يقول الأستاذ محمد حسنين هيكل في حوارٍ مع أحد الصحف المصرية أنَّ لقاءً مطولاً جرى بينه وبين العاهل السعودي السابق عبد الله بن عبد العزيز خرجَ منه بسؤالٍ خطير وجهه العاهل السعودي إلى هيكل الذي تجاوز عمره الثمانين عاماً تركز في مجمله عن صحة هيكل وقوته البدنية وهل تزوجَ إمراةً أخرى ! ويستمر هيكل في حديثه ، أنه قابل بعد أسابيع الرئيس الإيراني أحمدي نجاد لأكثر من ساعتين وكانت محاور الحديث أشبه بالتحقيق الجنائي ! فقد وجه نجاد إلى هيكل مئات الأسئلة عن المنطقة وتحليلات وتوقعات وآراء هيكل بها .. ويستمر الأستاذ هيكل في لقائه المطول أنه خرج من لقاء العاهل السعودي مطمئناً جداً بينما خرج من لقاء نجاد مرتعباً .. لأن الإيرانيين لايفرقون بين مصر والعراق وبين الجزائر وقطر وبين لبنان والكويت .. فالكل بمثابة دول معادية وإن لم تكن معادية فستكون معادية مستقبلاً .. لذلك فإن السياسة الإيرانية تتوحد في تعاملها الستراتيجي مع الدول العربية بغض النظر عن الولاءات والتحكمات والثروات (….) ..لماذا يعتقد الكثير من العراقيين أنَّ إيران فقط لها أطماع في العراق تدخل ضمن مبادئ وعقيدة السياسة الإيرانية في المنطقة ؟ في عام 1990 وبعد غزو العراق للكويت طلب السعوديون من الأمريكيين معلومات عن الجيش العراقي وتسليحه وخططه فأجابهم الأمريكيون بأنهم لا يمتلكون عميلاً نشطاً واحداً في العراق ! بدأ السعوديون بعدها وبلا هوادة بتحشيد الجيوش العربية كافة إسناداً للجيش الأمريكي والجيوش الأجنبية التي كانت لاتحتاج أصلاً لدعم الجيوش العربية لأنها فرصة تاريخية لبقائهم عقوداً في المنطقة بحجة تحرير الكويت وبدأ بعدها مسلسل الإستحواذ المطلق على العراق وبتر قوته الإقتصادية والعسكرية إلى الأبد لأنه يعد الخطر الأكبر للسعوديين والمنافس الأكبر للهيمنة على مقدرات منابع نفط الخليج .. وحدثَ ماحدث .. مشاركة كاملة ودعم تام من السعوديين في تضييق الخناق على الشعب العراقي في أثناء الحصار الذي لم يشهد له التاريخ مثيلاً .. ثم المشاركة العلنية والدعم اللوجستي والمادي والعسكري والمعنوي لإحتلال العراق والسماح لطائرات العدوان وبلا حياء بضرب بغداد من قاعدة الظهران السعودية .. لكن السعوديين لم ينسحبوا فبحجة وجود دولة وحكومة مناصرة لإيران إستمر السعوديون ( أقصد النظام فقط) بالعداء للعراق وشعبه ومغازلة إيران خوفاً منها لاأكثر ! أما ما حدث للشعب العراقي وما يمكن أن يحدث فليذهب أدراج الرياح ..النظام الحاكم في السعودية ليس له أصدقاء في المنطقة أو أشقاء .. فالشقيق والصديق هو من يدعم ويساند هيكلية وفلسفة النظام الثيوقراطي السعوديوبقاء العائلة المالكة بحكمها المطلق بلا قيدٍ أو شرط .. وقد لعب السعوديون لعبةً خطيرةً جداً في كيفية الحفاظ على حكمهم وعدم النظر أو الإلتفات إلى مايعانيه بعض أشقائنا في السعودية من فقر ومعاناة لايستطيعون التعبير عنها لأنَّ العائلة الحاكمة تحمل أكبر ذريعةٍ لعدم المساس بتفردها وتسلطها وهي الشعائر المقدسة للمسلمين وهي بيت الله الحرام والمسجد النبوي الشريف .. لذلك يراعي الكثير من السياسيين والمعارضين داخل السعودية وخارجها عدم المساس بالعائلة الحاكمة خوفاً من إحتمال المساس بالشعائر المقدسة .. لكني أرى غير ذلك تماماً .. فالسعوديون يناصبون العداء للعراقيين منذ عقود ولايتحملون حتى الوقوف مع عراقي داخل الأراضي السعودية ويمنع إقامة أو إدخال أي عراقي مهما كانت صفته إلى الأراضي السعودية وتحديداً إلى العاصمة الرياض بإستثناء الحجيج والمعتمرين .. بينما تعجُّ السعودية بكل جنسيات العالم على الإطلاق وبدون إستثناء .. السعوديون ساهموا في قتل وتشريد مليون عراقي منذ إحتلال العراق من قوات العدو الأمريكي المحتل ثم تركوا العراق وحيداً للأطماع الإيرانية والتركية ، تفترس ماشاء لها من مقدرات العراق وتصول وتجول داخل الساحة السياسية العراقية ومن ثم الإمساك بعنق العراقيين النحيف وقطعه إذا إستوجب الأمر ذلك ..كيفَ يمكننا تحديد أطراف اللعبة وقادتها داخل منطقة الشرق الأوسط بعد أن سقطت جميع الأنظمة العربية وبحرفية مخابراتية تامة كان للسعوديين الدور الكبير واللاعب الأساس فيها .. فأقرب صديقٍ لهم وهو الرئيس المصري السابق مبارك أسقطه الإخوان المسلمون بصمت مطبق من السعوديين .. وقبله الرئيس التونسي الذي إختار السعودية منفى له .. وتلاه الرئيس اليمني الذي أُسقط بطلبٍ سعوديٍ مباشر .. أما مايجري في سوريا فهو أمرٌ محيرٌ حقاً فبشار الأسد حليف السعوديين ووارثه عن أبيه تركه السعوديون يلعق في جراح شعبه وتحولت سوريا من مصيفٍ ومتنزهٍ للسعوديين والخليجيين إلى جبهةٍ لحربٍ دفع ثمنها أولاً وأخيراً الشعب السوري الشقيق تحت طائلة الربيع وهي بالحقيقة حربٌ أهلية لن تبقِ ولن تذرإستفادت منها السعودية إعلامياً بحجج دعمها لمعسكرات اللاجئين السوريين وتزويدهم ببعض صناديق المياه والخيم وصناديق الطعام الجاف بينما ومن الممكن جداً وبقرارٍ واحدٍ من السعودية وحلفائها في دول الخليج أن تحل مشاكل اللاجئية على الأقل بمبلغ واحد يقطع من إستثمارات السعوديين والخليجيين الموزعة في المصارف الأمريكية والأوربية ( هذا ليس بحرام ! .. وقد تكون للسعودية يدٌ ولسانٌ في إسقاط القذافي عدوها المكشوف لكنها إنسحبت بهدوء بعد إسقاطه وتركت الشعب الليبي يخوض غمار فتنةٍ وصراعاتٍ وتهديدٍ بتقسيم ليبيا إلى دويلات صغيرة .. وهكذا سيجري الأمر على كل دول المنطقة واحدةً تلو الأخرى بإستثناء دول الخليج العربي وإيران .. فالسعودية ضغطت على مجلس التعاون لإصدار قرار بتدخل الجيش السعودي في البحرين خلال ساعات لحماية العائلة المالكة في البحرين والتصدي لإمكانيات التدخل الإيراني لكن من بعيد .. ثم إيران ومغازلتها علناً كي لايرفع الإيرانيون عصاهم بوجه السعوديين .. السعودية ليست لها مصالح مع أحد وأكرر ليس لها أشقاء وأصدقاء فالشقيق والصديق من يحمي مصالح العائلة المالكة فقط وما يحدث في العراق من خراب قد يتوشم به النظام الإيراني بنسبة كبيرة لكنَّ الوشم الأكبر في قلب النظام السعودي ودوره في بقاء شعب العراق يعاني الأمرين .. الحكومة الفاشلة وهيمنة الأحزاب الطائفية ومن جميع الإتجاهات على مقدرات الشعب العراقي ومستقبله والجار والشقيق السعودي الذي يصب الزيت على نار الفتنة والخراب لشعبنا المجاهد .. لكنّي أبشر السعوديين والإيرانيين وغيرهم بإنَّالعراقيين والعراق قلب هذا العالم ورئته النقية الصافية وعقله المدبر .. ومهبط الرسل والأنبياء فقد نكون قد ضحينا وجُرحنا لكن النصر أخيراً سيكون لشعبنا العظيم .. شعبنا وفقرائه ورجاله ونسائه وشيوخه .. وليقرأوا هذا التاريخ جيداً فالعراق خرج من الإحتلالات والمؤامرات والحروب صلباً متماسكاً موحداً أضعافاً مضاعفة .. لأن قيادة الوطن هي مايفرضه الشعب وليس ماتفرضه الدساتير الخائبة أو الحكومات والمجالس الفاشلة ,, ليس إلا .. ولله .. الآمر.