17 نوفمبر، 2024 7:39 م
Search
Close this search box.

هذا من فضل ربي

من السهل على اللص أن يبتسم لك ابتسامة صفراء، ويجيبك في هدوء الموقن من النجاة “هذا من فضل ربي، فهل لديك اعتراض؟”.

لا أعرف ماذا سيكون موقف السلطات إذا نفذت بالفعل وعدها بإصدار قانون حول الاستثراء غير الشرعي، ثم تأتي لتسأل أحدهم: من أين لك هذا؟ فيجيبها: هذا من فضل ربي!

المعلوم أن هناك دولا عربية عدة شرعت هذا القانون، آخرها تونس التي تستعد لعرضه على البرلمان قريبا، ولكن الفساد لم ينته ولن ينتهي، لأنه كنبات النجم، إذا تمكن من الأرض بات من الصعب على المزارعين اقتلاعه، وقد يعتقد البعض أن المشكلة في الجزء الأخضر الظاهر منه، قبل أن يكتشف أن السرّ يكمن في الجذور الضاربة في الأعماق. كذلك هو الفساد، يتغلغل في قلب المجتمع وداخل مراكز النفوذ ويتفرع في اتجاهات شتى إلى أن يصبح نظام حياة وجزءا من بنية الدولة وثقافة شعبية تتوارثها الأجيال.

ومن أطرف ما سمعت في موضوع الفساد أن طفلا سأل والده “ما معنى الفساد المالي والسياسي؟”، فأجابه “لن أخبرك يا بني لأنه من الصعب عليك أن تستوعب الأمر وأنت في هذا السن، لكن دعني أقرّب لك الموضوع، أنا أصرف على البيت لذلك سأطلق على نفسي صفة الرأسمالية، وأمك تنظم شؤون البيت لذلك سنطلق عليها اسم الحكومة، وأنت تحت تصرفها لذلك فسنطلق عليك اسم الشعب، وأخوك الصغير هو أملنا الذي ينبني عليه الغد لذلك سنطلق عليه اسم المستقبل، أما الخادمة التي عندنا فهي تعيش من ورائنا وسنطلق عليها اسم قوى الشعب العاملة، فحاول أن تقرأ الوضع كما أوضحت لك، لربما ستصل إلى نتيجة ولو بعد حين”.

وفي الليل سيطرت كلمات الوالد على الطفل حتى أنه لم يستطع النوم فنهض من فراشه قلقا، وسمع صوت أخيه الصغير يبكي فذهب إليه فوجده مبللا وبلا حفاظة، فاتجه إلى والدته فوجدها تغط في نوم عميق، ولكن والده ليس إلى جوارها في السرير، فذهب ليبحث عن أبيه، فلم يجده في غرفة الجلوس، ونظر إلى غرفة الحمام، فلاحظ أن لا نور فيها، ثم اتجه إلى غرفة الخادمة، ووضع عينه على ثقب الباب، ليكتشف أن والده في لحظات أنس معها.

ومن الغد، قال الولد لأبيه “لقد عرفت يا أبي معنى الفساد”، فرد الوالد مستغربا “بهذه السرعة!”، فأجاب الولد “عندما تلهو الرأسمالية بالقوى العاملة وتكون الحكومة نائمة في سبات عميق، يواجه الشعب الإهمال ويعيش القلق ويصبح المستقبل غارقا في القذارة”.

أما ما عدا ذلك فلا يحتاج إلى قانون من أين لك هذا، لأنه من السهل على اللص أن يبتسم لك ابتسامة صفراء، ويجيبك في هدوء الموقن من النجاة “هذا من فضل ربي، فهل لديك اعتراض؟”.

نقلا عن العرب

أحدث المقالات