23 ديسمبر، 2024 4:40 ص

هذه التوجيهات الحكوميّة لا تكفي

هذه التوجيهات الحكوميّة لا تكفي

حسناً فعل مجلس الوزراء بتجاوبه مع الشكاوى الموجعة المتكررة من الاختناقات المرورية التي تصبح في بعض الأوقات شبه قاتلة في العاصمة بغداد، وبإصداره توجيهات للحدّ من هذه الظاهرة، لكنه في الواقع لم يضع الإصبع على الجرح تماماً.
التوجيهات اقتصرت على ” معالجات سريعة وحلول آنية لهذه المشكلة” بحسب ما جاء في الإيجاز الصحافي للمتحدث باسم مجلس الوزراء سعد الحديثي.
مشكلة بغداد المرورية، كما مشكلتها مع الكهرباء ومع الخدمات البلدية وبخاصة النظافة والصرف الصحي، أكبر بكثير من أن تُوضع لها إجراءات ترقيعية “سريعة وآنية”، فالاختناقات المرورية المتواصلة على مدار الساعة، كما نقص الطاقة الكهربائية، تضرب الحياة الاقتصادية والاجتماعية في العمق.
ليس خطأً اتخاذ إجراءات لحلول سريعة وآنية، لكنه خطأ كبير أن يجري الركون إلى هذه الإجراءات والتعويل عليها وإهمال الحلول الجذرية.
بغداد واحدة من العواصم الكبرى في العالم بمساحتها البالغة ألف كيلو متر مربع وعدد سكانها البالغ نحو تسعة ملايين نسمة (ربع سكان العراق)، وهي بهذا تحتلّ المرتبة الثانية بين عواصم البلدان العربية والمرتبة السادسة عشرة بين عواصم العالم لجهة عدد السكان.
مدينة مترامية الاطراف ومكتظّة بالسكان كبغداد، لا تنفع معها المعالجات السريعة والآنية التي لم تنقطع منذ عقد السبعينيات من القرن الماضي ولم ينقطع معها فشلها ومعاناة السكان المتفاقمة سنة بعد أخرى، وهي معاناة تضاعفت مرات عدة منذ 2003، ليس فقط بسبب الأوضاع الأمنية ، وإنما أيضاً نتيجة لسياسة الابواب المفتوحة على مصاريعها في ما يتعلق باستيراد السلع التي كانت في مقدمها السيارات، وهي سياسة يتمسك بها كبار الفَسَدة من مسؤولي الدولة وشركائهم التجّار الغشّاشين. شوارع بغداد اليوم تغصّ بالسيارات، وبخاصة الانواع الرديئة (رخيصة الثمن) القادمة من الصين وإيران، فهذه الانواع من السيارات أغرت مئات الآلاف بشرائها، وهي كثيرة الأعطال، مما يساهم في الاختناقات المرورية، بل في الحوادث المرورية المميتة أيضاً، وعليه فمن أولى الحلول الجذرية الواجب تعويل الحكومة عليها وقف هذه السياسة، ومنع استيراد السيارات الرديئة رخيصة الثمن.
لكن الجائزة الكبرى التي تستحقّها بغداد، ومدن البلاد الكبيرة الأخرى كالبصرة والموصل، لحلّ مشكلتها المرورية مرة والى الأبد هو الركون إلى مشاريع النقل الجماعي السريع. هذا يكون بشبكة خطوط السكك الحديد الارضية وتحت الارضية. كان هناك مشروع للشبكة تحت الارضية ( أندرغراوند) منذ سبعينيات القرن الماضي عصفت به حروب صدام حسين العبثية المدمّرة الداخلية والخارجية، ويتعيّن على الحكومة الآن العودة إليه وتعزيزه بمشاريع أخرى لشبكة فوق أرضية ( ترام). كما إن إعادة الحياة إلى شبكة السكك الحديد التي تربط بغداد بسائر المحافظات من شأنها التخفيف من الاختناقات المرورية في العاصمة، وبخاصة عند مداخلها والمناطق المجاورة.
فضلاً عن هذا، ثمة حاجة دائماً وأبداً إلى تفعيل نظام المرور وأحكام قانون المرور، إن في بغداد أو خارجها.. نظام المرور جزء من الحل الجذري لمشلكة الاختناقات المرورية، وهو أيضاً عنوان هيبة الدولة وسلطتها.