23 ديسمبر، 2024 3:02 م

هذا ما تيسر من صولة قنبر

هذا ما تيسر من صولة قنبر

قوم الأغنية في العراق بشكل عام مقام المنشور السياسي الذي يزعج السلطة، سواء منها أغاني الأطفال في الطرقات أو الشباب في الحفلات أو كبار السن الذين يجلسون في المقاهي والمنتديات والعيادات..الكثير من هذه الأغاني تختزنه الذاكرات الشعبية، يعوض ويعبر عنهم في السر والعلن.

رغم كوني مستمع غير جيد للاغاني، الا انني استمع للموسيقى الهادئة لأسباب: لا فهمها ولا اعرف السلم والمقام وكذلك الموسيقى تعزل ما بيني وبين اللذين يحيطون بي. لكن، بمرور الأيام عرفت ان المشرع الديني يحرم الاستماع الى الأغاني ولا يحرم الموسيقى. الغريب في الأمر، الموسيقى سيمفونيات أو بعض المقطوعات تحمل موضوعات غاية في قلة الأدب وخدش الحياء؛ مثيرة للصراعات أو إثارة للشهوات، فكيف حرمت الأغنية ولم يحرم الشرع الإسلامي موسيقاها ؟.

يبدو من الأمر ان بعض رجال الدين مثلي لا يعرفون لغة الموسيقى، فقط نعرف غناء الشوارع الذي يردده بعض الجمهور وهم يطربون لها، كذلك حرمها لكونها مزعجة، للكثير من الناس وهو شخصيا.

لكن، هناك من الأغنيات فاعلة حية في وجدان الضمير الشعبي، يلفظونها لتقرير بعض الحالات، انها مرموزة الجمهور المقموعة في اللاوعي، تشرك الناس في الهم والحزن أو الفرح والسرور، أو للسخرية، اعتقد المواطن يعرف ذلك ولكن للتأكيد مناسبته.

لكي لا أكون حال رجل الدين الذي يرتاد علب الليل بعد إلقاء موعظته، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم مقدما.

يا سادة يا كرام:

نتحدث عن تشكيلات كل فريق أو لواء بما لديهم فرحون، خاب وخسر من تمسك بها، وهي تذبح للات شعبها. منها فريق للخس والشلغم وأخر للحجامة والإمامة واخريات..

كنا نمشي في الطرقات ونسمع أغاني الأطفال عن القادم والفائت. هم ينشدون (صارت عرگه مصلاويه بين الديچ والواويه).

مرة أخرى يتكرر اسم هذا الديك.

كنا نجلس في المضايف والكهاوي

ونسمع بطولات الديچ والواوي

لاصطياد الفروج والدجاج في منطقة البعاج

ثم يتم توجيه سؤال حول هذا الديك:(إذا الديچ على التيغة التي بينكم وبين الجيران وباض، البيضه الكم لو للجيران ؟).

لم يعد الجواب نحار فيه مثل الصبيان، الآن الجيران لم يبقوا لنا لا الديك ولا البيض ولا التيغة، وصرنا العرض واحد!.

لكن، في مثلث الموت، المربع البغدادي يطرح السؤال وجوابه:(من بايگه لهذا الديچ)؟.

الجواب:(يكلون باكه غيدان وسوه عليه بيذنجان)..الى آخر الطبخة في الأغنية على لسان الشيف فاضل رشيد.

قال الغراوي:

قطعت إجازتي و ذهبت من العلاوي

وهو يتحدث عن (نجسة) حزيران

بسبب قنبر وغيدان

لكن، صوت أغنية تطوي المسافات التي أصبحت مسامات، يتسلل إلينا من بعيد، يسمعنا ذلك الشك والهاجس الذي تمخض عن حوارية غنائية دارت بين داخل حسن ومغنية ريفية. يشترط عليها صفة واحدة فقط لكي يتزوجها وغيابها هو الذي يهدم بناء العشرة والأسرة وبالتالي انهيار الشخص والمجتمع السليم..الصفة (الچذب) عكس (الصدك)!.سجال الأغنية:

هو:( لو رايد عشرتي وياك / حچي الچذب لا تطريه).

هي:(أدور اعله الصدك يا ناس/ ضاع وبعد وين الكاه).

لم يكن المجهول كاتب الأغنية أو داخل حسن عالم اجتماع أ انثرو بولوجيا أو درس الأخلاق والفلسفة، لم يشترط الشهادة أو الوظيفة و المنصب أو الملكية النقدية أو العشيرة، لكن، بحسه الإنساني فقط ان لا تكون (جذابه). لكنها في نهاية كل مقطع ومع سبق الإصرار والترصد و توفر الشروط السبعة للإدانة، تعترف، والاعتراف سيد وعبد الأدلة . تقول: الشرط قاسي وصعب، سواء تربيت على الصدق أو الكذب، فقدت الصدق في مجتمع الأغنية فهل بإمكانكم ان تدلوني عليه؟. ما بين الخوف من ذهاب النصيب وبين الاستخفاف به مراهنة له على عدم وجود الصدق. لم تقول له إنا صادقة وحبك في داخلي يا داخل طرد الكذب أبدا، انما استغربت ظهور هذه الصفة في حياتهما لتقرير المصير بعد مغادرة المجتمع لها. كان ذلك في منتصف القرن الماضي، فكيف الآن ؟.

(بنجسة) حزيران القهر

قنبر يقودلنه البقر ؟.

لا علي يرضه ولا عمر ..

يواصل الغراوي اعترافاته بالبلاوي:

جاء قنبر وغيدان

ورسمنا منضدة الرمل كالجرذان

حتى ضاعت الحلقة المفقودة بين القرد والإنسان؟.

كانت تستقبلهم سميرة توفيق بالچوبية الكردية:

(ياعين مو ليتين وداعش موليه..)

(أهلا وسهلا ومرحب بين باللي جن

لكعد ورش الدرب للسمر لمن جن )

الى آخر الأغنية… وتحية خاصة لإبطال الهزيمة

(صعدت فوك الجبل ـ ولكيت لمتهم

كلهم عمايم خضر ـ يامحله كعدتهم).