياسي وديبلوماسي وحلّ عسكري أمني قمعي كانت تختار الحل العسكري القمعي والأمني وقد أحصى الباحثون العسكريون مئات التدخلات العسكرية الأمريكية في القارات الخمس , والتي كانت تؤكّد أنّ واشنطن مصابة حقيقة بداء الشيزوفرانيا السياسة فهي تدعو إلى دمقرطة العالم وتنصّب حكاما عسكريين , و تدعو إلى حكم الشعب والجماهير وتعيّن حكاما تابعين لها رغم أنوف الشعوب وإرادتهم وتطلعاتهم , تدعو إلى حكم الأغلبية و تكرّس حكم الأقليّات , تدعو إلى إحترام الخصوصيّات وتعمل على وأد الخصوصيّات من خلال عولمتها وكوكبيتها وسيطرتها على مقدرات العالم

وعلى الرغم من أنّ مبدأ القوة الذي كانت إعتمدته واشنطن منذ تأسيسها قد جلب لها الكثير من التقهقر والتراجع إلاّ أنّها ماضية في مسلكيتها القائمة على منطق إستعباد الشعوب وقد إزدادت تجبرا بعد إستفرادها بصناعة القرارات العالمية والمفارقة الكبيرة هي أنّ أمريكا لا تريد على الإطلاق إجراء مراجعة لسياستها الخارجية القائمة على مبدأ القوة رغم ما ألحقته من أضرار بالشعوب في أمريكا اللاتينيّة و القارة الأسيوية في الفيتنام وغيرها و في القارة الإفريقية في الصومال وتوابعها وأخيرا في عالمنا الإسلامي فلسطين حيث الدولة العبرية تحارب بأسلحة أمريكية متطورّة الشعب الفلسطيني الأعزل و الشعب اللبناني العملاق و في أفغانستان و العراق

ومبدأ القوّة الأمريكي سيدخل الإدارة الأمريكية في منعطفات خطيرة ينبئ ببداية التراجع الأمريكي خصوصا وأنّ واشنطن المنبهرة بقوتها وزعت قواتها في القارات الخمس وفتحت جبهات متعددة في العديد من المواقع الجغرافيّة الأمر الذي يؤشّر إلى بداية التفكك وقد تلتهم هذه القوة الأمريكية التي قامت على أساس الجبروت بإبتلاع نفسها وتلك سنّة الله في الخلق حيث قد تكون بداية السقوط في أوج القوّة كما تؤكّد حركة التاريخ

أمريكا أو بالأخص الرئاسة الأمريكية تغطي على صورتها السيئة في العالم بفعل معاكس وهو تشويه صورة من تعتدي عليهم, فبنظري الرئاسة الأمريكية ملزمة بتحسين صورتها عند شعبها فقط ولا يهمها كثيراُ تحسين صورتها عند الشعوب الأخرى والدليل على ذلك انه لو تريد تحسين صورتها عند الشعوب الأخرى لما فعلت ما تفعله وما فعلته من خراب وتدمير وتشريد.. الخ.

فمثلا قبل بضعة أيام شاهدت على قناة الفوكس (FOX) الأمريكية تقريرا عنوانه “رجل دين مسلم يفسر كيف يضرب المسلم زوجته” طبعا بالتقرير القناة بثت تسجيل رجل دين سعودي وهو يفسر للشباب ضمن برنامج للشباب كيفية التعامل الأسري ومنها كيفية تعامل الزوج مع زوجته في حالة عصيانه ويفسر كيف على الزوج اولأ تنبيه زوجته وإذا لم ينفع التنبيه عدم مضاجعتها وإذا لم ينفع ذلك أيضاً فضربها بقشة على يديها ضرباً غير مبرحاً وهو للتوبيخ فقط لا للضرب. طبعا القناة ضخمت الموضوع وفسرت كلام رجل الدين تفسيرا خاطئاً وما يلائم عنوان التقرير ليلائم ما يريدونه وهو تشويه صورة المسلمين. وذلك الخبر طبعا سيبرر للمواطن الأمريكي نوعا ما حرب بلاده على الإسلام. ومن هنا يأتي أيضا تشويه الرئاسة الأمريكية صورة إي بلد التي لها مصلحة ضدها. والشعب الأمريكي هكذا مؤسس ليصدق ما تقوله أخبار بلاده.

برأيي الحياة الأمريكية أو الغربية هي نوع جديد من نظام أقطاعي لا أخلاقي يعيش فيه الشعب برفاهية ولكنه عبد لأصحاب رؤوس الأموال غبي بالسياسة ولا يهمه التفكير بأي شيء, همه العمل 12 ساعة باليوم حتى يستطيع تسديد ديونه التي تدينها ليواكب الحياة التي بالأساس لا جوهر فيها.

طبعا بنظري هذا هو نموذج الشعب الأمريكي ولكن يجب أن أقول أن أمريكا مليئة بأشخاص يعرفون الحقيقة وهم أصدقاء للجميع, ولا ننسى فضل العلماء الأميركيين في العلم وما جلبوه ليخدم الإنسانية.

أني أرى في أميركا صورة الدمار، أتخيلها في القنابل النووية التي ألقت على اليابان، أراها العصي والجلاد، أراها الكلب الذي يلهث لافتراس، أنها كتمساح تشم الدماء . أن أميركا هي أساس الشر .وأساس الدمار أساس الانصهار الحالي، كلما حطت في مكان فعلم وتيقن أن هناك سيحل الدمار. لأنها لم تصل للان إلى بعض المناطق فإننا لا نسمع أسمائها في الأخبار فبمجرد أن تسمع اسم إقليم أو بلد في الأخبار ثق أن أميركا وصلت إليه.

أميركا هذه كآلافه التي تنتشر في العالم . حطت في أفغانستان فعاثت فسادا رحلت إلى العراق فولدت الفوضى، حطت في لبنان أولدت الفرقاء نظرت إلى السودان زادتهم جوعا وفي فلسطين تغذي الذئب ليفترس النساء والأطفال ناهيك عما تفعله في أوروبا الشرقية من انتفاضات بأمر المال والحصارات الاقتصادية على الدول الممانعة أنها الشيطان الأكبر فلم يبالغ السيد الخميني (قده) عنها.

صورة أمريكا عند المواطن المسلم البسيط هي: دولة ظالمة طاغية تستخدم قوتها العسكرية الهائلة لنهب ثروات البلاد مخطئ من يقول بأن الإدارة الأمريكية تتعامل حسب مصالحها، إنها تتعامل وفقاً لمصالح اللوبي اليهودي الذي يمتلك مفاصل السيطرة على كافة مراكز صنع القرار السياسي والاقتصادي .

ثمة تساؤل برئ قد يخطر ببال المواطن البسيط: هل مصلحة أمريكا مع أكثر من مليار مسلم يحتلون أفضل المواقع الإستراتيجية بالعالم ويمتلكون معظم الاحتياطي العالمي للطاقة ويشكلون سوقاً واسعة لا يمكن لأحد الاستغناء عنها أو تجاهلها؟ أم أن مصلحة أمريكا مع تسعة ملايين يهودي يكلفونها عرقاً وجهداً ومالاً لا يحصى وسمعة سيئة لا تضاهيها سمعة أبشع الإمبراطوريات البربرية على مر التاريخ؟

طالما تصر الإدارات الأمريكية المتعاقبة على مر الأزمان على تغليب مصلحة الأقلية الصهيونية على مصالح الشعب الأمريكي والشعوب المسلمة وكافة شعوب العالم الباحثة عن الانعتاق والحرية، فإن صورة الأمريكي البربري القاتل الذي ينشر الموت في كل الجهات ستظل هي الغالبة على أذهاننا وواقعنا إلى أن يتم اتخاذ خطوات من شأنها تصحيح ذلك عملياً وليس إعلامياً.

إن السؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح هو: ماذا تفعل أمريكا من أجل تحسين صورتها في العالم؟ لقد أصبحت أكبر قوة عسكرية واقتصادية في العالم جسما تتخبطه الروح الصهيونية كما يتخبط الشيطان جسم الإنسان من المس. لم يعد الشعب الأمريكي يقرر مصيره بنفسه بعد أن أصبحت إدارته ومؤسساته الكبرى السيطرة الكاملة للمتطرفين الموالين للدولة الصهيونية. وعوض القيام بعمل ما ملموس ولو بسيط من أجل محاولة ذر الرماد في عيون الشعوب المتضررة من سياستها نجدها تعين أشخاصا من أجل تقديم الكلام المعسول لا غير. فلا غرابة أن يستقيل كل من عين في مثل هذه المسؤولية إن كان له مثقال ذرة من عقل.

موضوعنا وهو صورة أمريكا في العالم فهو أكبر من أن اكتب فيه أو اعبر فيه عن رأي العالم فأنا جزء من هذا العالم ومع ذلك لا يمنع من أن اعبر عن رأيي الشخصي في هذا الموضوع. والحقيقة أن صورة أمريكا في العالم هي تنقسم إلى قسمين – إن جاز التعبير- وهي صورة النظام الأمريكي المتمثلة في شخص رئيس أمريكا ومن جهة أخرى صورة أمريكا المتمثلة في الشعب الأمريكي وفئات المجتمع المدني في أمريكا.

أما صورة النظام الأمريكي المتمثل في الرئيس الأمريكي فهي صورة سلبية جداً وقد تشوهت هذه الصورة وزاد التشوه فيها في السنوات الأخيرة نتيجة للهمجية والغوغائية التي نهجها الرئيس الأمريكي ليس في المنطقة العربية فحسب بل في العالم أجمع والتي بدورها أعادت إلى الأذهان أفلام رعاة البقر الأمريكية أو ما يسمى بالكابوي، والتي إن دلت على شيء فإنما تدل على سياسة القتل والتشريد لأنها تحتكم إلى شريعة الغاب والتي يؤكل فيها الضعيف ويسود فيها القوي ويتم فيها إخضاع كل الأطراف لحكم القوي عادلاً كان أم ظالما.

هذه السياسة ظهرت في السنوات الأخيرة في أبشع صورها حيث رجل الكابوي الأمريكي يمتطي جواده ويغزو العالم ويقتل ويشرد تحت اسم الديمقراطية والعدالة والحرية.

أما الصورة الأخرى وهي صورة الشعب الأمريكي وفئات المجتمع المدني فهذه الصورة لا شك فيها الجيد وفيها الخبيث ولكن فيها الكثير من الايجابيات فلا أحد يستطيع أن ينكر دور الأمريكان في العلوم والتكنولوجيا الحديثة: تكنولوجيا المعلومات والتكنولوجيا الطبية وغيرها الكثير من العلوم التي ساهمت في تطور البشرية وتقدمها ولا ننسى كذلك دور المؤسسات التعليمية في أمريكا في تأهيل الآلاف من الكوادر في شتى أنواع العلوم في شتى بقاع الأرض، فهذه الصورة لا يمكن إنكارها وهذا الدور الأمريكي لا يمكن إنكاره ولكن الفضل فيه يعود إلى الكفاءات الأمريكية وفئات العلماء والمفكرين وهم – من المفترض- أن يكونوا بعيدين كل البعد عن السياسة الأمريكية التي تهدم كل ما يبنى من حضارة على وجه هذا الكوكب.

أن الأمر الوحيد الذي ربما يحسن صورة أمريكا أمام العالم الثالث هو أن تقوم بعكس الدمار الذي تسببت به لهذا العالم.

يجب عليها إخراج اليهود من فلسطين المسلمة وإعادة اللاجئين الذين طال انتظارهم للعودة. يجب عليها إعادة النظام والعمار لبلاد الرافدين وإزالة كل بذور الشقاق التي انتثرت على التراب الوطني هناك. كما ويجب عليها أن تعيد للأفغان حياتهم الطبيعية التي ارتضوها لأنفسهم دون التدخل بشؤونهم الداخلية.

ولا بد لها من التخلي عن مساندة الأنظمة الدكتاتورية التي طال ظلمها معظم مواطنيها. ويجب عليها عدم التدخل في شؤون العالم الأفريقي خصوصا في السودان والصومال. يجب عليها إطلاق سراح جميع المعتقلين في غياهب سجونها سواء على أرضها أو في غوانتانمو وتعويض جميع الأبرياء بما يتناسب مع مقدار الظلم والعذاب الذي تعرضوا له.

الحقيقة أن المجال لن يتسع لذكر كل الأمور التي يجب على أمريكا إصلاحها من أجل تحسين صورتها.

لم تزل في أذهاننا الصور المريعة التي تعامل فيها الجيش الأمريكي في العراق خصوصا في الفلوجة وحادثة وأبو غريب وقتل المدنيين بشكل جماعي والاعتداء الجنسي على المعتقلين في سجن أبو غريب.

تلك الصور تطورت عن اللقطات في الأفلام الوثائقية التي عرضت عن البشاعة في اضطهاد الفيتناميين التي حدثت في الماضي.

فلم تبرح الصورة النمطية عن الهمجية الأمريكية في التعامل مع الشعوب الأخرى تراوح مكانها، ولن نستطيع أن ننسى كل هذه الأمور.

صورة أمريكا تغيرت ولن تصلح هيوز ولا غيرها ما أفسدته وزارة الخارجية الأمريكية ولا الأيادي الخفية لجهاز الاستخبارات الأمريكية التي أنشأت السجون السرية، الخطف وتصفية الأشخاص.

الاقتصاد الأمريكي ببذخه لشعبه ومصه لدماء الشعوب الفقيرة المحطمة، واستغلاله لكل الثروات الطبيعية عند الدول الفقيرة وسرقة النفط من العراق، إلا أن مساعداته قليلة لباقي شعوب العالم.

وفي الجلسة التي عقدتها لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ صباح يوم الجمعة 22 يوليو (تموز)

ذكرت هيوز في شهادتها: “إنني أعتقد أنه ليس هناك تحد أكثر أهمية بالنسبة لمستقبلنا من الحاجة الملحة لدفع الفهم الأكبر والاحترام الأكثر والإحساس بالمصالح المشتركة بين الأمريكيين والشعوب في كافة الدول والثقافات والمعتقدات في العالم….”.

هذا هو إدراكهم عن سمعتهم السيئة في العالم واستقالة هيوز تعني فشل أمريكا أولا في تحسين صورتها ومحو الصور النمطية عن زيف ديمقراطيتهم وعن سلوكهم السيئة تجاه باقي شعوب العالم.

الولايات المتحدة لا يهمها إن أحبها أو كرهها العرب. بل وفي الحقيقة الولايات المتحدة لا تفكر في إن أحبها أو كرهها العالم، المهم لدى أمريكا هو توفير كل ما يستلزم في سبيل مستقبل أمريكا.

طبعاً أنا كانسان افتخر عندما أرى بلدي تتفانى في سبيل توفير الحماية والأمن وكل ما يلزم في سبيل توفير حياة أفضل وأحسن وأجمل ولكن هذا لا يجب أن يكون على حساب الشعوب أخرى.

الولايات المتحدة قد أسرفت في استخدام قدراتها في تسهيل خيرات شعوب في تطويرها ورقيها نحو الأفضل وفي ممارسة مختلف أنواع الضغوط لتسيير إرادتها

ولكن في نفس الوقت لا ننكر أن الولايات المتحدة لها أفضال على العالم في محاولات القضاء على الإرهاب في العالم ولكن كان يمكن لها أن تحل الكثير من تلك النزاعات دون الخوض لحروب طويلة الأمد والتسرع في اتخاذ بعض الحلول لمسائل كان بالإمكان التريث في إيجاد حلول لها والتي لم تنتج في النهاية سوى الخراب والهلاك في الروح والخسائر الفادحة في الأموال.

كما شاهدت وسمعت فإن العرب بصورة عامة لديهم حقد على السياسة الأمريكية وعلى الشعب الأمريكي. رغم أن الشعب الأمريكي لا يعرف على سبيل المثال أين يقع العراق على الخارطة.

الأمر الذي شجع من هم ضعفاء النفس في تحليل أمور التي لا يمكن تحليلها مثل القتل الجماعي واستهداف المواطنين الأبرياء في أي مكان.

مما سود سمعت العرب على الخصوص في دول العالم وأصبح العرب في نظرت العالم مثال للإرهاب والتخلف والقتل، ساعدت في ذلك الفقر والجهل المستشري في الدول العربية الذي كان في مثابة ختم على تلك الرسالة المزيفة.

إن ما تجنيه الولايات المتحدة من خسائر مالية واقتصادية وأرواح أبنائها هو مما فعلته بيدها ويتحمل مسؤوليته الساسة الأميركيون ولكن ليس الشعب الأمريكي. وما أن ينجلي هذا الطبق السياسي من المائدة سيأتي طبق جديد نتمنى أن يكون أفضل من سابقة لأنه كان شديد المرارة سيئ الطعم في مذاق الأميركيون أنفسهم وفي مذاق العالم اجمع.

أنا اعتقد أن فهمنا للسياسة الأميركية وأمريكا سطحي واعتقد أن أمريكا تعرف ذلك. لا اعتقد أيضا انه يهم أمريكا كثيرا هل نحن نحب أمريكا أم نكرهها مادام هذا الأمر لا يضر بالمصلحة الأميركية الكبرى في منطقه الشرق الأوسط. الولايات المتحدة الأمريكية تنطلق من حقيقة أننا شعوب عاطفية وتستطيع أن تتعامل معنا ضمن هذا الإطار العاطفي، ومادمنا نتحرك ضمن عاطفتنا وبعيدا عن الفكر السياسي والاستراتيجي فهذا شيء تستطيع أمريكا أن تتعامل معه.

انأ مختص بالسياسة الأمريكية وتعمقت كثيرا بهذه السياسية وقرأت الكثير من كتابات الباحثين العرب حول السياسة الأمريكية ولكن للأسف الشديد معظم هذه الكتابات تؤكد ما كتبته في هذا التعليق. أمريكا تملك مقياس من الأدنى إلى الأقصى وهي تقيس ردات تأثير العرب على مصالحها ضمن هذا المقياس واعتقد بان العرب لازال تأثيرهم على المصالح الأمريكية في حده الأدنى. ولهذا السبب أمريكا لا يهمها حب العرب أو كرههم لها. وبالجهة المقابلة لو كان تأثير العرب قريب من الحد الأقصى على السياسة الأمريكية أحبها 100% من الشعوب العربية فأنها ستحسب ألف حساب لهذه المنطقة وذلك لان مصالحها ستكون في خطر فعلي.

إخواني وأخواتي الكرام، واهم من ظن أنه سوف يجنى بعض المكاسب من محاولة تحسين الولايات المتحدة لصورتها في العالم، ولنسأل أنفسنا أين صدام حسين الآن وقد كان من أفضل حلفاء أميركا في المنطقة بعد إسرائيل والمملكة العربية السعودية؟ وماذا جنى العراق جراء علاقته بأميركا، وماذا جنت بقية الدول العربية سوى مزيد من الخضوع للإرادة الأميركية فيما يتعلق بأمن إسرائيل الذي لن تتوانى أميركا في فعل أي شئ في سبيل تحقيقه وذلك ببساطة لأن السياسة الخارجية الأميركية ترسم في تل أبيب، حتى أن المواطن الأمريكي تم إلهائه بالحياة الأمريكية التي تتدرج من الرفاهية إلى ثقل الديون بحيث أنه لا يهتم ولا يفكر في السياسة الخارجية الأمريكية ناهيك عن صورة أمريكا في العالم. ولكي نكون أكثر وضوحاً أرجو من الجميع محاولة حضور الأفلام الوثائقية في قناة الجزيرة وخاصة يوم 14 القادم والخاص بصورة العرب في السينما الأميركية.

إنها دعوة لمحاولة خلط الأوراق على السياسة الأمريكية كما فعل السودان بعلاقته المتطورة مع الصين والتي دفعت بالأخير للتهديد باستخدام حق النقض “الفيتو” في قضية دارفور مما شكل تحذيراً للولايات المتحدة.

وبذكر الفيتو فقد استخدمت الولايات المتحدة حق الفيتو 40 مرة لصالح إسرائيل منها -ويا للغرابة- حقا لنقض الفيتو ضد توجيه الانتقاد لإسرائيل لقتلها موظفين تابعين للأمم المتحدة؟ علاوة على أنها قد استخدمت حق الفيتو 53 مرة لتعطيل قرارات لمجلس الأمن الدولي وسوف لن تتورع عن استخدامه، فهل هذه دولة تسعى لتحسين صورتها ؟

إخواني وأخواتي الكرام، محاولة الولايات المتحدة تحسين صورتها ما هي إلا ذريعة لبسط نوع جديد من النفوذ على العالم وهو أمر تتطلبه المرحلة والتي تتمثل في ظهور قوى قديمة متجددة منافسة مثال الصين وروسيا التي تحاول أن تعيد دورها إلى جانب الاتحاد الأوربي الذي يحاول أن يلعب دوراً ما حيث أن الولايات المتحدة سبق ولها وأن هددته اقتصادياً فيما يعرف بحرب الفولاذ.

نعم تواجه الولايات المتحدة الأمريكية اليوم مصاعب جمة وعقبات ليس من السهولة بمكان تجاوزها عندما يأتي الحديث عن الصورة شكلا ومضمونا. فمنذ أن صعد هذا البلد بعد الحرب العالمية الثانية، وصار قطبا يتجاذب الآخرين وينجذب نحوه الآخرون والجدل حول الصورة يشوبه الكثير. فالضربات الموجعة التي سددتها أمريكا لليابان وعلى وجه الخصوص ضرب السكان المدنيين في ناكازاكي وهيروشيما لا تكاد تنسى، بل لا ولم ولن تنسى، خاصة وأن الأسلحة الذرية قد استخدمت في تلك الضربات، وهو بالحدث التاريخي الذي ما زال يلاحق السياسة الأمريكية وشرفها العسكري.

أمريكا لن تنجح في تحسين صورتها أمام الرأي العام العالمي، وذكريات الضربات الإستراتيجية فوق رؤوس الألمان ما زالت حية شاخصة في الذاكرة؛ فما حدث في حينه يتنافى مع أساسيات الديمقراطية وأساسيات رعاية حقوق الإنسان، وزاد الطين بله الحرب الكورية والحرب في فيتنام، والتلاعب في مسار حياة ومصير الشعوب والأمم المستضعفة في الأرض، كما حصل وما زال يحصل مع الفلسطينيين واللبنانيين وغيرهم.

وكان ما كان من أمريكا في حرب الخليج الأولى والثانية، ففي الأولى هي من أشعل النار في المنطقة، وهي من أوقد تحتها لتستمر ثمان سنوات، ثم كان طعم الكويت لصدام وطغمته، ومن ثم حصار العراق وقتل شعبه وأطفاله بلا مواربة وبلا رحمة.

وجاء زمن التراجع والانحطاط، فكان الغزو والفتك بالمدنيين الأفغان والعراقيين وما زال الحبل على الجرار، والذريعة هي نشر الحرية والعدالة والمساواة ومحاربة الإرهاب والإرهابيين

من يقتل نفسا بغير حق إرهابي، فما هو حال من يقتل ألفا؟

من يدمر بناية هنا أو هناك إرهابي، فما هو حال من يدمر قرى ومدنا ودولا؟

من يخطف رهينة هو أيضا إرهابي، ولكن ما هو حال من يرتهن شعباأمج الإرهاب وأكرهه، وأمج واكره من يروج له، لكن كيف لي أن أقتنع بأن الولايات المتحدة الأمريكية تحارب الإرهاب والإرهابيين وهي من يقتل الآلاف هنا وهناك، وجيشها (النموذجيّ) يدمر القرى والمدن على أهلها في العراق وفي أفغانستان، بل ما زالت ترتهن مصير شعوبا وأمما وترتهن مستقبلها؟ كيف لي أن اقتنع بديمقراطية دولة وهي من يدعم الدكتاتوريات والأنظمة القمعية كما هو الحال في باكستان؟

كارين هيوز لم تعد تحتمل تجميل صورة بلادها في العالم بعدما سقط القناع عن ذلك الوجه البشع الذي تخفيه أمريكا وراء دعواتها المضللة والكاذبة والمغلوطة، تارة باسم الديمقراطية وتارة أخرى باسم حقوق الإنسان.

لقد استقالت صاحبة الوجه الجميل يأسا وقنوطا، بل هربا من بيت سيدها الأبيض الذي لطخته أيادي الظالمين والعتاة واللصوص والمجرمين، كيف لا وهم قتلة الأرامل واليتامى والأطفال في العراق وفي غير العراق؟

وستبقى صورة هذا البلد العملاق مهزوزة في الضمائر والنفوس ما بقي القائمون عليه يمارسون الظلم بعنجهية وغرور.

لقد صار الأمريكان يكرهون بلدهم أكثر من غيرهم، والسبب هو التنطع والتعنت وإشعال الحروب وسياسات قهر الشعوب.

على أمريكا فيما إذا أرادت أن تحسن صورتها في العالم أن ترحم أبناءها أولا، وأن ترحم أبناء الشعوب الأخرى، فرحمة النفس أولا، ومن ثم رحمة الآخرين هي ما يضمن جمال السيرة والصورة؛ لا الهبات، ولا المنح ولا العطاءات والمساعدات الزائفة، التي تقدم للشعوب بيد ويبطش بها وبأبنائها باليد الأخرى!

لا يمكن أن تنجح الولايات المتحدة في تحسين صورتها في العالم مهما فعلت طالما أنها تضمر كل هذا الحقد والعداء لكل شعوب الأرض. طالما أنها تشن الحروب وتعيث فساداً وتدميراً وتقتيلاً أينما حلت وكيفما شاءت. كيف يمكن أن تتحسن صورة أمريكا لدى المواطن العربي مثلاً طالما أنها تواصل دعم ومساندة العدو التاريخي للعرب، إسرائيل، التي تحتل الأرض العربية وتشرد وتقتل الفلسطينيين واللبنانيين بأسلحة أمريكية وبدعم أمريكي مطلق لا حدود له؟ كيف تتحسن صورة أمريكا وهي التي احتلت العراق ودمرته وأعادته إلى العصور الحجرية وقتلت مليون ونصف المليون من أبنائه لا لشيء إلا لإرضاء إسرائيل ولإبقائها القوة الوحيدة في المنطقة. دون أن ننكر أطماعها في ثروات العراق. أمريكا قامت على إبادة السكان الأصليين، الهنود الحمر، وتاريخها هو تاريخ الحروب ضد شعوب الأرض. أكثر من ثمانين حرباً شنتها خلال المئة عام الأخيرة، قتلت فيها الملايين من أبناء البشر. حتى الكوارث الطبيعية من فيضانات وأعاصير تقف ورائها أمريكا، فهي رفضت التوقيع على معاهدة كيوتو للحد من انبعاث الغازات التي تدمر طبقة الأوزون وتتسبب بكل هذه التغيرات المناخية التي تجلب المزيد من الكوارث على شعوب الأرض. أمريكا هي الطاعون والطاعون أمريكا. بل أمريكا هي كل الأمراض وكل الشرور. وكل الأمراض وكل الشرور هي أمريكا.

الولايات المتحدة مهما حاولت كلا لن تنجح من تحسين صورتها في العالم وخاصة تحت رئاسة بوش وزمرته ثم كيف؟ لم يعد هنالك مكانا للصلح مع هذه الشعوب التي أساءت إليها, فإذا الموءودة في العراق, في أفغانستان في باكستان, في فلسطين, في السودان ودارفور, سئلت بأي ذنب قتلت فإنها تجيب قتلني بوش بلا ذنب, بدم بارد. حجج وأكاذيب اختلقتها الاحتلال في تلك البلاد والهدف هو الاستيلاء على ثروات هذه الشعوب ونهبها مرة بحجة أسلحة دمار شامل ومرة القاعدة. يا بوش تنصب نفسك حامي للديمقراطية من خولك هذا الحق أترك هذه الشعوب بدون ديمقراطية. أمريكا أصبحت تتدخل في الشؤون الداخلية لدول كثيرة في العالم وتتصرف كمن في رأسه صرع تدوس كل شيء اسمه حقوق إنسان تريد أن تبتلع العالم بأسره حتى حلفائها من الدول الأوروبية وحتى روسيا التي وعلى ما يبدو بدأت تستفيق، قلبت موازين الأعراف الدولية ما تراه هي هو الحق وأما ما يراه غيرها فهو باطل، الدفاع عن النفس ضد الظلم هو إرهاب وأما الاحتلال وأكل الحقوق فمشروعة وكل من ليس معها فهو عليها وهو إرهابي. ألا يكفي مثل هذا التصرف مع الشعوب أن يملأ القلوب بالحقد الأسود الذي من الصعب أن يصفو فكيف إذن تنجح؟