قبل أيام قام بابا الفاتيكان فرنسيس بزيارة للعراق استمرت ثلاثة أيام بدعوة من رئيس العملية السياسية للمنطقة الخضراء برهم صالح. وحسبما ترشح من المصادر الإعلامية فأن سبب الزيارة هو لإعادة أملاك المسيحيين العراقيين المستلبة والمغتصبة من الأحزاب الحاكمة وميليشياتها والطلب منهم عدم مغادرة وطنهم وتحفيز المهجرين للعودة اليه، وهو ما يتمناه كل عراقي ممن سلبت واغتصبت املاكه لأنهم يعدون بعشرات الآلاف الأشخاص مسلمون ومسيحون تتلكأ حكومة الاحتلال ارجاع ما سرقته منهم بحجج ما انزل الله بسلطان لان من يضع يده على كل هذه الممتلكات هي الأحزاب وما يتبعها من ميليشيات تقرصن الشعب والعراق كله. ولم ينقطع ذلك في أي وقت بل يزداد ويتمدد مع تعاقب الحكومات، كما يجري ذلك تحت سمع وانظار دول الاحتلال وسفاراتهم وتحت سمع وانظار سفارة الفاتيكان وسمع وابصار الناتو الذي يقول جنراله ورئيس بعثته انهم مسؤولون عن تأمين العراق.
بدت زيارة الحبر الأعظم الذي يقول ان لديه خطا مستقيما هو طريق الإنسانية والاخوة والتسامح وليس طريق السياسة، منذ ان وطئت اقدامه المطار بلمسات مكملة لخطاب الاحتلال الأمريكي الأطلسي ومرافقة له. ما هو اكيد ان سفارة الفاتيكان في العراق قد وضعت برنامج الزيارة بالكامل وسلمته لحكومة الخضراء وكما صرح الاب رايان باكوس فالزيارة كانت مؤمنة بشكل كلي من الفاتيكان ونحن قمنا بدور بسيط جدا. بداية ، اذن لم تكن مراسيم الاستقبال الغريبة بمجموعة تلبس الزي البدوي وبالسيوف مراسيم عراقية ويمكن لطفل صغير ان يلتقط ذلك من الوهلة الأولى دون مشقة، هذا الاستقبال كان صادما للعراقيين وأثار استهجانهم لانه لم يحصل ابدا في كل تاريخ العراق الذي كان يستقبل زواره بشكل مدني ومعاصر، ان هذه المراسيم قد فصلت خصيصا وبدون أي شك ولا مؤامرة للأعلام الغربي الذي تقترن فيه صورة العربي بسيفه وزيه ، وهي الصورة النمطية السائدة والتي تسوق منذ قرن سواء في سينما هوليود ام في الحروب ام في الاعلام ام عبر المنظمات الإرهابية المفبركة من الولايات المتحدة والاطلسي في غزو العراق واحتلاله. ليس ذلك فحسب بل ان رغبة البابا بالقيام بالصلاة الابراهيمية يجمع فيها الديانات هي أيضا امر إشكالي، فليس هناك صلاة ابراهيمية بل هناك مشروع ابراهيمي للتطبيع، وقد عبر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ورابطة علماء المسلمين في المغرب العربي عن رفضهم لهذه الصلاة وليس هناك صلاة يؤم بها الحبر الأعظم باقي الديانات ولم يحدث في تاريخ الديانات ان قام أي راع للكنيسة بمثل هذه الصلاة! بل ان من الغريب ان تدبج فقرات حول تحويل مدينة اور الى مكان حج ومزار يدر أموالا هائلة ! فهل العراق مؤهل حاليا وهو تحت احتلالات وليس احتلال واحد فيه القتل دون حدود ويحتل منذ سنوات المركز الأول لأسوء بلد في العيش والفساد وغير ذلك !
اما مراسيم الاستقبال والزيارة للزقورة فقد تبين في يوم مغادرة البابا انها لم تكن منظمة من قبل الدولة بل من قبل شركة لبنانية لها علاقة برئاسة الوزراء، وقامت صاحبتها بوضع يدها على الكرسي الذي جلس علية البابا وهي فضيحة للحكومة امام الفاتيكان والعالم، كما ان الحكومة اختارت بالأسماء الشخصيات التي ستظهر في المشهد المرافق لما سمي “بالصلاة الابراهيمية” وفقا للمحاصصة التي تفرضها أحزاب المنطقة الخضراء.
ما تزال شخصيات عراقية مطلعة على ملف طلب زيارة البابا يوحنا بولص الثاني عام 1999 بقصد زيارة مدينة اور عام 2000 وافتتاح الالفية الميلادية الثالثة على قيد الحياة تتذكر ما حصل وقتها حيث كتب احد المطلعين : لما عرض الموضوع على الرئيس صدام حسين لم يتخذ قرارا منفردا لتلبية هذا الطلب بل استعان بلجنة موسعة من علماء الدين سنة وشيعة ومن أساتذة جامعيين بتخصصات مختلفة لاستطلاع رأيهم بزيارة البابا ويقول الراوي انني كنت من ضمنهم وكان بمعيتي الدكتور بهنام أبو الصوف وهو مسيحي وعالم بالآثار ومتخصص به وحينما اجتمعت اللجنة لمناقشة الموضوع كان الدكتور بهنام اول المعترضين على الزيارة ودافع عن رأيه بقوة وصرامة رغم ما كنا نحمله من رغبة في عدم الممانعة لكن أبا الصوف أصر علي رأيه معززا بالأدلة التي يحملها بحكم تخصصه ومنها ان الزيارة ستنعكس على العراق بالخطر الكبير لان البابا يريد من وراء هذه الزيارة إعطاء الحق لليهود فيما يدعون من ان اور هي ارضهم. وقد تم الاعتذار في وقتها عن قبول الزيارة بطريقة دبلوماسية. وقد تأكد هذا الكلام حينما حصلت زيارات لشخصيات رفيعة قبل الحرب لمنع العدوان عليه لكن المبعوث البابوي حين زار العراق والتقى بالرئيس صدام حسين، طلب منه موقفا من السلام مع إسرائيل لقاء رفع الحصار عنه قائلا كنتم بطلا في الحرب فكن بطلا في السلام، فلم يستجب الرئيس لهذه الدعوة.
بدت زيارة البابا فرنسيس للزقورة في اور هي الأهم من كل الزيارات واللقاءات الباقية، وهو يصلي بمجموعة مختارة من قبل الحكومة يغلب عليها نظام المحاصصة ، الذي اسسه الغزو واحتلال العراق اكثر مما يمثل الواقع ليبدو اختيارا لمرحلة جديدة قد رسمها الاحتلال الأمريكي الأطلسي ، اذ اختفت من مشهد اللقاء مع البابا شخصيات مثل مقتدى الصدر بينما وقف الى جانب البابا رجل الدين الشاب جواد الخوئي وهو ابن اخ عبد المجيد الخوئي الذي اغتاله مقتدى الصدر وعدد آخر من رجال الدين الشيعة وبقية المكونات بينما لم تتضمن الزيارة لقاء علماء المجمع السني الذين تساووا في التمثيل لهم مع اصغر الديانات الموجودة في العراق.
محطة حبر الفاتيكان الأخيرة كانت مدينة الموصل الشهيدة، المدينة العريقة التي يتعايش فيها العراقيون منذ قرون والتي ادخل الاحتلال الأطلسي عليها عصابات برايات إسلامية احضروها من الرقة بالتنسيق مع قائد الحرس الايراني المغتال سليماني وحكومة المالكي ليتم للاحتلال تهجير أهلها مسلمين ومسيحيين وتدميرها في عملية هي الاكبر بين جرائم الحرب بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، اهدى البابا سبحته للميليشياوي رايان الكلداني صاحب ميليشيا بابليون العاملة تحت اشراف الحرس الإيراني وقائدها سليماني وهناك فديوات وتصريحات للكداني يمجد فيها بقائده ويقول بأنه جندي من جنود جيش الحسين الذي يحارب جيش يزيد ،كما قام هذا الميليشياوي عام2016 بالدخول لقاعة مفوضية حقوق الانسان التي كانت تناقش جرائم الميليشيات في العراق مع آخرين واعتدوا على العراقيين وعلى من كان معهم من شخصيات عربية مستعملين السلاح الأبيض خارج القاعة ، مما دعا بطريارك الطائفة الكلدانية لإصدار بيانا عنه يقول فيه انه لا يمثلنا بل يمثل نفسه، كما وضعت وزارة الخزانة الامريكية اسمه على لائحة الإرهاب عام 2019 .لا يمكن للفاتيكان ولا لسفارته المؤثرة في العراق ان تجهل هذا الميليشاوي بل هي تعرفه حق المعرفة ومشهد اهدائه السبحة من البابا لا يرسل رسالة سلام للعراقيين؟
صحيح ان كل مقاطع الانجيل المختارة وكلمات بابا الفاتيكان دارت حول حق الجميع بالعيش المشترك ورفض التسلط على الضعفاء وهو ما يتمناه كل أبناء الشعب العراقي المظلوم ،لكن الفاتيكان يتغاضى عن ذكر الاحتلال الذي هو سبب معاناة العراقيين بكل مكوناتهم ، وهو من يدعم الميليشيات التي تهدد حياتهم وتغتصب وتسلب املاكهم، انها ميليشيات المرجعيات الدينية التي زارها والتقى بها البابا، وهي حكومة الاحتلال التي يقول رئيس وزرائها ورئيسها انهم لن يتصادموا بالميليشيات ليعطوا بذلك الضوء الأخضر لمزيد من سفك الدماء دون الخوف من أي محاسبة وعقاب.
الفاتيكان مؤسسة دينية غربية تتبع الدول الغربية في سياساتها وهذه الزيارة للبابا والتي افرحت أهلنا المسيحيين تظهر بأن هذه المؤسسة لا يمكن ان تتجاوز مخططات الدول المحتلة للعراق بل هي تسير جنبا لجنب معها واهل العراق بكل مكوناتهم وبضمنهم المسيحيين يعرفون هذه الحقائق وهم اول من أوصل شهادات كثيرة عما حصل في بغداد والموصل من قتل وتهجير وسلب ونهب وقد عبر قساوستهم عن ذلك لعدة مرات كعراقيين اصلاء وقفوا ضد الاحتلال ورفضوا المحاصصة والطائفية وتدمير العراق.